كتاب عربي 21

هل انتهى دور حزب العدالة والبناء؟

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600
تكرر في نقاش أمامي كلام عن فقدان حزب العدالة والبناء مقومات البقاء وانتهاء صلاحيته، ويشترك في هذا الرأي حتى بعض أنصار الحزب ومن كانوا أعضاء فيه. 

فخصصت هذه السانحة لتناول هذا الحكم ومحاولة إرجاعه إلى أسبابه وتحديد ما اذا كانت النتيجة المتوقعة مطابقة لقائمة الأسباب.

بداية، من المهم التأكيد على أن حزب العدالة والبناء، كونه تجمع عضوي اجتماعي، تسري عليه السنن التي تحكم حركة التجمعات الاجتماعية السياسية، بالتالي فهو معرض للجمود والاندثار إذا توافرت الأسباب.

مر حزب العدالة والبناء بمرحلتين خلال مسيرته، إذ تعزز الحضور السياسي للحزب منذ تأسيسه في مارس 2012م ليصبح أهم حزب بمرجعية إسلامية في البلاد.

وصار وجوده في دوائر صناعة القرار مؤثر وفي بعض الأوقات حيوي جدا. 

وتشير لقاءات التفاوض ومساعي التنسيق بينه وبين حزب تحالف القوى الوطنية قبل الانقسام السياسي عام 2014م إلى اعتباره واجهة التيار الإسلامي في ليبيا، والطرف الهام في معادلة التوازن.

ثم كانت مرحلة الانحسار الشعبي، التي تعود لأسباب عدة، من أبرزها ردة الفعل السلبية تجاه الأحزاب بسبب انزلاق القوى السياسية في صراعات مبكرة، ثم انغلاق الفضاء السياسي برغم ارتفاع سقف الحريات.

أيضا، صارت الخلفية الفكرية والارتباط التنظيمي لأبرز قيادات الحزب بجماعة الإخوان المسلمين، مقرونة بأخطائه في إدارة العمل السياسي، وقودا لهجمة شرسة انتهت بتحميله مسؤولية الكثير مما وقع من انحرافات عن مسار الانتقال الديمقراطي عقب انتخابات المؤتمر الوطني العام 2012م.

وتأثر الرأي العام بتلك الهجمة إلى درجة صار الاقتراب من الحزب وصمة تكلف كثيرا من الرصيد السياسي والنفوذ الاقتصادي والاجتماعي، بل ربما تكون سببا للملاحقة الأمنية.

واتسعت دائرة انعدام الثقة في الحزب لتشمل جزء من التيار الجامع للإسلاميين وغيرهم الذين تكونت منهم جبهة فجر ليبيا، وذلك في ثنايا البحث عن مخرج من الانقسام وإنهاء النزاع حيث اختار حزب العدالة والبناء الدخول في الوفاق ودعم اتفاق الصخيرات، فيما عارضه بقوة قطاع ممن اصطفوا معه في جبهة فجر ليبيا.

ونخلص مما سبق، القطع بأن الضعف الذي يعتري الحزب يعود إلى عوامل خارجية ساهمت بشكل كبير في عزله عن المجموع العام، وإلى أسباب داخلية تتعلق بالاختيارات السياسية للحزب ونهج إدارته وتحوله من الإدارة المؤسسية إلى القرار الفردي أو المنحصر في عدد قليل من الشخصيات كما يقول بعض أعضاء الحزب، الأمر الذي قاد إلى تراجع وزنه السياسي وضعف تأثيره في المجتمع وانحسار قاعدته وتفريغه من الكثير من الكوادر الفاعلة، فكانت النتيجة الحكم أن الحزب آيل إلى الاندثار.

وبرغم اعتقادي بضعف الحزب بمعيار تقلص قاعدته التنظيمية بشكل كبير وضعف بنائه المؤسسي وتدني فاعليته والتي ينبغي أن لا يكون معيار تقييمها مجرد المشاركة في الحراك السياسي الرسمي، بل ينبغي أن تتعداه إلى الفعل المؤثر في المنظومة السياسية والمكونات الاجتماعية والفئات المختلفة الفاعلة في المجتمع.

برغم التسليم بما سبق، إلا إني أرى أن محددات الحكم بقرب اندثار الحزب وانتهاء دوره السياسي، خاصة في أجواء الأزمة التي ما تزال ملتهبة، لا تخضع لمدى القوة التنظيمية للحزب ولبنيته المؤسسية وفاعليته في التواصل والتأثير الشعبي.

حزب العدالة والبناء برغم ضعفه لا يزال المكون السياسي الوحيد المحسوب على التيار الإسلامي الذي له حضور في المعترك السياسي بحيازته ثقة فاعلين مهمين في المشهد الليبي كطرف سياسي، بغض النظر عن طبيعة تلك الثقة ودوافعها.

يبدو أن خصوم المشروع الإسلامي بشكل عام يفضلون أن يكون على الجهة المقابلة من طاولة التفاوض والتدافع السياسي اليوم حزب العدالة وليس أي طرف إسلامي آخر من المعارضين للاتفاق السياسي.

من ناحية ثانية، هناك ما يشير إلى اعتماد المنظومة الدولية للحزب كطرف مناسب لتمثيل المجموع الإسلامي في البلاد في العملية السياسية، ولها تجربة في التعاطي معه تجعلها تتشبث بوجوده في هذه الفترة الحرجة.

أيضا اللاعبين الإقليميين الذين هم اليوم في مواجهة مع أطراف إقليمية أخرى داعمة للمشروع السياسي لجبهة طبرق وخليفة حفتر يحرصون على بقاء الحزب في المشهد لأنهم يعتبرونه المكافئ للطرف المدعوم من قبل خصومهم الإقليميين.

كل ما سبق يعزز مفارقة استمرار حضور الحزب سياسيا برغم ضعفه، وسيكون انتهاء دوره وانحسار وجوده مربوط ببروز بديل سياسي بمرجعية إسلامية وطنية يجمع تفاريق الإسلاميين والوطنيين ويجعل منهم جبهة عريضة بواجهة قوية وبمشروع مكافئ للمشروع الآخر، عندها ستجد الأطراف الإقليمية الداعمة للتيار الإسلامي شريكا تعول عليه، وسيصبح ثقله مدعاة للتعامل معه محليا ودوليا ولو على مضض.

الفرضية المطروحة (انتهاء دور الحزب) يمكن أن تتحقق في حال تم الذهاب للانتخابات مع تحييد الأطراف الاقليمية، ففي هذه الحال يمكن أن تكون حظوظ الحزب -التي بالأصل ليست كبيرة- محدودة، وهو سيناريو محتمل ولكنه ليس راجحا، ويعتمد، كما سبق الإشارة، على بروز تكتل يمثل القاعدة الشعبية التي مثلها حزب العدالة والبناء في الاستحقاق الانتخابي الأول.

والخلاصة، أنه برغم اعتقادي أن حضور الحزب في المشهد السياسي ليس لأسباب تقليدية كالوزن السياسي والثقل الاجتماعي والاقتصادي والنفوذ الأمني، عليه فإن وجوده على الساحة اليوم وكذا قدرته على التأثير في دوائر صناعة القرار ليس لمقوم ذاتي، بل لعوامل يستلزمها التوازن المطلوب في المعادلة السياسية الراهنة، ولهذا فإنه من المبكر القول بانتهاء دوره.
التعليقات (1)
فرج الهمالي
الأحد، 06-05-2018 03:55 م
الانتخابات ستكون الفيصل في المرحلة القادمة وعندها ربما يحكم أن الحزب نجح في تمثيل الإسلامين أو فشل حتى في التفاوض