هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في الوقت الذي تحتفل
فيه الحركة العمالية العالمية بيومها السنوي في الأول من أيار/ مايو المقبل، ينتظر
عمال مصر احتفالا مختلفا، تمثل في إجراء أول انتخابات نقابية عمالية منذ ثورة كانون
الثاني/ يناير 2011، تتبعها موجة جديدة من ارتفاع الأسعار مع بدء تطبيق الموازنة
المالية الجديدة في تموز/ يوليو المقبل.
وطبقا
لتقارير الجمعيات المعنية بحقوق العمال، فإن نظام الانقلاب برئاسة عبد الفتاح
السيسي جهز لهذه الانتخابات طيلة السنوات الماضية، ليقدمها هدية للعمال، لكنها
ستكون هدية من نوع آخر، بعد فرض القيود عليهم، والتنكيل بهم، وإقرار قانون سيطر على الحركة العمالية من بدايتها لنهايتها.
ويشير
المركز المصري للحقوق والحريات إلى أن كثيرا من الاعتقالات طالت قيادات عمالية
مؤثرة في المصانع والشركات كانوا مهيئين لخوض الانتخابات التي تجري منتصف أيار/ مايو
المقبل، وآخرهم 8 قيادات عمالية بارزة من شركة بسكو مصر ألقت قوات الأمن القبض عليهم
منذ أيام بعد احتجاج عمال الشركة لمدة أربعة أيام؛ للمطالبة بصرف أرباحهم السنوية،
كما أصدرت النيابة العامة قرارا بالقبض على 20 آخرين؛ بتهمة تحريض العمال.
ويؤكد
القيادي العمالي والعضو السابق باتحاد عمال مصر، عبد القوي عمران، لـ"عربي21"، أن الانقلاب الذي قاده السيسي كان أحد أهدافه القضاء على الحركة
العمالية، باعتبارها الوقود المحرك لأي ثورة، وبالتالي توسع في اعتقال قيادات
العمال من الإخوان المسلمين، والذين كان لهم تأثير كبير في الشركات والمصانع، ثم
انتقل لاعتقال القيادات اليسارية المخالفة لتحركاته ضد العمال، وتوسع الأمر في
النهاية ليشمل كل من يطالب بحقه.
ويضيف
عمران أنه في مقابل ذلك عملت حكومات إبراهيم محلب وشريف إسماعيل على تفتيت جبهة
العمال وتقسيمهم لمجموعات، بمنح العاملين بالجهاز الإداري للدولة امتيازات على
حساب العمال في القطاعين العام والخاص، ثم قسمت العاملين في قضية الحد الأدنى
للأجور بين عاملين بالدولة يسري عليهم الحد الأدنى وعاملين بالقطاع الخاص لا
يتمتعون به، كما استبعدت العاملين بالدولة في تطبيق الحد الأدنى العاملين
بالجهات الاقتصادية والخدمية والمعاشات وقطاع رجال الأعمال، فكانت النتيجة ضرب
مصالح العمال بعضهم ببعض.
ويستكمل
القيادي العمالي أن القبضة الأمنية كانت حاضرة أيضا في التعاطي مع أي احتجاجات
عمالية، وقد تم تطبيق قانون التظاهر مع العمال الذين يتظاهرون أو يضربون داخل
مصانعهم، ومنهم من سجن لمدة عام، ومنهم مازال رهن الاعتقال منذ أعوام.
ولفت
عمران إلى أن السيسي بعد نجاح إضراب عمال غزل المحلة نهاية 2014 وبداية 2015، كان
هدفه السيطرة الكاملة على القطاع العمالي؛ بتفتيت وتجزئة مطالبه، وإخراج النقابات
المستقلة من الصورة، مع تشديد القبضة الأمنية بشكل أرهب الجميع.
وأشار
عمران إلى قضية الباحث الإيطالي جوليو روجيني، الذي تم التخلص منه بالقتل لنشره
بحثا باسم مستعار عن حالة حقوق العمال بمصر، رصد فيه الضغوط والإجراءات القمعية
التي مارسها نظام السيسي ضد العمال حتى لا تقوم لهم قائمة.
ويضيف
القيادي العمالي وعضو مجلس الشورى السابق، طارق مرسي، لـ"عربي21"، أن
الحركة العمالية عاشت أفضل مراحلها في الفترة من 2005 وحتى ثورة يناير 2011، وكانت
الاحتجاجات العمالية أمام مجلس الوزراء والبرلمان بمجلسيه وقود هام لثورة الغضب
التي أطاحت بنظام مبارك.
ويوضح
مرسي أن الحركة العمالية بطبيعتها منظمة، ولها هيكل نقابي يحترمه العمال، وهو ما
كان له تأثير على استمرار حركتها بعد انقلاب تموز/ يوليو 2013، ولذلك كان إضراب
عمال غزل المحلة كفيلا بأن يكون شرارة القضاء على الانقلاب لولا تدخل رئيس الوزراء
وقتها إبراهيم محلب، والذي استجاب لكل مطالب العمال؛ حتى لا تمتد الشرارة وتنفجر
الأوضاع التي كانت ملتهبة في الأساس.
ويشير
البرلماني المصري إلى أن السيسي استخدم كل أوراقه لإسكات صوت العمال، إما بمنح
امتيازات هامشية لبعض الفئات، أو من خلال القبضة الأمنية القوية، وتلفيق التهم لكل
من يراه المسؤولون قادرا على تحريك الجماهير، وختاما بتفصيل قانون للنقابات
العمالية ينتقص من حقوق العمال لصالح صاحب العمل، وتحولت الدولة من راعية لحقوق
العمال إلى مناهضة لهم.
وتوقع
مرسي ألا تخرج الانتخابات النقابية القادمة عن حالة انتخابات برلمان الانقلاب
ورئاسة الانقلاب، باعتبارها سلسلة ممتدة، بالإضافة لغياب القيادات العمالية
المؤثرة، إما بالقتل أو الاعتقال والحبس أو الهجرة القسرية هربا من بطش النظام
الدموي الذي يحكم مصر.
ويضيف
مرسي أن حالة الخوف والإرهاب التي يمارسها النظام ضد العمال يمكن أن يكون لها
نتائج عكسية، خاصة في ظل الضغوط المعيشية المتزايدة التي أثرت على العمال أكثر من
غيرهم، باعتبارهم صلب الطبقة الكادحة، وكذلك تزايد فجوة الدخل لصالح رجال الأعمال،
وهو ما يمكن أن يكون له تأثيرات إيجابية في استعادة العمال لروحهم وفاعليتهم
ونضالهم، ليكونوا الشرارة الأكثر فاعلية في الثورة الشعبية ضد نظام الانقلاب.