أصل الكارثة بواقعنا الأسود

رغم كل ما يحدث بمصر من إفقار وإفساد وظلم وقهر وتدني وسقوط ولصوصية ورهن للقرار والمقدرات وتفريط أصبح منهجا، وبيع قد أصبح عنوانا "لعصابة الحكم"، ورغم تجهيل لا يوُصف وتغييب لا يُصدق، رغم ما حدث وما سيحدث، إلا أن هناك الكثير جدا من المعارضين، ومنهم الشرفاء، يختزلون المشكلة في شخص "السيسي"، متى سيدرك الجميع بأن أصل "الكارثة" هي جمهورية يوليو العسكرية التي تحتل مصر منذ انقلاب 1952 وإلى الآن، وقد وصلت لمرحلة من التوحش والإجرام بحق هذا الشعب سيتندر عليها التاريخ يوما ما.

ماذا يتبقى إذن في قواميس الخيانات بحق هذا الشعب لم تقترفه تلك العصابة المجرمة ليدرك الجميع ذلك؟.. "السيسي" ليس أكثر من منفذ لكل المخططات الشيطانية التي تقرها عصابة الحكم لإخضاع وإذلال وكسر إرادة هذا الشعب لتطويعه وجعله مسخا يسهل حكمه والتحكم فيه، بل وللوصول إلى جعل هذا الشعب "قطعان مازوخية" تتلذذ وتستمتع بممارسات العصابة بحقها.

هل كانت فقط قرارات السيسي فيما يخص التفريعة أو العاصمة الجديدة أو المليون ونصف فدان أو الاقتراض أو شراء أسلحة ليس أبدا بحاجة إليها أم تطوعا وتفانيا في المعاونة والإخراج من قبل فئة متخصصة من أفراد العصابة؟ هل عندما بدأ تدشين السجون والمعتقلات الجديدة كانت رغبة السيسي أم بتلاقي مع رغبة العصابة؟ وهل عندما أصدر قانون السلطة القضائية، والذي يعطي لنفسه الحق في التغول والعبث بمنظومة العدالة كان قانونه فقط أم بتطوع من ترزية القوانين لتفصيل قانون يتلاءم معه كونه "مسخا مستبدا"؟

هل البرلمان الذي يمارس أسوأ دور نيابي عرفته مصر في العصر الحديث اختيار السيسي فقط أم عاونته وقامت بهندسته أجهزته الأمنية التي لأول مرة اعتمدت نظام الكوتات بمعنى كوتة للأمن الوطني، كوتة المخابرات الحربية، كوتة المخابرات العامة، وكوتة جهاز أمن الاتحادية، وهي أهم كوتة بالبرلمان: فهل هؤلاء المخبرون خيار السيسي فقط أم بمعاونة ومباركة الأجهزة؟

هل عندما فرط في ترابنا الوطني جزيرتي تيران وصنافير وحقول الغاز ومياه النيل كان هذا التفريط والبيع قرارا فرديا أم بمعاونة وتنسيق بين كل أجهزة العصابة؟

هل عندما بدأ يشعر بتخلي سادته في واشنطن عنه وبأن تعديل الدستور لا يروق لهم في ظل استبداده وقمعه وممارساته من حبس وظلم وقتل خارج القانون، وقد اقتربت الانتخابات الرئاسية وأراد لها "الطهي الآمن"، وشرع في تشكيل "المفوضية العليا للانتخابات".. كان هذا اجتهاده الشخصي أم بمشورة وإعداد وإخراج ترزية القوانين سيئة السمعة؟

يا سادة المشكلة ليست أبدا في شخص السيسي، فكل الجنرالات الحاليين "سيسي"، ومن الممكن والضروري بأوقات كثيرة الاستغناء عنه بألف طريقة والمجيء بآخر "وعمل نيولوك جديد لعصابة يوليو 1952 (كغسيل)".

إلى متى سنظل شبه دولة قيد احتلال عصابة عسكرية تستبيح شعبا بأكمله؟ لن نبقى أبدا دولة إلا بزوال تلك العصابة.