حرب الإبادة الوحشية في
غزة على مدار
15 شهرا بلا هوادة تحمل دليلا مع مدى كفر الصهاينة بالآخر وعدم إيمانهم بمفهوم التعايش أو
حتى الاعتراف بإنسانية باقي الأمم؛ ما داموا يمتلكون القوة فلا سبيل إلا القتل
والتوحش لغيرهم!
وهذا وصف لمشروع
الصهيونية الدينية
والسياسية، فالصهيونية فكرة ظلامية تتعارض مع قيم الإنسانية والتعايش، فطالما
امتلك الصهيوني القوة فلا إنسانية إلا لأتباعها ولا حقوق إلا لمريديها، ولا سبيل
للتعايش معهم إلا بتجريدها من مصادر القوة.
توقفت حرب الإبادة على غير رغبة منهم
بعد أن هزمتهم المقاومة الفلسطينية بعتاد وعدة لا يضاهي قوتهم واصطفاف الغرب خلفهم،
في ظل حصار وخسة وخذلان يندى له جبين أي إنسان من أمة يعتقد أنها ماتت وأجساد
أهلها متحركة! ولكن مساعي
تهجير أهل غزة التي دمرتها العصابات الحيوانية لا زالت
مستمرة ليتحقق بالسياسة ما كانوا قد عجزوا عن تحقيقه بالخراب والدمار وتحويل غزة
إلى جزر خربة، تماما كما وعد مجرم الحرب نتنياهو في 8 نيسان/ أكتوبر 2023.
لقد ظنوا أن سكان شمال غزة لن يعودوا
إلى ديارهم المنكوبة بعد أن مُحيت معالم المنطقة ودمرت كل مقومات ومعالم الحياة
هناك، لدرجة أنهم يتعرفون على منازلهم من خلال ملابسهم المبعثرة تحت أكوام الدمار،
فصعق الصهاينة بالجموع الهادرة في مسيرات عودة مهيبة لمئات الآلاف بين حطام
المنازل غطت بعظمتها صور الخراب والدمار حولهم! لِمَ لا والإنسان هو أصل العمران
ومكتشف كل معاني الجمال، ليعود من جديد الشيطان بكل همة وخبث إلى سعيه نحو تهجير
من لا حل لهم مهما كانت القسوة ودرجة التوحش في مواجهتهم.
غادر مجرم الحرب والمطلوب دوليا
نتنياهو الأراضي الفلسطينية المحتلة متجها إلى أمريكا لمقابلة البلطجي الأول في
العالم
ترامب رئيس أكبر دولة إرهابية عرفها التاريخ الحديث وصاحبة الدعم المطلق
للكيان الصهيوني وشريكته في جرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة (صاحبة السجل
الإجرامي الوافر في الإبادة الجماعية في العراق وأفغانستان وفيتنام واليابان
وغيرهم) لبحث تصورات شيطانية لشرق أوسط جديد يهجّر فيه سكان غزة إلى سيناء والضفة
إلى الأردن.
هذا التهجير دعا له ترامب بتصريحات
متعاقبة في يومين وبصورة متعجرفة أقرب إلى التهديد وإعطاء الأوامر المباشرة لمصر
والأردن "سيفعلان ذلك.. سيفعلان ذلك.. نحن قدمنا لهم الكثير".. قالها
بتبجح ووقاحة للملك عبد الله والسيسي، فمهما كانت درجة خضوعهما أمامه والانصياع
لأوامره إلا أنها تصريحات جارحة لكرامتهما الشخصية بوضوح أمام نفسيهما وأمام
شعوبهما.
لم تتأخر الردود الرسمية لكل من
مصر
والأردن على تصريحات ترامب بأن تهجير الفلسطينيين مرفوض وظلم لن نشارك فيه، فإذا
كانت أمريكا عازمة على التهجير والسيسي فعلا رافض سواء برغبة منه وبإجماع مع كل
قيادات الجيش أو رغما عنه ونزولا على إجماع القيادة ضد التهجير وخشية المواجهة
التي ستكون حتمية مع الشعب الذي لا يمكن خداعه أو قبوله أي مبرر للتهجير، فإن
السيسي يواجه تهديدات جدية بإنهاء حكمه ومواجهة مصير بشار.
فالسيسي محاصر إما بإنهاء حكمه واقفا
في معركة واجه فيها مخطط التهجير ودفع ثمن هذا الموقف، وإما إسقاط نظامه بيد
المؤسسات والشعب ثمنا لمشاركته في التهجير وتعريض أمن مصر القومي للخطر وتسليم
سيناء للصهاينة بشكل رسمي وتصفية القضية الفلسطينية.
إنها الفكرة التي يصر حكام العرب على
عدم استيعابها فيعادون شعوبهم ويقبلون بأن يكونوا طغاة بدرجة أداة في يد الغرب
صاحب الشرعية الزائفة، مطمئنين بالحماية والحصانة من عدم ملاحقتهم على أي جريمة
يرتكبونها بحق شعوبهم، ما داموا تحت سيطرت وينفذون ما يطلب منهم وتتحقق بهم مصالح
قوى الشر مهما كانت تحمل من أضرار وتمثل خطرا محدقا على شعوبهم وأوطانهم. إن هذه
الحالة تجعل من الحاكم لقمة سائغة لا يجد الغرب في التخلص منها صعوبة، بل ربما
تحسب لهم بالتدليس حسنة وتسوّق لهم أبواقهم بأنهم نصروا الشعب، فهو طاغية هم
صانعوه في الأساس.
مصير لا يقتصر فقط على انحراف حاكم
عن المسار المرسوم له. فمن الممكن أن يتخلصوا منه وهو في أوج العطاء لهم والخيانة
لوطنه، ولكنه أصبح كارتا محروقا أو أن عطاءه لا يكفي لتحقيق مصالحهم فيجدوها مع
غيره لتنتهي قصته! قصة الخيانة والعطاء لسجين قصر كان للأعداء خير عون وعلى شعبه
بلاء!
في هذه اللحظة التي تكشفت فيها
الحقائق جلية من أن ما حدث على مدار 10 سنوات (بناء سد النهضة وتهديد أمن مصر
المائي وتعطيشها في سابقة لم تحدث على مدار أكثر من 7 الاف سنة، تيران وصنافير
ورأس الحكمة وبيع الأصول والديون وغيرها من الكوارث) ليس إلا مزيدا من إضعاف مصر
وإغراقها في الديون ومحاصرتها وصولا إلى التركيع التام أمام مثل هذه السيناريوهات
وتنفيذ أحقر المخططات!
بالتأكيد هناك من يتحمل مسؤولية ترك
الأمور حتى وصلت إلى هذا الحد سواء خدع أو كان على علم تام بمآلات الأمور، ولم ير
فيها حرجا ما دام سيصل إلى سدة الحكم ويستمر على العرش، ولكن في هذه الظروف خاصة
مع إعلان السلطة رفض التهجير وتوافقها مع إرادة الشعب ليس من الصواب طرح ما يضر
التوافق ويفرق الجمع في مواجهة المخاطر، وربما يعاد طرح هذه الأسئلة والمطالبة
بالمسائلة بعد زوال الخطر.
على الرغم من ذلك هناك بعض المنغصات
التي تضر بالوحدة الوطنية في هذا الموقف الحساس من تاريخ مصر، وألسنة يجب قطعها لا
تتوقف عن صناعة الفتن ونشر العفن في النفوس والعقول. فبينما يجاهد أصحاب القضية
والمعارك الوطنية أنفسهم للوقوف صفا واحدا مع من أشاعوا الظلم ونكلوا بكل وطني
لخطورة الموقف والتهديد المحدق لأمن مصر القومي والقضية الفلسطينية من اجل التصدي
لسيناريو التهجير، لم تتوقف الأدوات الإعلامية الرخيصة عن التشويه وتكريس الفرقة
والتدليس والكذب، رفقة ذباب وغوازي مواقع التواصل الاجتماعي خاصة إكس.
هذا الموقف لا يعني أن من يدير هذه
الأدوات يفتقر لكفاءة يتطلبها موقعه فقط، بل إنه لا يعرف عن الوطنية شيء، وهذا ما
يزيد الطين بلة!
لا يعرف أن البلد لا تدخل معارك بتلك
الأدوات الرخيصة التي لا تُجيد إلا ادعاء البطولة حتى تشعر بالخطر فتتوارى عن
الأنظار، تمتهن إشاعة الفتنة وإشعال الحروب وعند وقوعها لا يُرى منها إلا الفرار.
هذه المعركة -إذا وقعت- وإن كان هدف
السلطة منها الحفاظ على حكمها فإنها معركة الشعب لحماية وطنه وأم قضايا أمته، ولا
يملك أحد منعه من القيام بدوره مهما كانت وقاحة تلك الأدوات التي تظن أنها تحتكر
والوطنية بزيف ووقاحة تجعلهم أبعد ما يكون عن الوطنية في جوهرها بل وشكلها.
من يوقف هذا العبث ويُخرس هذه
الألسنة العفنة من الاستمرار في الفرقة وتكريس الفتنة في مرحلة حساسة جدا من تاريخ
مصر والقضية الفلسطينية؟ أم أن ما يحدث يروق لصناع القرار وهناك ما يتم طبخه في
الخفاء بما يُضر مصر والقضية الفلسطينية وجارٍ صياغة سيناريو مختلف في شكله لتكتمل
الطبخة؟
هل هناك أمل في حالة جديدة في مصر
تُنهي صفحة الظلم والعبث الممتد لعشر سنوات وتكون بمثابة إعلان عن مرحلة لُحمة
حقيقية وعودة الثقة من أجل موقف يكون هدف الجميع فيه الوطن حاكم ومحكوم حماية
أوطان وفقط؟
حالة لا يجد فيها أي مصري صراع في
نفسه كما هو الحال الآن بين حمية على وطن واستعداد للتضحية من أجله، وضيق ما أشد
هباته على النفس نابع من رفضه الاصطفاف خلف من تسبب في كل الكوارث هدفه الاستمرار
في حكمه وظلم من سيبقى بعد الملاحم، حاكم لم يقم حتى بالحد الأدنى من خطوات يفهم
منها أن هناك شيئا مختلفا عن ذي قبل وإشارات بأن القادم غير.