ما إن أعلن وزير الاتصالات
الإسرائيلي، أيوب قرّا، بدعم من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أن إسرائيل بدأت في اتخاذ خطوات لإغلاق مكتب قناة
الجزيرة القطرية في
القدس، لاتهامها بالتحريض ضد إسرائيل، وخاصة في الأحداث الأخيرة التي شهدتها القدس، حتى سيطر القرار على اهتمام الصحافة وخبراء
الإعلام والحريات.
إلا أن صحيفة هآرتس العبرية، ذكرت في عددها الصادر اليوم الاثنين، أن قناة الجزيرة القطرية ستستمر في البث من مكاتبها في القدس، بعد رفض مكتب الإعلام الحكومي سحب ترخيصها، وكذلك سحب بطاقات الصحفيين التابعين لها.
ويرى المختص في الشؤون الإسرائيلية، محمد أبو علان، أن ما قام به قرا هو فحص مدى إمكانية إغلاق مكاتب القناة، لكن لم تتخذ إجراءات على أرض الواقع، معتبرا أنه من الصعب إغلاقها. واستدل بموقف اتخذته الحكومة الإسرائيلية بإغلاق مكاتب الجزيرة إبان حرب لبنان الأخيرة، إلا أن القناة توجهت إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية؛ التي أبطلت القرار.
ويعتقد أبو علان، في حديث لـ"عربي21"، أن ما قاله قرا "لا يعدو كونه تهديدات ضاغطة لتغير القناة من سياستها التحريرية في تغطيتها للشأن الفلسطيني، وتحديدا في الضفة وغزة والقدس، مع العلم أن القرار الإسرائيلي في حال نُفذ فإنه لا ينطبق على مكاتب الجزيرة في الضفة وغزة".
ولفت أبو علان إلى أنه "رغم التغطية الجيدة للقناة بما يتعلق بالقضية الفلسطينية إلا أنها شكلت نافذة إعلامية للمسؤولين الإسرائيليين وفتحت المجال للرواية الإسرائيلية، وبالتالي لن تسعى الحكومة الإسرائيلية لإغلاق قناة تسمح لها بالدخول للبيوت في العالم العربي"، وفق تقديره.
سياسة تكميم الأفواه
بدوره قال المحلل السياسي، وأستاذ الإعلام، نشأت الأقطش، إن "توقيت التحرك الإسرائيلي جاء بالتوافق مع هجمة بعض الدول على القناة، إلا أن هذه الخطوات ليست بالجديدة، فالهجمة على القناة بدأت منذ انطلاقتها في عام 1996 عندما خلقت حالة غير معروفة للعالم العربي، فرفعت سقف
الحريات وفتحت باب الانتقاد لشخصيات كانت محرم انتقادها، وتحدثت عن قضايا محرمة خاصة بما يخص الأنظمة وطرحت مواضيع جديدة"، كما قال.
ويرى الاقطش، في حديثه لـ"عربي21"، أن "مقاطعة القناة وإغلاق مكاتبها سيكون لصالح الجزيرة، لأنها ستعمل الآن من خلال وسائل أخرى للوصول للجماهير (...) ففي عصر الإنترنت ستعزز هذه الحرب مكانة الجزيرة، التي تطل اليوم على المشاهدين من خلال الهاتف النقال وليس فقط التلفاز، مما يسهل عليها اختراق هذه الحرب".
وأضاف أن "إغلاق مكاتب القناة في حال نفذ سيعيق عملها إلى حد ما، ولكن بالمقابل سيظهر الآف المطوعين الذين يبعثون الفيديوهات والمعلومات للجزيرة والتي بموجبها ستعيد تنظيمها عبر وسائل التواصل الاجتماعي".
ونوه أن الخطوات الإسرائيلية تجاه مكاتب الجزيرة ضمن سياسة تكميم الأفواه التي اتبعتها الحكومة الإسرائيلية ضد وسائل إعلام فلسطينية في وقت سابق، وستطال وسائل إعلام أخرى في وقت لاحق.
ويرى الاقطش أن سبب سعي الحكومة الإسرائيلية إلى إغلاق مكاتب الجزيرة وخاصة في القدس، هو أن "القدس هي ساحة المعركة اليوم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأبدعت الجزيرة في تغطية أحداث القدس من خلال شبكة مراسليها. وبتقديري، الجزيرة ساعدت في تحقيق الصمود والانتصار (...) كما أنها تميزت في تغطية القضية الفلسطينية بشكل عام".
من جانبه، أكد مدير مركز مدى للتنمية والحريات، موسى الريماوي أن السبب في إغلاق مكتب الجزيرة "واضح؟.. إسرائيل لا تريد أن يعلم أحد ما يحدث في القدس وضد الشعب الفلسطيني، هي سياسة تكميم الأفواه".
وأضاف لـ"عربي21": "إسرائيل في مواجهة مستمرة مع الشعب الفلسطيني، وباعتقادي تريد حجب وصول المعلومات للخارج، كما أن الجزيرة قناة مؤثرة على مستوى العالم، وبالتالي تصل لجمهور واسع".
ورأى أن الحكومة الإسرائيلية تستهدف "حرية التعبير، ولها أسبقيات في محاولات متواصلة للقضاء على وسائل إعلام فلسطينية، ونفذت اعتداءات على الصحفيين، للحد من قدرتهم على تغطية الأحداث داخل فلسطين".
ونوه إلى أن تأثير قرار الإغلاق إن نُفذ "سيكون محدودا، بسبب قدرة الجزيرة على الوصول لجماهيرها من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، والسوشال ميديا، والأقمار الصناعية، ووسائل إعلام أخرى"، وفق تقديره.
قرار سياسي
بدورها، استنكرت نقابة الصحفيين جملة القرارات التي اتخذتها حكومة الاحتلال الإسرائيلي ضد قناة الجزيرة، وعبرت عن تضامنها ووقوفها إلى جانب القناة وصحفييها وطواقمها العاملة في الأراضي الفلسطينية.
واعتبرت النقابة في بيان لها، وصلت "عربي21"، نسخة عنه، أن هذه القرارات تعد انتهاكا صارخا لحرية الرأي والتعبير والعمل الصحفي، وتمس بشكل خطير حق المواطنين، ولا سيما الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 في الحصول على المعلومات والاطلاع على الآراء ووجهات النظر المختلفة. وطالبت المؤسسات ذات العلاقة للضغط على حكومة الاحتلال لوقف إجراءاتها ضد القناة.
ورأت النقابة أن هذه الإجراءات تأتي في سياق تصاعد الهجمة الاحتلالية على الصحفيين ووسائل الإعلام، وخاصة منذ أحداث القدس والمسجد الأقصى في 14 تموز/ يوليو الماضي، والتي طالت عشرات الصحفيين ووسائل الإعلام.
ووفقا للمعطيات المتوفرة لدى النقابة، فإن قرا؛ قرر وقف بث كافة قنوات شبكة الجزيرة عبر خدمة الكوابل، وأوصى وزير الأمن الداخلي بإغلاق مكاتب القناة في القدس المحتلة، وأوصى مكتب الصحافة الحكومي بسحب تصاريح عمل وبطاقات طاقم الجزيرة.
وأضافت النقابة في بيانها أن "هذه القرارات قد اتخذت بتوجيهات من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وهو ما يقطع بان دوافعها سياسية، ولا علاقة لها بالتحريض ودعم الإرهاب، وهي التهمة الحاضرة دوما لدى سلطات الاحتلال"، وفق البيان.