لم أقصد من طرح موضوع ملكية منطقة "الجغبوب" الواقعة جنوب شرق ليبيا على الحدود المصرية في صيغة سؤال بحثا عن إجابة، فالغرض هو تناول الدافع وراء الحديث عنه مصريا وفي الظرف الصعب الذي تواجهه ليبيا..
قطاع واسع من الليبيين يعتقد، بطيب نية أو سوء طوية، أن جماعة الإخوان المسلمون هي المسؤول الأول عما وقع في ليبيا من أحداث سياسية وأمنية واقتصادية قادت إلى الأزمة الراهنة الطاحنة.
الأقرب عندي أن قرار حفتر نقل تبعية الموانئ والحقول النفطية للمؤسسة الوطنية لم يكن من بنات فكره وعصارة عقله، وأن الاقتراح أو التوجيه كان خارجيا من طرف إقليمي أو حتى دولي داعم لحفتر، وربما كان التخطيط أن تنقل الخطوة النزاع إلى مرحلة جديدة يكون فيها حفتر وأنصاره رابحين في كل الأحوال.
ليس الغاية من كلامي اليوم التشهير بممارسات عناصر الجيش التابع للبرلمان والذي يقوده خليفة حفتر، وليس الهدف من كتابتي هذه السطور مجرد إدانتها، إنما أردت أن أعود إلى ما يهمني في واقعنا المرير وهو كيف تتعامل النخبة مع تجاوزت متكررة ومستمرة سواء بتبريرها بشكل غير مباشر أو السكوت والتنحي جانبا.
على غير المتوقع، أقدم خليفة حفتر على نقل تبعية الموانئ والحقول النفطية المتنازع عليها إلى المؤسسة الوطنية للنفط التابعة للحكومة المؤقتة شرقي البلاد، فنزوعه الوحدوي والقومي يجعله مع وحدة البلاد ومركزية الحكم، وتعزيز مكانة العاصمة طرابلس في القيادة، وقراره هذا خلاف هذا النزوع.
هو الهجوم الرابع على موانئ وحقول النفط وبالقطع لن يكون الأخير إذا استمر الحال على ما هو عليه، والمقصود من الحال على ما هو عليه هو استمرار الانقسام وهيمنة الأجندات الخاصة وتقويضها التوافق على مشروع وطني حقيقي.
ختمت مقال الأسبوع الماضي المعنون "هل نقض المشري اتفاق باريس؟" بالقول إن لقاء رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري على قناة فرانس 24 كان مشبعا بالمبادئ، وذكرت أنه وكرد فعل محلي وخارجي على كلامه فإن ضغوطا يمكن أن تقع وتدفعه إلى الانتقال إلى الخطاب السياسي..
كلام رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري الذي جاء في مقابلة تلفزيونية على قناة "فرانس 24" فُسِر على أنه انقلاب عاجل على ما تم الاتفاق عليه في باريس، هذا ما قاله صراحة بعض أعضاء البرلمان، وأصبح منطلق لحملة ضد المجلس الأعلى للدولة بالقول إنهم الطرف المعطل والمعرقل لأي اتفاق.
بشع يا إخوة أن تخنق مدينة بالشكل الذي يحصل اليوم، ومخزٍ أن تُمطر بحمم النار كما يشاهد الجميع، وهل يمكن أن يفهم من الحصار وقصف الأحياء المأهولة بالسكان إلا العقاب الجماعي لعدم انحياز الغالبية العظمى من أهلها لصف للكرامة كما فعل أهل بنغازي؟!
مقارباتي في تناول الشأن الليبي، تحدثا أو كتابة، تدور حول أحد مسارين، الأول الاجتهاد في قراءة ما يقع قراءة تحليلية ومحاولة تناول ما هو خلف النص أو الحدث بجمع المتفرق من متعلقاته والبحث في الأسباب والدوافع، والوقوف على الإيحاءات والدلالات..
إقرار الترتيبات المالية يوم الأربعاء الماضي جاء بعد انتظار وجدل، حيث ساد التفاؤل بإمكان اعتماد ميزانية عامة، بعد انقطاع دام أربع سنوات، لكن اعتماد الترتيبات المالية كان بمثابة الإعلان عن فشل جهود التوافق الاقتصادي والمالي..
حدثني من أثق به أن له أقرباء من حملة الشهادات العليا بعد الشهادة الجامعية، ومن المحافظين على الصلاة، كانوا يرفضون "موت" معمر القذافي، ويجادلون بقوة عن فكرة استحالة فنائه، وينقل لي المتحدث استغرابه أن تشل القوى العقلية لمن لهم صلة بالدين وتحصلوا على شهاداتهم من جامعات الخارج بهذا الشكل.
كل التقارير تناولت مآلات مشروع حفتر والتكتل الذي أوجده، ومصير العملية السياسية في ليبيا، باعتبار أنه أبرز الشخصيات السياسية والعامل المربك للمشهد، والمعطل للاتفاق السياسي..