كتاب عربي 21

ماذا الذي نفهمه من نقل إدارة ملف النفط إلى الحكومة المؤقتة؟

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600

على غير المتوقع، أقدم خليفة حفتر على نقل تبعية الموانئ والحقول النفطية المتنازع عليها إلى المؤسسة الوطنية للنفط التابعة للحكومة المؤقتة شرقي البلاد، فنزوعه الوحدوي والقومي يجعله مع وحدة البلاد ومركزية الحكم، وتعزيز مكانة العاصمة طرابلس في القيادة، وقراره هذا خلاف هذا النزوع.

والتفسير عندي هو أنه أراد الانتقال خطوة أو تحقيق قفزة في مسار التدافع بمضاعفة الضغوط على خصومه عله يجني مكاسب أكبر في وقت أقصر، فأن يقطع مصدر الدخل عن حكومة الوفاق ويوقف شريان الحياة لفترة إنما هو سلب لأهم ما تتمتع به من أدوات السيطرة لدفعها إلى التراجع مسافة والإذعان لمطالبه.

لن يكون من المستبعد أن يدفع حفتر باتجاه فرض شروط تتعلق بملف إدارة عوائد النفط، كتعيين رئيس مؤسسة النفط ومحافظ البنك المركزي، وهي شروط صعبة في وجود أطراف عسكرية مناوأة لحفتر قد تستفزها شروطه وتقدم على عمل يوتر العاصمة، لكنه أمر محتمل خاصة مع ضعف المجلس الرئاسي.

أما إذا تمترس حفتر خلف قراره هذا ومضي فيه بعزم فلابد من القول أن تفكيرا من خارج الصندوق يقود المقاربة، وأن أياد وعقولا أكبر وراء هذا الاتجاه في هذه الفترة العصيبة.

هناك تأييد يبدو ليس بالمحدود في المنطقة الشرقية لنقل تبعية الحقول والموانئ للحكومة المؤقتة التي مقرها البيضاء والتي تخضع لها المؤسسة الوطنية للنفط ببنغازي، وهنا التحدي.

هذا الاتجاه الشعبوي غذاه الانقسام السياسي، وبرره النزاع المسلح المستمر على الحقول والموانئ، ويتذرع مؤيدوه بالفساد الواقع في المؤسسات في طرابلس خاصة ما تضمنه تقرير ديوان المحاسبة الأخير والتسريبات المتعلقة بإنفاق أعضاء المجلس الرئاسي.

وذريعة الفساد واهية، فالفساد ليس حكرا على طرابلس، ولا يمثل حالة فردية وغير موجودة في بنغازي ومدن الشرق، ولكن جهاز الرقابة في العاصمة كان أكثر شجاعة في كشفه للرأي العام، فيما تعجز أي مؤسسة رسمية هناك أن تظهر بالوثائق أوجه الهدر في المال العام.

هل يستطيع أن يخبرنا أي من الإخوة المؤيدين لنقل تبعية النفط من قبل الجيش للمؤقتة بحجة الفساد في العاصمة ما هي ميزانية الجيش، وما هي مصادر تمويله وأوجه الصرف، بل هل يجسر أحدهم مهما علا شانه أن يسأل قائد الجيش عن هذا الأمور، فصلا عن أن يسائله.

الحكومة المؤقتة قامت بإنفاق مليارات بحسب معلومات من صندق النقد الدولي منها ما يزيد عن 6 مليارات مرتبات، هل هناك بيانات موثقة عن مصادر هذه الأموال وأجه صرفها بشكل دقيق وشفاف وبعيد عن التزوير؟!

مرتبات بمليارات الدنانير خلال الأربع سنوات الماضية، مع أن حوافظ الأجور في كافة مدن وقرى البلاد، بما فيها المنطقة الشرقية، تأتي من الخزانة العامة في طرابلس. 

ليس من المتوقع أن تنجح الخطوة الجديدة أو تطول المراوحة والشد والجذب في هذا الملف، فالمجتمع الدولي أو الأطراف الفاعلة على الساحة الدولية لا تسمح بقرارات جذرية أحادية في ملف النفط، ويمكن بدعم فرنسي روسي أن يتحصل حفتر على بعض ما يجعله يتقدم خطوة في اتجاه تحقيق طموحه مقابل تراجعه عن قراره.

هناك نقاط عدة شديدة الحساسية تتعلق بملف النفط والقرار الذي أقدم عليه حفتر، الأولى هي الدور المصري في هذا المضمار، والبعض يجزم بأن الدعم المصري السخي في حاجة إلى مواساة ورد الجميل، وفي كلام الناطق باسم الجيش التابع للبرلمان ما يفيد هذا المعني.

رئيس خارجية حكومة الوفاق الطاهر سيالة أكد في مقابلة مع قناة الـ "بي بي سي" العربية أن هناك خلافا جوهريا مع القاهرة وقع عند صياغة بيان بخصوص وضع النفط، حقوله وموانئه، حيث أشار إلى إصرار القاهرة على ذكر المؤسسة الوطنية للنفط كجهة سيادية مسؤولة دون ذكر موقعها.

وكأن القاهرة تريد ترك المجال مفتوحا للمناورة إقليميا ودوليا لعلها تنجح في تمرير الخطوة الجديدة وتكون، وفق هذا السيناريو، لها الأفضلية في الحصول على النفط بأسعار مميزة وذلك بحكم العلاقة الخاصة مع حفتر والبرلمان والحكومة المؤقتة.

هناك أيضا الرسالة الخاطئة جدا التي وصلت لسكان المنطقة الغربية، فأن يحال النفط إلى حكومة الشرق وتدار المالية العامة من هناك أمر له دلالته بالنسبة لقطاع واسع من سكان طرابلس والمدن الأخرى، ومن الملاحظ أن بعض من ردود الفعل كانت سلبية وباتجاه تعزيز فكرة التقسيم.

أنا من بنغازي، وأتفهم معضلة الفشل في التوزيع العادل للثروة، وتمركز قطاع كبير من المؤسسات العامة السياسية والاقتصادية والخدمية في العاصمة، لكن حلها لا يكون بالانتزاع بالقوة في وقت الأزمات، فهذا سيفتح المجال للسيناريو ذاته من قبل أي طرف يمتلك بعض القوة، وإنما يحتاج إلى توافقات يقودها العقلاء وفق مقاربة وطنية شاملة عادلة.

0
التعليقات (0)