كتاب عربي 21

لا بد أن يكون حفتر

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600

للأسبوع الثالث على التوالي أكتب عن خليفة حفتر، ولا يمكن إلا أن يكون ذلك، في ظل ما وقع ما بين الإعلان عن مرضه وحتى عودته الأول من أمس.


فقد عاد حفتر بكامل قواه الصحية، هكذا تبدو حالته كما نقلتها مشاهد نزوله من الطائرة وحديثه لأنصاره المحتفين جدا بعودته، وفتح ظهوره موفور الصحة الباب لجدل جديد لا يقل ثقلا وغموضا عن الجدل الذي رافق اختفائه لأكثر من أسبوعين.

 

فالجدل الأول فرضه الإعلام المتحدث بيقينيات تفصيلية ما لها من شواهد وقرائن ولا تدعمها مصادر موثوقة، مثل القول بموته سريرا وأن خلافا حادا وقع حول استلام جثمانه وحول تأخير دفنه...الخ.


والجدل الثاني كرسه إعلام الاحتفاء الذي أغرق في التبجيل وأسرف في الابتهاج ليؤكد أزمة العقل والاستجلاب الوجداني التي تناولناها في مقال الأسبوع الماضي.


السؤال المحوري الذي يفرض نفسه بعد عودة حفتر هو: اذا لم تتأزم الحالة الصحية لحفتر على النحو الذي تكلمت به وسائل الإعلام، فما الذي وقع؟! 


لماذا غاب حفتر عن المشهد هذه المدة، وما تفسير عدم ظهوره برغم انتشار خبر مرضه ونبأ وفاته، خاصة وأن غيابه وسط هذه التكهنات كان يمكن أن يقود إلى فوضى يصعب احتوائها؟!


أنصار اليقين بموته جرتهم الصدمة للقبول بسيناريو المؤامرة وأن الموضوع منذ يومه الأول يسير وفق خطة محكمة وأن خبر مرض حفتر وموته سريرا كان مدبرا لتحقيق أهداف منها تلميع صورة حفتر بعد أن غشي شخصه ما غشاه أثناء حرب بنغازي وبعد قرار تخليه عن الحسم العسكري والقبول بالتسوية السياسية والانتخابات. 


وللمؤامرة حسب القائلين بها غرض آخر هي ضرب الإعلام المعادي لحفتر ومعسكره من خلال توريطهم في دعاية قوية وتفاصيل كثيرة ثبت أنها من نسج الخيال لدى الرأي العام، الأمر الذي سيفقد هذه المنابر المصداقية لدى متتبعيها.

اتساقا مع مقاربة التفسير والتحليل يبقى أن أقول بأن مؤشرات عدة ترجح سيناريو مرض حفتر وتعافيه، وأن مرض المُسن عضال حتى في حال شفائه، ومن هنا سيكون لما وقع أثره على المشهد السياسي والعسكري في الشرق الليبي

أما الغاية الكبرى فهي إعادة رسم المشهد السياسي والأمني بما يعزز من نفوذ حفتر ونفوذ أنصاره ومؤيدي مشروعه السياسي والعسكري.


التفسير الثاني لما وقع، والذي أميل إليه، هو أن خبر مرضه صحيح، لكنه تعافى، بمعنى أنه يمكن أن يكون قد أصيب بجلطة خفيفة أو نزيف ودخل في غيبوبة لأيام، أو أوهنت قواه بشكل لم يسمح أن يظهر لأنصاره في حالته تلك وانتظر إلى أن استرد كثيرا من قدراته الجسدية والذهنية.


 نتائج التعاطي مع ما وقع سواء أكان سيناريو المؤامرة أو المرض الحقيقي هي التي تشكل حجر الزاوية في التقييم والحكم على ما يمكن أن يقع مستقبلا، فغياب حفتر ورجوعه ارتهن إلى ثنائية التناقض، بين طرف منتشي ولا يريد إلا أن ينتشي ويعيش في ظل هذه الأجواء، وآخر مبتهج مفرط إلى درجة التقديس في ابتهاجه.


ليغيب النهج المتزن في الحكم على ما يقع، وكيفية التعامل معه، وهو النهج الذي تحتاجه الأزمة التي تطوقنا، فنحن قبل أن نرتهن للأزمة بسبب الخلافات السياسية بشتى دوافعها، ارتهنا للأزمة بتدني الوعي والقابلية للتهييج والاستدراج للعداوة متسلحين بكل أسلحتها التي في مجملها بعيدة عن الحكمة والتسامح.


واتساقا مع مقاربة التفسير والتحليل يبقى أن أقول بأن مؤشرات عدة ترجح سيناريو مرض حفتر وتعافيه، وأن مرض المُسن عضال حتى في حال شفائه، ومن هنا سيكون لما وقع أثره على المشهد السياسي والعسكري في الشرق الليبي، وستدفع الحادثة إلى حراك ضاغط من عدة محاور في الداخل والخارج تتجه جميعها لتفادي سيناريو آخر مشابه يمكن أن يتكرر في أي لحظة.



0
التعليقات (0)