فجأة عادت إلى السطح كل اللَّعنات المركَّزة والسِّباب المرذول على الدكتور المنصف المرزوقي، بعد إعلان ميلاد حزبه الجديد يوم 20 ديسمبر. كانت الأصوات اللاعنة له قد سكتت نسبيا طيلة سنة 2015 إلا من بعض السخرية من محاولته كسر حصار غزة..
يقاعان مختلفان؛ صوت انهيار داخلي وصوت مَرَمَّةِ بناء في يوم واحد في جغرافيا واحدة. حزب ينهار وينقسم وحزب يضم أجنحته ويتدرب على الطيران. المشهد ونقيضه. هذه هي اللوحة العامة في تونس في الأيام العشرة الأخيرة من سنة 2015..
نعتقد أن الاندماج في الشَّعب (لا إلحاق الشَّعب بالنّخبة) بمشروع اجتماعي يتجاوز الآليات القائمة لصناعة النخب هو أفق ممكن للتفكير والعمل وتصور مستقبل يملأ الإسلام السياسي بمشروع جديد ولا ينتظر كسالى النخبة أن يُمْلُوا على تيار الإسلام السياسي تغيير اسمه ليصير واحدا منهم باسم يروق لهم.
نكتب على وقع الشروع في اغتيال الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي التي أعلن عنها رسميا يوم 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، وعلى هامش جنازة 12 ضابطا من فرقة الحرس الرئاسي بعملية تفجير إرهابي..
من موقع الخضوع للاستعمار بمراحله، يمكن للمتأمل استعادة كل محطات القهر السياسي والعسكري التي مورست على المنطقة العربية خاصة لإخضاعها بصفة دائمة لمنوال الإلحاق (التبعية)، وكان للكيان الصهيوني الدور الوظيفي الضروري والكافي..
اليوم يشبه الأمس في تونس والرحى تدور فارغة وتسمع لها جعجعة ولا ترى طحين التنمية. عاد النظام القديم إلى أساليبه المعروفة. المعارك الجانبية لإخفاء فشله على الجبهات التي تدعوه إلى الحرب الحقيقية..
هل يمكن تعريف الفساد؟ الدين منذ هابيل وقابيل يسهل علينا أمر التعريف خاصة بما يعطينا من بدائل سلوكية مثالية تكشف بمثاليتها نقيضها. وهو يدفع المؤمنين إلى التزام المثال لكن ذلك لم يكن أبدا وسيلة كافية لإنهاء الفساد وصناعة المجتمع المثالي..
إذا وقعت بين يديك رواية عبد الرحمن منيف "النهايات" فستجد فيها ما يشبه نبوءة لما يجري في لحظتنا. فكرة الإفحاش في القتل تنتهي بالصيادين إلى إبادة الطرائد، غلواء المال والقوة تنتج موتا جماعيا ينهي الأرض الفقيرة التي تتحرك فوقها، لكن في ذلك الفناء يوجد ميلاد عبقري فالحياة تستمر رغم القتل الجماعي.
العيد في تونس هذا العام يشبه عيدا سبق. ديكة الإيديولوجيا أفسدت الحفل. حفل الشواء الإقصائي لا يزال يضوع برائحة اللحم البشري. مرة أخرى ولن تكون الأخيرة في المدى المنظور للأسف الشديد..
يطيب لنا نقد النخبة العربية ومواقفها من الثورة. وهو نقد مطلوب الآن وهنا. فالنخب العربية لم تكن في مستوى طموح الثورة الشعبية في بلدانها المختلفة. وقد اصطف الكثيرون من رموزها وراء المنظومات القديمة ودافعوا عنها بباطل وبقليل من الحق..