كتاب عربي 21

وقفت الزنقة بالهارب

نور الدين العلوي
1300x600
1300x600
حكومة الرباعي الحاكم في تونس وصلت إلى نهاية الطريق. لقد اتخذت لها مهربا قصيرا فانتهت إلى الجدار الذي لا أفق بعده ولا معاول لديها لكسر الجدار. وهي تدخل بتونس صيفا من الخوف من المجهول والناس تتوقع الأسوأ.ومولدات الأمل فيها تعمل بحسن النية لا بحسن التدبير. وعلى تجار الآمال الزائفة أن يردوها علينا إن استطاعوا.

حكومة غير متفقة على شيء

المكونات الحزبية التي تشكل الحكومة غير متجانسة إلا في أمر واحد هو المزيد من العجز عن توفير الحلول الجذرية للمشاكل القائمة ومن يراقب أداءها اليومي يكتشف أنها تشتغل كسد ترابي هشٍّ في واد متدفق كلما وضعت لبنة ساقها ماء المطالب وتصدع السّد. يقول العارفون بالكواليس أن حزب الخبراء الفرنسي المسمى حزب آفاق والمشكل من نخب متفرنسة في تكوينها وفي مهامها تجبر الحكومة وهي حزب أقليّ على حلول ليبرالية من قبيل التفويت السريع في المؤسسات العمومية الباقية مثل الناقل الوطني تونس الجوية وشركة الكهرباء والغاز وشركة المياه منطلقة من نفس الحجج القديمة التي بررت الخوصصة في زمن المخلوع. وهي سوء الأداء الإداري وفقدان النجاعة الانتاجية لهذه المؤسسات. ويتربك شركاء الحزب الصغير رغم حجمهم أمام مقترحاته.لأن تطبيقها سيطلق حركة احتجاج واسعة لا قبل للحكومة بردها أما رفضها فيعني وقف التعاون الاقتصادي بين تونس وشركائها المقرضين الذين يدفعون في اتجاه المزيد من تفكيك تراث القطاع العام المتهالك. إنها حكومة في سياق منوال اقتصادي لم تصله الثورة ولن تصله بهذه الحكومة. لقد تشكلت من أجل مواصلة نفس المسار ولذلك تعجز عن الخروج وإيجاد الحلول الجذرية التي تعتمد أولا على القدرات الذاتية للبلد.

إنها تعيد إنتاج نفس الإيديولوجيا المستهلكة منذ زمن الدكتاتورية فتصور كل احتجاج على إنه إما مسيَّر من الخارج أي تخوينه أو أنه في غير زمنه ويجب المزيد الصبر. لكنها لا تطرح السؤال أبدا عن ضرورة مراجعة السياسيات في اتجاه تحميل رأس المال مسؤوليته في إنقاذ المرحلة عبر دفع ضرائبه وإشراكه الفعلي في الاستثمار. بل العكس هو الذي يحصل الآن. كل الإجراءات الإصلاحية المعلنة تتم لصالح رأس المال. مثل إعفاء المؤسسات السياحية من الضرائب وإصلاح البنوك التجارية المفلسة بالضخ من الميزانية المنهكة. هذه الحكومة لم يمكنها أن تكون أكثر من نسخة رديئة من حكومات بن علي رغم أنها تزعم التنوع والتعددية. لقد تبين أن التعدد الحزبي مجرد غطاء متعدد الألوان لمنهج واحد فاسد ومفسد. ينتهي بخدمة الفئات نفسها وإقصاء جمهور واسع أمل خيرا في التغيير.

جمهور يزداد وعيا وشقاء

الجمهور المغدور في ثورته والذي تعرّض إلى خديعة انتخابية سرقت منه أمله وفقد الأمل في الأحزاب الحاكمة وأحزاب المعارضة بدا يفهم أن الطريق طويلة وأن عليه الاعتماد على نفسه أو الاستسلام للنظام العائد بحذلاقاته الليبرالية القديمة. وقد بدأ اليأس يدب في نفوس كثيرة بينما تتنمَّر أنفس أخرى وتخرج للشارع بطرق جديدة. تنشأ الآن قطيعة  وتتجذر بين النخب السياسية القديمة خاصة منها التي كانت تتحوّز على شرف معارضة الدكتاتورية سابقا  ثم تبين انها ليست أكثر من أداوت للنظام نفسه. وقد أدّى انكشافها إلى نفور وإحباط وافقد الكثيرين القدرة على تمييز الخبيث من الطيب ورسم بقية خطوات الطريق.

من مع المنظمة القديمة العائدة ببرنامجها المؤدي إلى الإفلاس ومن ضدها؟ هناك مخرج تقليدي ومريح هو انتقاد حزب النهضة وتصويره الآن كمنقذ للنظام عبر الإسناد البرلماني للحكومة. ومن الطريف أن النقد الذي يوجه إليه ـأضعاف ما يوجه لحزب النداء المكون الرئيسي في الحكومة. بما يزيد من التشكيك في مصدر هذا النقد الذي يقوم على غيرة من موقعه (وربما فوائده التي جناها لنفسه) أكثر مما يقوم على طعن في برنامجه المماشي لمنوال تنمية فاسد فكأن المطلوب أن يخرج منها ليأخذ ناقدوه محله في إنقاذ المنظومة وهو ما يزيد في بلبلة الخواطر حول الموقف الفعلي من بقاء المنظومة للنخب المعارضة الآن. 

الشارع الآن بلا قيادة حزبية والأحزاب الصغيرة التي عرّفها الناس بحجمها خلال الانتخابات لا تستطيع ملء الفراغ وإن رغبت. وهي تجد نفسها مضطرة لصعود الربوة من جديد ولكن قطار الانهيار الشامل يسبقها وتلاحقه بلا برنامج غير الشعارات الجميلة. لأن أول خطوة في برنامج التصدي الحقيقي والفعال لأمد بعيد هي الاجتماع السياسي حول برنامج مرحلي وهو الاجتماع المرفوض ضمنا لأنه يقضي على الزعامات الصغيرة الناشئة التي تفكر في مستقبلها الفردي ونرجسياتها المنتفخة بفعل إعلام عرف كيف يحولها إلى ضفادع سياسية.موهما إياها بأنها أفيال.

الحراك يسبق النخب  لكنه أعزل

انفجرت خلال الأشهر الستة لحكومة الفشل تحركات مطلبية متفرقة في مناطق كثيرة خاصة في الجنوب. وشيطنها الإعلام  الرسمي كعادته وخوّنها واتهمها بتمهيد الطريق لداعش التي تتربص بالوطن في ليبيا.

تنصل الكثير من السياسيين من تفجير الحراك وقيادته خوفا من المسؤولية أو طمعا في أجر التهدئة في المناطق. لذلك ظل الحراك الشعبي متفرقا ومرتبكا ويتجاوز في بعض المواضع طابعه السلمي فيكشف فقدانه للموجه المالك لبرنامج . وهو ما يشكل خطرا عليه لكنه في نفس الوقت ينقذه من السرقة من نخب  لم تفعل إلا سرقة النضالات والتمعش منها عبر تاريخها في التظاهر بالمعارضة.

ثم بلورت حملة المطالبة بالشفافية في ملف الطاقة قدرة على التحشيد وتوجيه الشارع نحو مطالب حقيقية تأخر تنفيذها.وهنا فقط تبلور بعض الأمل في إعادة طرح القضايا الحقيقية على بساط العمل السياسي. لقد شكلت هذه التظاهرة الأسبوعية (عشية كل سبت) فعلا مختلفا وفتحت باب التفكير في كيفيه قيادة الشارع .لكن الأمر لا يزال دون ثورة شعبية تحكم قياد الشارع وتحكم غلق المنافذ على حكومة بلا برنامج. لكن هناك معطى ثابت: القطيعة الآن تنجز يوميا بين النخب السياسية القديمة والشارع المحبط. ويظل السؤال مفتوحا في نهايات الأسابيع من لهذا الشارع ومن لمطالبه أمام حكومة كلما اختنقت أنجدها الإرهاب الموجه. ففك عزلتها ووضعها في موضع الجدير بالتعاطف المفضي إلى تأجيل مطالب الثورة  المزعجة رغم سلميتها. شجاع مَن يلتقط هذه اللحظة التاريخية ويتحمل مسؤوليته ليقود الشارع.
التعليقات (1)
hayet zebdi
الثلاثاء، 16-06-2015 08:14 م
bravo