منذ إقدام قيس سعيد على تعطيل المسار الديمقراطي وإعلان الإجراءات الاستثنائية واحتكار كل السلطات وإدارة البلاد بالمراسيم، ظل أغلب أنصار المسار الديمقراطي يتطلعون إلى مواقف خارجية لا تكتفي بإدانة الانقلاب بل تتبعها بإجراءات عملية..
توتر قيس سعيد يكشف عن شعوره بالفشل وربما أيضا بقرب نهاية إجراءاته الاستثنائية، وقد لا يكون جزءا من التسوية. استمرار الانقلاب ليس لعوامل ذاتية وإنما لضعف وتشتت خصومه، ولذلك فهو يسعى إلى عدم اتحادهم..
تحرك السفراء في تونس يوحي بوجود أمر ما، فقد التقى السفير الأمريكي منذ أيام وزير الدفاع وأمين عام اتحاد الشغل، كما التقت سفيرة بريطانيا الجمعة (11 آذار/ مارس) رئيس البرلمان راشد الغنوشي
هذا التشكل الذي يزداد اتساعا، خميرته مرونة الأستاذ راشد الغنوشي الذي يعتبر الحرية عنوانا جامعا للجميع، ولا يرى حركته وصيّة على الديمقراطية ولا على الوطنية، وإنما هي فاعل وشريك مع غيرها في التصدي للانقلاب وفي الدفاع عن المؤسسات الدستورية..
هل كانت تلك الهمجية ضرورية كي يعلن قيس سعيد في منتصف الليل عن بعث هيئة قضائية مؤقتة تنشر تفاصيلها بالرائد الرسمي فجر الأحد، استباقا لاحتجاجات شعبية مقررة لصبيحة نفس اليوم؟
استهداف الرجل من قبل قوى خارجية وداخلية لا يعود إلى كونه يمثل تهديدا للحريات وللمدنية، وإنما في الحقيقة لأن نجاح تجربته السياسية ستغري شعوبا أخرى بالثورة على حكامها ممن لا علاقة لهم بالديمقراطية والمدنية والحريات
قيس سعيد لا يمكن الاطمئنان إليه وهو يأتي للحوار مكرها بعد أن سدت أمامه مصادر الإقراض والمنح، وبعد تأكده من اشتداد الأزمة الاجتماعية وما يمكن أن يترتب عنها من هزات اجتماعية في الفترة القادمة
ما هي آفاق الانقلاب بعد خمسة أشهر من تجميد عمل البرلمان والسطو على كل السلطات؟ ما حظوظ نجاح قيس سعيد في تثبيت نظريته في الحكم؟ ما مدى مقبولية رؤيته لدى التونسيين وهو يستعد لإطلاق منصة الاستشارة الالكترونية في الفاتح من شهر كانون الثاني/ يناير 2022؟
هل يلتقط قيس سعيد رسالة قيادة اتحاد الشغل فيراجع نفسه ويدعو مختلف القوى السياسية إلى حوار وطني؟ أم هل يواصل كعادته عدم الإصغاء لأي رأي فيضطر اتحاد الشغل إلى اتخاذ مواقف عملية ميدانية يكون فيها هو القاطرة التي تقود حركة الإطاحة بالانقلاب وأعوانه؟
قيس سعيد بالنسبة لكثير من التونسيين هو "المنتقم" لهم من خصم أيديولوجي وهو حركة النهضة. هؤلاء ليسوا مقتنعين بقيس سعيد، إنما هم يتخذون منه "واقيا" مجهزا بأجهزة الدولة ضد طرف سياسي عجزوا عن منازلته انتخابيا وديمقراطيا. وهو بالنسبة للكثير من التونسيين في الجهة الأخرى خطر حقيقي على السلم الأهلي والوحدة.
إذا ما استمر الاحتباس السياسي والاجتماعي إلى فصل الشتاء، وهو فصل الاحتجاجات في تونس، فقد تشهد البلاد انفجارا اجتماعيا غير مسبوق ضد كل السياسيين وضد رأس المال الوطني وضد اتحاد الشغل، وعندها يخرج الشارع عن السيطرة
هل سيصمد قيس سعيد أمام اتساع دائرة الضغوط عليه؟ هل سيصمد في مواجهة الضغط الاقتصادي وإيقاف المساعدات كما أعلن مسؤولون أمريكيون عن ذلك؟ وهل سيتحمل التونسيون أكثر مما تحملوا طيلة سنوات الفشل والتهميش والنسيان؟