قضايا وآراء

هل يتصدى الاتحاد العام التونسي للشغل للانقلاب؟

بحري العرفاوي
1300x600
1300x600
الاتحاد العام التونسي للشغل هو أكبر منظمة وطنية، وتاريخه يمتد إلى فترة المقاومة الوطنية ضد الاستعمار. وقد ظل يمثل قوة رئيسية في تحقيق التوازن مع السلطة السياسية، وخاض معارك اجتماعية ملحمية خاصة في ظل قيادة الزعيم النقابي الحبيب عاشور رحمه الله، وأبرز تلك المعارك ما تُعرف بأحداث 26 جانفي (كانون الثاني/ يناير) 1978 وأحداث الخبز في 3 كانون الثاني/ يناير 1984 التي أُجبر فيها الرئيس بورقيبة على التراجع عن قرار رفع الدعم عن الخبز.

خلال حكم ابن علي دخل الاتحاد مع السلطة في شبه "تسوية"؛ تستجيب فيها السلطة لمطالب الشغالين كل ثلاث سنوات بعد رحلة تفاوض هادئ دون إضرابات أو اعتصامات أو تعطيل عمل مؤسسات.

غير أن الاتحاد هو الذي كان له القول الفصل حين خرجت مسيرته الحاشدة يوم 12 كانون الثاني/ يناير 2011 في العاصمة الاقتصادية الكبرى، مدينة صفاقس، وهو ما أعطى دفعا كبيرا يومها للحراك الاجتماعي، وكان رسالة واضحة لرأس النظام فقرر الهرب بعد يومين فقط من تلك المسيرة.

أثناء حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة لم يكن اتحاد الشغل "متعاونا"، ولم يستجب لدعوة رئيس الجمهورية يومها منصف المرزوقي إلى هدنة اجتماعية بستة أشهر؛ عسى أن يستقر النظام السياسي الجديد ويمسك بالملفات الاجتماعية، فخاض اتحاد الشغل سلسلة من الإضرابات وفرض على حكومة حمادي الجبالي ثم علي العريض "خضوعا" لكل الطلبات؛ في زيادات الأجور وفي ترسيم المتعاقدين والعملة العرضيين. وبقدر ما كانت تلك الإنجازات إيجابية بالمنظور الاجتماعي، إلا أنها كانت مضرة بالمنظور السياسي.
بعد مجيء قيس سعيد كان المشهد أكثر تعقيدا بسبب حالة العجز السياسي من ناحية، أيضا بسبب اتخاذ رئيس الجمهورية قيس سعيد مسافة من أحزاب الحكم، وهو ما سيعطل كل "نوايا" التنمية والتشغيل، خاصة وقد تعرض العالم كله إلى ما يشبه العطالة بسبب جائحة كورونا

بعد عمليتي الاغتيال ضد شكري بلعيد في 06 شباط/ فبراير 2013 ثم محمد البراهمي في 25 تموز/ يوليو 2013، دخلت البلاد منطقة ملغومة وكانت على شفا انقسام شعبي أو حرب أهلية.

الاتحاد العام التونسي للشغل بقيادة حسين العباسي كان له شرف إخراج البلاد من أزمتها ضمن ما عُرف بـ"الحوار الوطني" برعاية "الرباعي الراعي"، وقد تُوّج ذاك الحوار بخروج حركة النهضة وشركائها من الحكم وتسليم قيادة المرحلة لحكومة كفاءات وطنية غير حزبية وغير سياسية؛ تتولى تهيئة الأجواء لانتخابات رئاسية وتشريعية في نهاية 2014.

لم يفقد اتحاد الشغل وظيفته "التعديلية" بعد فوز الباجي قائد السبسي وحزبه بالرئاسة والبرلمان طيلة السنوات الخمس من 2014 إلى 2019، ولم تحصل خلافات حادة تستدعي مواجهة حادة للسلطة.

بعد مجيء قيس سعيد كان المشهد أكثر تعقيدا بسبب حالة العجز السياسي من ناحية، أيضا بسبب اتخاذ رئيس الجمهورية قيس سعيد مسافة من أحزاب الحكم، وهو ما سيعطل كل "نوايا" التنمية والتشغيل، خاصة وقد تعرض العالم كله إلى ما يشبه العطالة بسبب جائحة كورونا.

حاولت قيادة اتحاد الشغل جمع السياسيين حول طاولة حوار وطني وقدمت مبادرة في ذلك، واتصل الأمين العام بمختلف القيادات سواء التي في الحكم أو التي في المعارضة، ولكن رئيس الدولة لم يكن يقبل بأي حوار.

هل كان قيس سعيد يتعمد ترك الأوضاع الاجتماعية والصحية تتأزم ليكون هو المنقذ؟ هل كان يستعجل فشل السلطة وأحزاب الائتلاف حتى يثور الناس ضدهم؟
هل كان قيس سعيد يتعمد ترك الأوضاع الاجتماعية والصحية تتأزم ليكون هو المنقذ؟ هل كان يستعجل فشل السلطة وأحزاب الائتلاف حتى يثور الناس ضدهم؟

لقد ظل قيس سعيد يرفض الحوار، وفي ذات الوقت يهاجم الجميع ويلقي بالتهم ويصم بالتخوين والنفاق كل من يعتبره عقبة بوجه طموحه التسلطي، إنه لا يكف عن تعريف نفسه قائدا وحيدا للقوات الحاملة للسلاح؛ عسكرية وأمنية.

لم يكن مفاجئا ما أقدم عليه قيس سعيد مساء 25 تموز/ يوليو 2021، لقد كانت تلك هي اللحظة التي قال بأنها "ستأتي"، وها هو كل يوم يتوغل في تثبيت انقلابه بتوسع صلاحياته وتضييق مساحات فعل الآخرين.

قيس سعيد يرفض التراجع عن إجراءاته الاستثنائية ولم يتفاعل "إيجابيا" مع رسائل أطراف خارجية حقوقية ودولية، بل حاول نقل "حملاته التفسيرية" إلى العالم الخارجي؛ يشرح لهم أسباب ما أقدم عليه ويقدم لهم خصومه شياطين ومخمورين ومرتزقة وعملاء وجراثيم.

قيادة اتحاد الشغل التي عبرت في البداية عن تفهمها لما أقدم عليه قيس سعيد؛ ها هي تطلق "إنذارا" بوجه رئيس الدولة بعد أن كشف عن نواياه الحقيقية لمن ما زال لديه شك أو حسن ظن، فقيس سعيد يريد إعادة تشكيل الدولة وليس فقط نظام الحكم، إنه يحلم بتحويل تونس مختبرا لتجريب أوهام يقول أصحابها أنها مشروع حكم.
قيادة اتحاد الشغل التي عبرت في البداية عن تفهمها لما أقدم عليه قيس سعيد؛ ها هي تطلق "إنذارا" بوجه رئيس الدولة بعد أن كشف عن نواياه الحقيقية لمن ما زال لديه شك أو حسن ظن، فقيس سعيد يريد إعادة تشكيل الدولة وليس فقط نظام الحكم

الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي وجه أخيرا نقدا حادا لقيس سعيد، معبرا عن رفضه إعطاء صك على بياض لشخوص غامضة تريد اتخاذ البلاد والشعب التونسي حقلا لتجريب أوهام وخيالات وهلوسات؛ بعيدا عن الأحزاب وعن صناديق الاقتراع . وقد عبر الطبوبي عن رفض العمل مع الغموض أو مع "اللجان الشعبية"، إحالة على تجربة حكم العقيد معمر القذافي.

موقف الأمين العام لاتحاد الشغل جاء متناغما مع موقف الاتحاد الأوروبي والمسؤولين الأمريكيين، وعدد من القادة السياسيين ومن الرموز الفكرية والثقافية والحقوقية والنقابية.

هل يلتقط قيس سعيد رسالة قيادة اتحاد الشغل فيراجع نفسه ويدعو مختلف القوى السياسية إلى حوار وطني؟ أم هل يواصل كعادته عدم الإصغاء لأي رأي فيضطر اتحاد الشغل إلى اتخاذ مواقف عملية ميدانية يكون فيها هو القاطرة التي تقود حركة الإطاحة بالانقلاب وأعوانه؟

twitter.com/bahriarfaoui1
التعليقات (0)