قضايا وآراء

"سيف القدس" وقطع حبال "صفقة القرن"

بحري العرفاوي
1300x600
1300x600
في كلمة له بمناسبة وقف إطلاق النار متزامن بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال، قال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية: "إن غزة انتصرت للقدس والمسجد الأقصى.. إن معركة سيف القدس طوت مراحل كثيرة وفتحت الباب أمام مراحل جديدة.. إن المقاومة أسقطت صفقة القرن ومشاريع التوطين والتطبيع وثقافة الهزيمة والتعايش مع الاحتلال..".

يمكن القول إن معركة "سيف القدس" التي استمرت 11 يوما لم تكن كسابقاتها من كل الحروب لعدة اعتبارات:

1- أن المعركة هذه المرة انطلقت من محيط المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، فكان لبركات القدس دور لا يدركه إلا من يؤمنون بالغيب وبالمدد الإلهي. فمن القدس يمتد الحبل السري الرابط بين الأرض والسماء، وهي ملتقى الرسالات السماوية وخزان أسرار عوالم الكمال والحق والحقيقة والعدل والجمال والحب.
لم تكن المعركة هذه المرة في غزة وحدها بل تحركت كل الأراضي الفلسطينية، وهو ما سيجعل "السلطة الفلسطينية" التقليدية تبدو كما لو أنها خارج اللحظة التاريخية وخارج مسار تطور القضية الفلسطينية

2- لم تكن المعركة هذه المرة في غزة وحدها بل تحركت كل الأراضي الفلسطينية، وهو ما سيجعل "السلطة الفلسطينية" التقليدية تبدو كما لو أنها خارج اللحظة التاريخية وخارج مسار تطور القضية الفلسطينية. ولعل أبا مازن سيجد نفسه خارج المفاوضات القادمة، خاصة بعد تصريح قادة الاتحاد الأوروبي بأنهم مضطرون للتعامل مع حماس لكونها تمثل واقعا على الأرض.

3- لقد حظيت المقاومة هذه المرة بدعم لا مثيل له على المستوى الإعلامي، وخاصة التغطية المباشرة التي قامت بها قناة الجزيرة، وكذلك على المستوى الشعبي داخليا وخارجيا. لقد شهد العالم صحوة ضمير غير مسبوقة، فكانت المسيرات الداعمة للفلسطينيين تجوب مختلف شوارع العالم العربي والإسلامي والغربي بما فيها الشارع الأمريكي، حيث كانت أعظم مسيرة منددة بممارسات القوات الإسرائيلية ضد المدنيين والمنازل والمؤسسات غير العسكرية.

4- تميزت هذه المعركة بسرعة رد فصائل المقاومة وبقدراتها التقنية العالية، فقد اعتمدت منذ البداية استعمال صاروخ يحي عياش (250 كلم) والطائرة المسيرة الانتحارية "شهاب"، حيث تم استهداف تل أبيب ومختلف البلدات في الأراضي الفلسطينية المحتلة استهدافا مباشرا ومكثفا، مما اضطر الإسرائيليين إلى ملازمة الملاجئ حتى أصبح جمهور العالم الافتراضي يتندر بكون أبي عبيدة هو من يتحكم في حركة الإسرائيليين، لا يخرجون ولا يدخلون الملاجئ إلا بتعليمات منه.

5- معركة "سيف القدس" حصل حولها إجماع عربي إسلامي لا مثيل له، حيث تجاوز الجميع خلافاتهم الأيديولوجية والحزبية والمذهبية وأبدوا دعما متنوع الأشكال لفصائل المقاومة، دون تساؤل عن هويتها الأيديولوجية أو المذهبية، حيث تابعنا دعما إسلاميا ويساريا وعروبيا وليبراليا، وتابعنا محاولات مواطنين من كل من الأردن ولبنان اجتياز الحاجز الأمني والعبور نحو الأراضي المحتلة.
الانتصار له أكثر من معنى بحسب الأهداف المحددة، فمن يحقق بعضا من أهداف معركته يُعتبر منتصرا، ومن يمنع عدوه من تحقيق أهدافه فقد انتصر عليه، وهذا المعنى للانتصار هو الذي ينسحب على معركة "سيف القدس"

6- هل حققت المقاومة انتصارا؟

تابعنا بعض التعليقات حول نتائج "سيف القدس"؛ تتراوح بين تثمين انتصارات المقاومة وبين تساؤل حول الأهداف والنتائج، وهو تساؤل يُضمر قولا بكون المعركة لم تحقق شيئا.

الانتصار له أكثر من معنى بحسب الأهداف المحددة، فمن يحقق بعضا من أهداف معركته يُعتبر منتصرا، ومن يمنع عدوه من تحقيق أهدافه فقد انتصر عليه، وهذا المعنى للانتصار هو الذي ينسحب على معركة "سيف القدس"، فالمقاومة منعت الكيان الصهيوني من تحقيق أهدافه بل ورسخت أهدافها العادلة:

- منعت العدو من كسر إرادة الشعب الفلسطيني ومن إخضاع المقاومة وإجبارها على الاستسلام، حيث ظلت المقاومة تمارس التحدي وترد على القصف بالقصف وتعلن استعدادها للاستمرار في الحرب ستة أشهر، وهو ما لا يقدر العدو على تحمله.

- المقاومة أخرجت "صفقة القرن" من قاموس التسويات المحتملة في المنطقة وفرضت معادلات جديدة؛ سيُفرض على كل المتدخلين في الملف الفلسطيني أخذها بعين الاعتبار.
معركة "سيف القدس" ستفتح على مستقبل محلي وإقليمي ودولي مختلف تماما عما قبلها، سواء من حيث شيوع ثقافة الانتصار واتساع رفض التطبيع،

- معركة "سيف القدس" أيقظت الروح الإنتصارية لدى شباب أمتنا، وقدمت صورة مشرفة عن المرأة العربية المسلمة، وجعلت دعاة التطبيع ومثقفي الهزيمة في وضعية حرجة، بل وأصبحوا في وضع استهداف وتبشيع وإدانة.

7- معركة "سيف القدس" ستفتح على مستقبل محلي وإقليمي ودولي مختلف تماما عما قبلها، سواء من حيث شيوع ثقافة الانتصار واتساع رفض التطبيع، أو من حيث ترميم علاقات تصدعت بين دول وشعوب في عالمينا العربي والإسلامي بسبب أحداث كبرى، أو من حيث استفادة العالم كله من دروس الماضي وأزمة كورونا وعبثية الحروب، وتحول الكيان الصهيوني إلى عبء مالي وأخلاقي على العالم الغربي بل وعلى الحضارة الإنسانية.

twitter.com/bahriarfaoui1
التعليقات (0)