لم يكتف الغرب باختراع إسرائيل، ولكنه اخترع إلى جوارها أنظمة حاكمة تمنع أي تطور وتقدم حقيقي في المنطقة الأوفر حظا في العالم كله، وتلبي تحديات التنمية والبناء وتواجه الخطر الصهيوني المشار إليه.. وهو ما عاشته وتعيشه المنطقة في القرن الجديد..
استكثر على بلاده وشعبه نظاما سياسيا صلبا متماسكا قويا بذاته ومكوناته وأقوى من الأفراد، ويبقى بعد رحيله ولا يعتمد أبدا على الأشخاص في بقائه.. نظاما متكاملا تتعدد فيه المكونات السياسية لفكرة "السلطة" فيتحقق فيها وبها ذلك التوازن الضروري..
الرائع فيما أحدثه إدوارد سعيد تجاه بلاده وقضية بلاده (فلسطين) وتجاهنا أيضا؛ أنه أعادها إلى مكانها الحقيقي؛ أرضية الصراع العنيد العتيد بين الشرق الذي هو شرق والغرب الذي هو غرب..
في حواره الأخير بقناة الجزيرة تحدث الرجل كثيرا عن الحركات الإسلامية وتجاربها التاريخية وعلاقاتها بباقي الأطراف من حولها القريبة منها والبعيدة، وعاب عليها فيما عاب سوء علاقاتها بــ"دول المركز"، وهو يقصد الغرب وحضارته وعواصمه الكبرى التي يتمركز فيها الفكر والسياسة..
اللاهثون خلف هذه الأفكار متابعة ودعما كلهم من أصحاب الشركات الرأسمالية الشرسة، ويسيطر عليهم حلم أسود كابوسي النزعة سادي التأثير؛ يحلمون فيه بسيادة العالم وتوجيهه الوجهة التي يريدونها، وذلك باقتحام مجال لم يسبق اقتحامه وهو "الجسد البشري"..
سيكون هاما أن نعرف أن إسرائيل بالنسبة للحضارة الغربية ليست شأنا دينيا فقط كما تقول السردية الكذوبة عن أرض الميعاد، ولا حتى شأنا تاريخيا فقط يُكفّر به الغرب عن ذنوب العقود الطويلة في التحقير والحط من هذه الفئة الدينية..
الفارق بين الحالة السياسية والتاريخية التي يمثلها وجاء منها بايدن؛ مختلفة بوضوح عن الحالة السياسية والتاريخية التي يمثلها وجاء منها ترامب.. وأقصد بالتاريخية خبراتهما وتجاربهما الذاتية.. لكن وكما رأينا فإن هناك إعدادا وتنفيذا وإخراجا واحدا يكاد يتطابق في المشهدين!
هذه الكلمات دالة بشكل أو بآخر على ما حدث صبيحة يوم 23 تموز/ يوليو 1952م، وامتد بعدها في خط متصل لم ينقطع ولم ينفصل عبر كل المحطات التاريخية الكبيرة والصغيرة التي تتالت وتوالت على الوطن وشعب هذا الوطن
الحقيقة أن المتأمل للحالة الأخلاقية والصبغة الإسلامية للإنسان المصري بعد 40 سنة من النشاط والحركة في طول وعرض المجتمع، لا يسعه إلا أن يتساءل بأكثر العبارات يسرا عن الدور الحقيقي للحركات الإصلاحية..
"اهتمام العالم بالشرق الأوسط ليس لثرواته ولا لموقعه وما إلى ذلك، وتذكروا أيضا هنا أن كل ذلك هبات طبيعية، لكن العالم كله يهتم بالشرق الأوسط بسبب الدين"..
كان يمكن أن تستدير الحركة الإصلاحية وقتها 180 درجة، وتتجه بكل طاقتها إلى نفسها وإلى المجتمع.. فتبني رجالها وأبناءها بناء تربويا وفكريا قويا، وتنطلق بقيم "المأثورات" إلى عموم الناس بربوع القرى والبلدات؛ تعلمهم وتنورهم وترشدهم لطرق الخير التي تبني بها إنسانا وتشيد بها وطنا..
أمام موقف يتعلق بالأمن القومي وتماسك الجبهة الداخلية وصلابة ووحدة الجماعة الوطنية.. واستدعاء صدام تاريخي قديم اختفت تماما كل سياقاته التاريخية وبيئته الاجتماعية، والعمل على إحيائه في الذاكرة الوطنية للحاضر المعاصر المعاش أمر غير مفهوم ومدعاة للتشكك والسؤال..
آخر شيء تحتاجه الإدارة المصرية الآن هو وقوع مثل هذه الحوادث بكل ما تحمله من تخمينات وتأويلات، ليس فقط في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية المضطربة والمرشحة لاضطراب أكثر
أذكر أن إحدى الفضائيات العربية الشهيرة نشرت خبر عملية (ديزينكوف) التي قام بها الشهيد (رعد فتحي)، 8 نيسان (إبريل) الجاري، فور حدوثها وقبل توارد أي أنباء عن أي تفاصيل لها وعنها، نشرت على حسابها تغريده قائلة (فلسطيني يقتل أوكرانيين بتل أبيب!!!!).. هكذا، عيني في عينك كما يقولون..