مقالات مختارة

إذ نستقبل ولا نرسل

1300x600
هل هناك علاقة بين الزيارة السرية التي قام بها الموفد السعودي للقاهرة فى بداية الأسبوع الماضي وبين إحالة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة إلى مجلس النواب قبل نهاية الأسبوع ذاته؟

ذلك أن موضوع الاتفاقية التى تنازلت مصر بمقتضاها للسعودية عن جزيرتي تيران وصنافير كان لا يزال معروضا على القضاء بعد أن حسم القضاء الإداري الأمر من جانبه حين قرر بطلان التوقيع عليها مؤيدا مصرية الجزيرتين، وكان مثيرا للدهشة والانتباه أن تحيل الحكومة الأمر إلى البرلمان رغم أن قرار القضاء حسمه بحكم واجب النفاذ. كما كان مفاجئا أن تقدم الحكومة على تلك الخطوة بعد مضي ثمانية أشهر على توقيع الاتفاقية، ناهيك عن عرضها على مجلس الوزراء كان بمثابة مخالفة دستورية لأن المجلس لم يكن مخولا بنظر الموضوع من أساسه.

لست في وارد إبداء رأي في القضية لكن تساؤلي منصب على العلاقة بين زيارة بها الموفد السعودي الذي قيل إنه ممثل للديوان الملكي وبين إحالة الاتفاقية إلى البرلمان بعد خمسة أيام، علما بأن الزيارة كانت سرية بالأساس وأغلب الظن أنها استهدفت رأب الصدع الذي لاح أخيرا في علاقة البلدين. ولكن تعطل الطائرة الخاصة التي أقلت المبعوث السعودي وهو في طريق عودته إلى الرياض، هو ما أفشى الخبر الذي تناقلته وكالات الأبناء يوم الأحد 25 ديسمبر الحالي.

ليس لدي إجابة عن ذلك التساؤل، كما أنني لم أجد في وسائل الإعلام المصرية أية إشارة تطرقت إلى الربط بين الحدثين، الأمر الذي يضم القصة إلى قائمة الألغاز السياسية التي بات الفضاء المصري يحفل بها، ويسكت الجميع عن محاولة فك طلاسمها.

قل مثل ذلك عن الانقلاب الذي حدث في نهاية الأسبوع داخل حزب المصريين الأحرار الذي فاز بالمرتبة الأولى بين الأحزاب الممثلة في البرلمان (له 65 مقعدا). ذلك أن اجتماعا للحزب عقد يوم الجمعة (أمس الأول 30/12) أسفر عن الإطاحة بمجلس أمناء الحزب الذي قيل إنه مشكل من قبل رجل الأعمال المعروف نجيب ساويرس، مؤسس الحزب ومموله الرئيسي، ذلك أننا لم نفهم الأسباب الحقيقية وراء الانقلاب، إلا أننا لا نستطيع أن نفصل بينه وبين الآراء السلبية التى عبر عنها نجيب ساويرس في الأسبوع الأخير من العام، حيث اعتبره عاما سيئا وأن المقبل أسوأ، كما أننا لا نستطيع أن نتجاهل دلالة عقد المؤتمر العام الذي أطاح بساويرس ورجاله في فندق الماسة والذي رتبته إحدى الجهات، علما بأن رئيس اللجنة البرلمانية للحزب الذي كان أبرز دعاة الانقلاب هو ضابط شرطة سابق انتخب رئيسا للجنة حقوق الإنسان بالبرلمان في ظروف أثارت لغطا واسعا.

أيضا ليس لي رأي فيما جرى، لكني فقط أردت أن ألفت الانتباه إلى الغموض الذي أحاط بالعملية والشكوك التي تثيرها بعض الشواهد التي توحي بأن أيدي من خارج الحزب لها يد فيما جرى. إذ لم نفهم أيضا لماذا أوقف البرنامج التليفزيوني الذي يقدمه الزميل إبراهيم عيسى على قناة يملكها رجل الأعمال الذي أقام معرضا للأثاث منعته وزارة الداخلية، وبعد وقت قصير عاد برنامج إبراهيم عيسى للظهور وتحدد موعد جديد لافتتاح المعرض. كذلك فإننا لم نفهم أن يزحف رجال الأعمال الموالون للنظام ويبسطون سيطرتهم على أبرز القنوات التليفزيونية، ثم يلجأ النظام إلى إطلاق مجموعة جديدة من القنوات لكي تنافس الأولى، وهو ما فتح الباب للغط تحدث عن صراعات تليفزيونية دخلت إلى الساحة معبرة عن الصراعات السياسية.

ما سبق قليل من كثير يتفاعل تحت السطح وفوقه في الأجواء المصرية، يجمع بينها الغموض ونشم منها روائح غير عادية، وكوننا جميعا مشاهدين نستقبل ولا نرسل، ونستمع إلى الهمهمات والهمسات والشائعات، ثم نهز الرءوس ونمصمص الشفاه، ثم ندير الرءوس لنركض بحثا عن كيس سكر أو أنبوبة بوتاجاز أو سعيا وراء مورد رزق إضافي يغطى نفقات الدواء والدروس الخصوصية وفواتير المياه والكهرباء.

(عن صحيفة الشروق المصرية)