سياسة عربية

قراءة في تسريب "مكملين" و موقف الجيش من الجزر (تحليل)

رئيس الانقلاب أقسم بالله أنه استشار الجميع قبل التوقيع على الاتفاقية مع السعودية - عربي21
كان للتسريب الذي بثته قناة "مكملين" الفضائية، مساء الأربعاء، للندوة المصورة بالصوت والصورة داخل الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة بشأن جزيرتي تيران وصنافير، العديد من الدلالات وطرح أيضا الكثير من التساؤلات، خاصة حول حقيقة موقف الجيش من التنازل عن الجزر لصالح المملكة العربية السعودية، في ظل الغموض والصمت الذي التزمه بشأن هذه القضية. 

الندوة - التي أدارها لواء أركان حرب حافظ الهواري مدير مركز إدارة الأزمات بوزارة الدفاع وعضو مجلس الدفاع الوطني- حملت عنوان: "الموقف السياسي والأسانيد والوثائق القانونية التي تؤكد سلامة الموقف المصري"، حاولت إقناع بعض من ضباط وجنود الجيش بموقف رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي بالتخلي عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، مستعينة بعدد من أساتذة الجامعة وخبراء في القانون ولواءات الجيش، والذين دافعوا باستماتة عن سعودية الجزر.

موقف الجيش من الجزر يتكشف

قبل ظهور تسريب "مكملين" الأخير، لم يكن معروفا على الإطلاق موقف الجيش المصري من قضية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، فقد كان هناك غموض كبير حول هذا الموقف في ظل عدم وجود أي تصريح أو بيان يوضح ذلك. ولم يتطرق الكثيرون لهذا الأمر، إلا أن أول من تحدث عنه كان مركز الدراسات الاستراتيجية الأمريكي "ستراتفور"، حيث نشر في 14 نيسان/ أبريل 2016 تقريرا كشف فيه أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة حذر "السيسي" مسبقا من التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية.

وحسب مصادر "ستراتفور"- الذي يعد أحد أهم المؤسسات الخاصة المعنية بقطاع الاستخبارات- فإن المجلس العسكري نصح "السيسي" بالامتناع عن نقل السيادة على الجزيرتين للسعودية، لأن ذلك سيمس بالشرف الوطني وسيغضب الرأي العام المصري.

عضو هيئة الدفاع عن مصرية جزيرتي تيران وصنافير المحامي خالد علي، أشار إلى أن من وقع على الاتفاقية من الجانب السعودي هو وزير الدفاع، ومن الجانب المصري رئيس الوزراء، متسائلا: "لماذا رفض وزير الدفاع المصري التوقيع على الاتفاقية رغم توقيع وزير الدفاع السعودي؟ وما هو السند القانوني لتوقيع رئيس الوزراء الذي لا يملك التوقيع دستوريا، خاصة أنه سيتم رفع دعاوى خيانة عظمى لكل من شارك في التوقيع على الاتفاقية؟".

وفي 13 نيسان/أبريل، وخلال لقاء "السيسي" مع ما يعرف بـ "الأسرة المصرية"، أقسم رئيس الانقلاب بالله - في حضور وزير الدفاع صدقي صبحي- أنه استشار الجميع قبل التوقيع على الاتفاقية مع السعودية، وقال: "لماذا كل هذا التشكيك؟.. أليس في الجيش أو المخابرات العامة أو وزارة الخارجية وطني كلهم عايزين يبيعوا وطنهم؟ والموضوع يتم تناوله بنسق الدولة ومؤسساتها وأجهزتها".

وقد فسر البعض حضور صدقي صبحي لهذا اللقاء بأنه موافقة ضمنية من الجيش على التنازل عن الجزر، رغم أن آخرين فسروا وجود بعض التعبيرات على وجهه أنها قد تكون دليلا على امتعاضه أو رفضه للتنازل.  

التسريب يكشف أن القوات المسلحة وضعت خطة "مخططا لها" لتكرار مثل هذه الندوة المسربة في جميع وحدات وتشكيلات القوات المسلحة ووزارة الداخلية أيضا، بما يوضح أن قادة الجيش يسعون جاهدين لإقناع أفراد القوات المسلحة بسعودية الجزيرتين.

كما أن العميد بحري أشرف نبيل العسال رئيس شعبة المساحة البحرية بالقوات المسلحة وعضو لجنة ترسيم الحدود البحرية المصرية السعودية، أوضح أن اللجنة ضمت ممثلين رسميين عن وزارات الدفاع، والخارجية، والبترول، والمخابرات العامة، وهيئة الاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء.

وبالطبع هذه هي اللجنة – التي ضمت عضو وزارة الدفاع- التي حددت وأقرت الترسيم البحري بين السعودية ومصر، والذي بموجبه تخلت مصر عن جزيرتي تيران وصنافير، اللتين تحتلان مكانة استراتيجية على مدخل خليج العقبة. 

"شرفاء الجيش"

يأتي هذا التسريب ليثبت بما لا يدع مجالا للشك أن قادة الجيش – أو على الأقل القيادات النافذة والمسيطرة على المؤسسة العسكرية- لاتزال تخضع لسيطرة عبد الفتاح السيسي وتروج لقراراته وسياساته إن لم تكن اتفاقية التنازل لم تحدث بقرار فردي من السيسي، بل كان قرارا متفقا عليه مسبقا ومخططا له من قبل السيسي وهؤلاء القادة أيضا.

ولهذا يصبح الحديث عن من يصفهم البعض بـ "شرفاء الجيش" عليه الكثير من علامات الاستفهام، فأين هؤلاء "الشرفاء"؟ وما هو حجم تأثيرهم – إذا ما كانوا موجودين أصلا-؟ وإذا لم يتحركوا خلال انقلاب السيسي أو عقب مجزرة رابعة وغيرها من المجازر أو بعد التنازل عن الجزر .. فمتى يتحركون؟ وإلى متى يستمر صمتهم هذا؟

لماذا السرية للغاية؟

طالما أن المؤسسة العسكرية أو قادتها مقتنعون تماما بسعودية الجزيرتين وبسلامة وصحة موقفهم، فلماذا لا يتم إعلان ذلك على الرأي العام وتوضيح وشرح الحقيقة من وجهة نظرهم للجميع وليس لأفراد الجيش فقط؟ ولماذا قامت القوات المسلحة بحظر نشر أو تداول أو عرض هذه الندوة على "الجهات المدنية"، مشددة على أنها سرية للغاية؟! بحسب وثيقة عسكرية اطلعت عليها "عربي21".

فهل الجهات التي وصفتها القوات المسلحة بأنها "مدنية" - والتي في مقدمتها الشعب المصري بالطبع- أصبحت خطرا على الأمن القومي للبلاد أم أنهم من الأعداء أو "الأشرار" الذين يتربصون لوطنهم بكل سوء؟ أم أن هؤلاء المدنيين قاصرون وعاجزون ولن يستوعبوا تلك "الحقائق" التي يروجون لها؟
 
توقيت الندوة المسربة وتجاهل القضاء والبرلمان

وتأتي أهمية وخطورة وقت الندوة التي نظمتها القوات المسلحة (25 تموز/ يوليو الماضي)، حيث إنها جاءت بعدما أصدرت محكمة القضاء الإداري حكما ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود في21  حزيران/ يونيو، بل وبعد انتصار القضاء لمصرية "تيران وصنافير" للمرة الثانية، فقد قررت المحكمة الإدارية العليا- في 27 آب/ أغسطس- وقف نظر طعن الحكومة، وقضت برد هيئة المحكمة التي كان مقررا لها نظر الطعن الذي تقدمت به هيئة قضايا الدولة.

وبالتالي فدلالة توقيت هذه الندوة – التي جاءت بعد الحكم القضائي بوقف تنفيذ الاتفاقية - يعني أن نظام عبد الفتاح السيسي لا يعبأ بأحكام القضاء، ويدفع بتسليم الجزر للسعودية بصرف النظر عن قانونية أو عدم قانونية ذلك، وهذا دليل واضح على الرغبة في التنازل.

والسؤال المطروح هنا: ماذا لو أصدر القضاء المصري حكما نهائيا بمصرية تيران وصنافير وإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود.. ماذا سيكون رد الفعل حينها؟

هذا بالإضافة إلى أن برلمان السيسي – المسؤول دستوريا عن التصديق على الاتفاقية - لم تُعرض عليه الاتفاقية حتى الآن، بل إنه يتجاهل ملف الجزيرتين ولم يتطرق له من قريب أو بعيد، سوى من خلال بعض التصريحات الفردية لعدد من نواب برلمان العسكر، ولم يتواصل مع الحكومة في هذا الصدد، رغم انتهاء دورة انعقاده الأولى منذ أسابيع، ورغم إقراره بالاتفاقيات والمعاهدات المصرية الأخرى مع السعودية.

القوات المسلحة واستدعاء مدنيين

في التسريب الذي بثته "مكملين"، حاضر عدد من أساتذة الجامعة وخبراء في القانون، من بينهم: أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية التربية جامعة عين شمس جمال شقرة، وأستاذ القانون الدولي بجامعة هارفارد الأمريكية محمد هلال، وهو ما يكشف مجددا أن القوات المسلحة تقوم باستدعاء شخصيات مدنية مؤيدة تماما لها ولمواقفها ليقوموا بالترويج لهذه المواقف والسياسات لأفراد الجيش.

وهذا التصرف ليس بجديد على القوات المسلحة، فقد استعانت بشخصيات مدنية (سياسية وإعلامية ودينية و..) عقب ثورة يناير وخلال فترة حكم الرئيس مرسي وقبيل الانقلاب العسكري، لتشويه ثورة يناير وللتمهيد للانقلاب العسكري واستباحة دماء المعارضين. ويبدو أن تلك التصرفات لم تكن معهودة على المؤسسة العسكرية، فلم تكن هناك أي تقارير تشير إلى ذلك خلال فترة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، بينما أصبح هذا الأمر معروفا للكثيرين عقب ثورة يناير.  

هل جاء ردا على تسريب المخابرات العامة؟

"هل جاء تسريب الشؤون المعنوية (إحدى إدارات الجيش المصري) ردا على تسريب المخابرات العامة الذي لم يمض عليه سوى شهر واحد فقط- في إطار ما يعرف بصراع الأجنحة المختلفة داخل الانقلاب؟".. هذا هو السؤال الذي يطرحه البعض، قائلين إننا قد دخلنا مرحلة يمكن تسميتها بحرب التسريبات المتبادلة، حيث لم تعد أي جهة أو مؤسسة سيادية عصية على التسريب أو الاختراق.

ففي 25 أيلول/ سبتمبر الماضي، بثت قناة "مكملين" - التي تعرض معظم التسريبات حصريا- مكالمة هاتفية مسربة للمرة الأولى من داخل جهاز المخابرات العامة، وهي عبارة عن حديث بين مسؤول الملف الفلسطيني في المخابرات المصرية اللواء وائل الصفتي، وبين القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان، وتتضمن المكالمة هجوما شرسا على الرئيس الفلسطيني محمود عباس وعدد من القيادات الفلسطينية، ومختلف الفصائل التي تمثل الشعب الفلسطيني.

ماذا لو تفاقمت الخلافات مع السعودية؟

أخيرا.. يبقى السؤال: ماذا لو تفاقمت الخلافات المصرية مع السعودية وقرر عسكر مصر الانقلاب على السعودية؟ كيف سيروج السيسي وإعلامه والقوات المسلحة بأن الجزر "مصرية" وسالت عليها دماء جنود الجيش؟ وكيف سيردون على قولهم السابق بأنه لا الجيولوجيا ولا المسح البحري ولا صور الأقمار الصناعية ولا أي دراسات على الإطلاق تقر "السيادة"؟!