بعد أن مولت
الإمارات العديد من
وسائل الإعلام المصرية سرا لمواجهة الإخوان المسلمين والتمهيد لانقلاب يوليو 2013، قررت التأثير على المشهد المصري بوسائل إعلامية تملكها بالكامل وتتحكم فيها من أبوظبي.
وكانت البداية في عام 2014 بتأسيس موقع "دوت مصر" الذي بدأ الإعداد له الصحفي الراحل عبد الله كمال، أحد رجال نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، لكن المنية وافته قبل انطلاق الموقع، فتولى الصحفي المصري خالد البري رئاسة تحريره، وأشرف على إطلاق الموقع في 2015.
وعمل البري سابقا في شبكة "بي بي سي" البريطانية، وهو علماني شديد العداء للتيارات الإسلامية بشكل عام، ولجماعة الإخوان المسلمين بوجه خاص.
تضييق منذ اليوم الأول
وقال مصدر مطلع داخل "دوت مصر" تحدث لـ "
عربي21" شريطة عدم ذكر اسمه، إنه على الرغم من أن الموقع لم يُظهر أي معارضة لنظام
السيسي، بل كان أكثر تأييدا له من كثير من المواقع والصحف المملوكة لرجال أعمال مصريين، إلا أن مضايقات الأجهزة الأمنية بدأت منذ الأيام الأولى لعمله.
وأضاف المصدر أن نظام السيسي لم يكن أبدا ليسمح للموقع الإخباري الوحيد المملوك كليا لدولة خارجية ويتناول الشأن المصري، بأن يعمل بحرية من القاهرة، حتى ولو كان مملوكا لحلفائه الإماراتيين، بعد أن أخضع وسائل الإعلام لسيطرته الكاملة بعد الانقلاب.
وكان السيسي قد أغلق قناة "الجزيرة مباشر مصر" المملوكة لقطر، بعد دقائق قليلة من إذاعة بيان الانقلاب، كما أغلق في عام 2015 مكتب وكالة أنباء "الأناضول" في القاهرة بعد مضايقات أمنية وإدارية استمرت لنحو عامين، ولم يفلت أي مراسل أجنبي في مصر، تقريبا، من الضغوط والمضايقات الأمنية.
وأضاف المصدر، أن عمليات التضييق الأمني على موقع "دوت مصر" استمرت طوال العامين الماضيين، وشملت القبض على مراسلين ومصورين أثناء تصوير لقاءات في الشارع، بحجة عدم حملهم تصريحات من الجهات المختصة، كما قامت الأجهزة المحلية بغلق مقر الموقع بزعم مخالفته لاشتراطات الحماية المدنية، وتم قطع الكهرباء عنه عدة مرات للسبب ذاته.
كما تدخلت الأجهزة الأمنية في فرض عدد من الصحفيين والإداريين التابعين لها للعمل في "دوت مصر" برواتب كبيرة حتى يكونوا عيونا لها في الموقع.
ووصلت المضايقات الأمنية إلى حد السطو المسلح على رواتب العاملين بالموقع العام الماضي، أثناء خروج الموظف المختص من أحد البنوك بوسط القاهرة!
وكلما كان الموقع يتعرض لمضايقات من السلطات، كان الأمر يحل باتصالات بين مسؤولين إماراتيين ونظرائهم في مصر، لكن سرعان ما كانت الأمور تعود لسابق عهدها، ما يكشف أن هذه المضايقات كانت تتم بتعليمات من جهات عليا.
بيع الموقع لساويرس بعد إفشاله
وبعد أن أيقن الإماراتيون أنهم لن يمكنهم تشغيل الموقع بشكل طبيعي، قرروا في مطلع 2016 التخلص منه وبيعه لمستثمرين مصريين، وهنا ظهر رجل الأعمال "ياسر سليم"، وهو ضابط سابق بالمخابرات، وأعلن شراء "دوت مصر".
وفي أول لقاء لسليم بالعاملين، أخبرهم بشكل واضح، أنه لواء سابق بالمخابرات وهددهم بإيذاء من يخالف تعليماته، كما قام في اليوم ذاته بإقالة رئيس التحرير خالد البري بعدما أبدى معارضة "محدودة" وطلب مناقشة التعليمات قبل تنفيذها!
وبعد شهور قليلة من شراء الموقع دخل "دوت مصر" في أزمة مالية بعدما امتنع سليم عن دفع رواتب العاملين، وأعلن بيعه لمشتر جديد يتحمل تكاليف تشغيله.
وفي شهر تموز/ يوليو الماضي، أعلن "ياسر سليم" بيع "دوت مصر" لصديقه المقرب رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة، وبعدها بأيام تم فصل نحو 100 صحفي بشكل مفاجئ، وهم نصف قوة العمل بالموقع تقريبا، بحجة ضغط النفقات.
لكن أبو هشيمة تراجع سريعا عن الصفقة، وأعلن في بيان صحفي أنه لا علاقة له بالموقع ولا بفصل الصحفيين منه.
ودخلت إدارة الموقع في مفاوضات مع عدة وكالات إعلان لشراء "دوت مصر"، إلى أن توصلت في أول أيلول/ سبتمبر الجاري لاتفاق مع وكالة "بروموميديا" للإعلان، المملوكة لرجل الأعمال القبطي
نجيب ساويرس، للاستحواذ على الموقع لمدة أربع سنوات، وهو على شفا الإغلاق.
السماح بنهش الموقع
وقال المصدر إنه منذ شراء ياسر سليم لـ "دوت مصر"، فقد رفع الحماية عنه، وسمح للكثيرين بالنهش فيه، في إطار خطة لجعل الموقع مستباحا لكل من هب ودب.
وبدأ الأمر بالسماح للصحفيين المفصولين بالاعتصام داخل الموقع وتعطيل العمل به لأكثر من ثلاثة أسابيع، وتحطيم جزء من محتويات الموقع وسيارات العاملين به، للمطالبة بمستحقاتهم المتأخرة.
كما شن الإعلامي المقرب من الأجهزة الأمنية أحمد موسى هجوما حادا على الموقع، وقال إنه غير مهني، ونصح المصريين بعدم متابعته!
ضحايا آخرون
وأكدت مصادر مطلعة أن الإمارات اتخذت قرارا بوقف التمويل لكل وسائل الإعلام والمراكز البحثية التابعة لها والعاملة من مصر حيث لم يكن "دوت مصر" الوسيلة الإعلامية الوحيدة التابعة للإمارات التي تعرضت لإغلاق أبوابها بسبب مضايقات الأجهزة الأمنية، فقد أغلق "المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية"، الممول من الإمارات، أبوابه قبل أسبوعين.
كما اشتكى العاملون بقناة "الغد العربي" المملوكة للإمارات والتي يرأسها عبد اللطيف المناوي، رئيس التلفزيون المصري في عهد مبارك، من مضايقات أمنية على مكتبها بالقاهرة الذي يضم غالبية العاملين، وتوشك القناة على إغلاق أبوابها قريبا هي الأخرى بعد تسريح عشرات العاملين بها.
ويعاني العاملون في موقع "دوت إماراتس"، الذي يدار من القاهرة ويتناول الشأن الإماراتي والعربي، من ضغوط أمنية شديدة من قبل السلطات المصرية.
وقالت مصادر مطلعة في "دوت إمارتس" لـ "
عربي21" إن رئيس تحرير الموقع، وهو صحفي مصري، تعرض للاعتقال لعدة أيام وتم تلفيق قضية انتماء لجماعة محظورة ونشر أخبار كاذبة له، للضغط عليه.