بدأ حوالي ألف صحفي موريتاني، الاثنين، مؤتمرا استثنائيا يستمر لأكثر من ثلاثة أيام، في محاولة لإصلاح القطاع ووضع حزمة قوانين جديد تنظيم العمل الصحفي في البلاد، بعد سنوات من الفوضى.
وقال عدد من المشرفين على المؤتمر، في حديث منفصل لـ"عربي21"، إن العديد من القضايا الحساسة ستثار في المؤتمر، ابتداء من يوم غد، مثل هيكلة المؤسسات النقابية، والبحث عن مخاطب واحد (مجلس أعلى للصحافة)، وكذلك إعادة النظر في طرق تسيير الدعم العمومي، وسبل تعزيز المؤسسية داخل المقاولات الصحفية الناشئة، وآليات العمل، وشروط الترخيص، بالإضافة إلى مسألة حرية
الصحافة، بشقيها الخصوصي والعمومي.
سياسية الحظر
ورغم تصدر
موريتانيا خلال العامين الماضين، على الصعيد العربي، لمؤشر حرية الإعلام الذي تصدره منظمة مراسلون بلا حدود، إلا أن فاعلين في الوسط الإعلامي الموريتاني يرون أن الحرية المتاحة للصحفيين الموريتانيين شكلية، معتبرين تعليق بعض البرامج التلفزيونية والإذاعية وقطع الشركة الموريتانية للبث بث ثلاث قنوات تلفزيونية خاصة بشكل متكرر، "المرابطون"، "شنقيط"، دافا"، دليلا على التضييق مستمر من السلطات.
ويشتكي الصحفيون بموريتانيا من جرهم للقضاء في حالات كثيرة، على خلفيات شكاوى تقدمت بها مؤسسات حكومية، بالإضافة للتحقيق مع عدد من الصحفيين ومصادرة معداتهم، بتهم مختلفة، وبشكل متكرر.
لكن مدير الصحافة الإلكترونية بموريتانيا، عبد الله الراعي، اعتبر أن حرية الصحافة بموريتانيا اتخذت مسارا صحيحا، من خلال إلغاء عقوبة حبس الصحفيين، وإنشاء هيئة عليا للصحافة، قال إن مهمتها تتجسد في المراقبة والتقييم.
وقال عبد الله الراعي لـ"
عربي21" إن السلطات استخدمت كل الوسائل من أجل وضع الصحفيين في جو من الحرية يتيح لهم تأدية مهامهم، متحدثا عن صندوق حكومي لدعم الصحافة، وعن تحرير الفضاء السمعي البصري، وهو ما قال إنه مكن موريتانيا من تصدر تقارير منظمة "مراسلون بلاد حدود" عربيا.
خارطة الإعلام بموريتانيا
وبعد سنوات من احتكار الدولة لوسائل الإعلام، أعلنت السلطات الموريتانية في العام 2011 عن تحرير الفضاء السمعي البصري، وشهدت البلاد ما يشبه ثورة إعلامية؛ إذ افتتحت أربعة تلفزيونات خاصة دفعة واحدة، بالإضافة لأربع محطات إذاعية، وبلغ عدد المؤسسات الإعلامية التلفزيونية منها والإذاعة والمكتوبة حتى بداية العام 2016 حوالي 248 مؤسسة صحفية، من بينها 10 مؤسسات سمعية بصرية.
صحف تختفي من الشارع
ومقابل التازيد الملحوظ في عدد المحطات الإذاعة والتلفزيونية، اختفت أغلب الصحف الورقية، وتحولت لواجهات إلكترونية، فيما لم تتمكن سوى أربع صحف من الاستمرار في الصدور، وتحولت خامسة من يومية لأسبوعية.
وقال المدير العام لصحيفة "السراج" الورقية، محمد سالم ولد الخليفة، إن الصحف الورقية ستختفي بشكل كامل خلال فترة قصيرة، مضيفا أن الموجود منها بات يحتضر.
وقال ولد الخليفة، لـ"عربي21"، إن ما سماه الحصار المفروض على الصحف الورقية، المتمثل في ارتفاع أسعار الطباعة والسحب، وانعدام شركات للتوزيع، وغياب الدعم الرسمي، كلها عوامل يستحيل معها صدور أي صحيفة ورقية.
معوقات من الداخل
ويرى أستاذ الإعلام بجامعة العلوم الإسلامية، يعقوب ولد محمد الأمين، أن عدم نضج الكثير من الصحفيين أنفسهم، أو عدم نضج هيئاتهم المشرفة على مختلف جوانب القطاع، يعد حجر الزاوية فيما يتعلق بتطوير المشهد الإعلامي بشكل عام، وفهم فلسفة حرية الصحافة ودورها في بناء المجتمع والسلطة.
وتحدث ولد محمد الأمين، في حديث لـ"
عربي21"، عن ترسانة قانونية بموريتانيا اعتبر أنها يمكن أن تمهد لحرية إعلامية منشودة، وقد أزالت الإشكال البنيوي المتعلق بجدية الإرادة السياسية في تفعيل وتنظيم قطاع الإعلام الموريتاني بشكل عام وتطويره وتعزيز حريته، حسب قوله.
وأضاف: "يمكن القول إن التحدي الذي تواجهه حرية الصحافة في موريتانيا يتعلق بمستوى قناعة الصحفيين أنفسهم بتطوير القطاع، وتنقيته ممن يسعون إلى تشويهه وابتزاز الآخرين باسم الصحافة".