نشرت مجلة "فورين أفيرز" تقريرا للكاتب والمحلل في الشؤون
الجزائرية والمقيم في مدينة لشبونة البرتغالية فرانسيسكو سيرانو، يقيم فيه الوضع في الجزائر، حيث قال إن البلاد بعد خمسة أعوام من اندلاع
الربيع العربي تواجه أزمة في الحكم والموارد
الاقتصادية المتراجعة؛ بسبب انخفاض أسعار النفط والغاز العالمية.
ويستدرك التقرير بأنه رغم نجاة الجزائر من الاضطرابات التي حلت بالدول العربية عام 2011، إلا أن البلاد تواجه اليوم أزمة في الحكم، وشعب ساخط وخائف من المجهول.
ويرى الكاتب أن "أزمة البلاد الحالية ليست جديدة، فمنذ الاستقلال عام 1962، والبلاد تشهد اضطرابات، حيث استبدل الاستعمار الجزائري بحكم الحزب الواحد، ثم جاءت طبقة نخبة تعرف بالقوة، التي تقوم بإدارة المشهد السياسي في البلاد، فالجزائر اليوم تحكمها مجموعة عسكرية وأمنية ونخبة سياسية".
وتجد المجلة أن النظام السياسي الجزائري، رغم ما أصابه من ترهل، فإنه لا يزال يقاوم، مشيرة إلى أن السبب نابع من محاولته إعطاء مظهر من مظاهر التغيير، دون تحقيق الإصلاح المنشود على المستوى السياسي والاجتماعي.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى تطورين مهمين في الحياة الجزائرية، وهما تعديل الدستور، وتغيير مؤسسة الأمن، لافتا إلى أن هذين التطورين لا يلغيان حقيقة التحديات الداخلية والخارجية التي قد تؤدي إلى انزلاق البلاد نحو الفوضى، حيث زاد تراجع أسعار النفط العالمي من الضغوط على الاقتصاد، ورفع مستويات البطالة، فيما قوت حالة الإحباط من الفساد المستشري وبيروقراطية الدولة من حركات الاحتجاج في أنحاء البلاد.
وتقول المجلة إن "المشكلات التي تواجه النخبة الحاكمة جاءت في وقت غير مناسب، حيث تحاول هذه النخبة البحث عن ترتيبات مقبولة لمرحلة ما بعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي يحكم البلاد منذ عام 2009، ومنذ إصابته بجلطة دماغية عام 2013 لم يعد الجزائريون يرونه إلا في النادر، وفي المرات القليلة التي ظهر فيها كان على كرسي متحرك وبدا متعبا ومريضا بشكل يجسد حالة النظام السياسي في البلاد العجوز المنفصل عن الواقع، فهو جزء من النخبة التي حكمت البلاد منذ الاستقلال، يحكم شعبا نسبة الشباب فيه تشكل 67%".
ويعتقد سيرانو أن تعديل الدستور وتغيير شكل المخابرات العامة هما جزء من الترتيبات التي تعدها "السلطة" لما بعد بوتفليقة، حيث إنه في كانون الثاني/ يناير حل الرئيس جهاز الاستخبارات الجزائرية، واستبدله بـ "مديرية المصالح المدنية"، وكلف الجنرال بشير طرطاق بإدارتها.
ويلفت التقرير إلى أن قرار الرئيس أو النخبة جاء لإعطاء مظهر من مظاهر "الدولة المدنية"، وتجاوز ما ارتبط بالمخابرات، التي أدت دورا مهما في الحياة السياسية منذ الاستقلال، وارتبطت أكثر بالحرب القذرة في التسعينيات من القرن الماضي، التي اندلعت بعد إلغاء نتائج الانتخابات، التي فازت بها الجبهة القومية الإسلامية عام 1990، وتوسع دور المخابرات في هذه الفترة، حيث قامت تحت ذريعة محاربة
الإرهاب بمراقبة الأحزاب السياسية والشركات في القطاعات الحيوية والجامعات والإعلام.
وترى المجلة أن عزل مدير المخابرات محمد مدين (توفيق) العام الماضي، رغم الدور الذي أداه في وصول بوتفليقة إلى السلطة وتأمين فوزه في ولاية رئاسية رابعة، هو جزء من تقليم أظافر المخابرات، واستبعاد أي دور لها في تحديد هوية الرئيس المقبل.
وينوه الكاتب إلى أن التغيير في شكل المخابرات لا يلغي حقيقة ما قامت به خلال الـ 25 عاما الماضية، حيث كانت تتصرف دون حسيب، مشيرا إلى أن الجزائريين تساءلوا عن توقيت التغيرات، حيث لا يمكن للنخبة التخلص من مؤسسة خدمت النظام، دون تقديم نسخة نظيفة ومدجنة يسهل التحكم بها.
ويذكر التقرير أن النخبة التي تحكم الجزائر ظلت تدور حول الجيش وأجهزة الأمن والرئاسة، ثم أضيف لها بعد رابع، وهو أصحاب المصالح المرتبطين بشقيق الرئيس، المستفيدين من العقود التي تحصل عليها الدولة مع الشركات العاملة في البلاد.
وتجد المجلة أن التعديل الدستوري مع تغيير مؤسسة الأمن هو أحد الطرق لتقديم الإصلاح، مشيرة إلى أن التعديلات التي تحدد ولاية الرئيس بخمس سنوات، وسمحت بإعادة انتخابه مرة واحدة، والاعتراف باللغة الأمازيغية لغة رسمية، وانتخاب رئيس الوزراء بتصويت مباشر من البرلمان لا تعيينه من الرئيس، جاءت دون مشاركة من الشعب، أو استفتاء عليها، بل قدمت للبرلمان دون أن يكون له رأي في صياغتها، حيث إن اتخاذ القرارات ظل سرا، وتقدم للوزراء أو البرلمان لتشريعها، خاصة أن الجزائر ظل يحكم بحزب واحد حتى بداية الثمانينيات من القرن الماضي، عندما أجبر النظام على فتح المجال للقوى السياسية الجديدة.
ويكشف سيرانو عن أن السبب وراء عدم تحمس الجزائريين للتعديلات الدستورية هو أن الدستور يطبق على النخبة الحاكمة بطريقة مختلفة مما يتم تطبيقه على الغالبية المحكومة، حيث إن البند (51) أشار إلى ضرورة تحمل حملة الجنسية الجزائرية المهام والمسؤوليات العالية، وعندما وضع أمام البرلمان للتصويت على التعديلات الدستورية، ونظرا لأن عددا من قيادات الدولة هم من حملة الجنسية المزودجة، فقد أعلنت الدولة أنها ستحدد طبيعة الوظائف التي سيحرم منها حملة الجنسية المزدوجة.
ويفيد التقرير بأن الجزائر استطاعت عبور ثورات الربيع العربي عام 2011، من خلال منع التظاهرات والاحتجاجات، وزيادة رواتب الموظفين، مشيرا إلى أن الحرب الأهلية (1990 - 1999) المرة، التي قتل فيها أكثر من 200 ألف شخص، أدت دورا في منع ظهور حركة احتجاج شعبي كبيرة، حيث فضل الجزائريون الاستقرار على الفوضى.
وبحسب المجلة، فإن الجزائريين يحتجون اليوم بشكل مستمر على الأوضاع الاقتصادية والتضخم ونقص السكن والخدمات الأساسية، إلا أن مطالبهم اجتماعية وليست سياسية، لافتة إلى أن ما ينقص هذه الاحتجاجات هو الصوت الذي يمكن من خلاله نقل مظالمهم، أي الأحزاب السياسية والاتحادات العمالية، حيث يشعر الشبان أن الدولة لا تعاملهم بصفتهم مواطنين، بل إنها "تحتقرهم".
ويعتقد الكاتب أن "الدولة بحاجة إلى إصلاحات ماسة لمواجهة أزمة تراجع النفط والمشكلات الاجتماعية المتفاقمة، حيث إن الجزائريين قلقون من الوضع، والحلول التي وعدت بها الحكومة من ناحية تنويع الاقتصاد تحتاج إلى وقت، كما أن خفض النفقات سيؤثر في المواطنين، ويضاف إلى هذا كله خطر الإرهاب".
وتختم "فورين أفيرز" تقريرها بالقول إن "مستقبل النظام الجزائري مرتبط بأسعار النفط، وقدرته على منع انتشار مظاهر الحنق، ويعتمد أيضا على الخطوات التي يتخذها لخروج بوتفليقة، ومن حسن حظ النظام أن المعارضة منقسمة على نفسها، لكن إن لم تقم الحكومة بتطبيق الإصلاحات الضرورية، فإن السخط الشعبي، الذي يغلي تحت السطح، قد ينفجر".