مقالات مختارة

من يلعب باستقرار البلاد؟

1300x600
بدل أن تقدّم وزيرة التربية عرضا عن "إصلاحاتها" للجنة التربية بالغرفة الأولى للبرلمان، وتكشف مضمونها لتُطمئِن الجزائريين بعد الضجة الكبيرة التي ثارت حولها منذ أسابيع عديدة.. آثرت بن غبريط مواصلة الغموض، والاكتفاء بالإعلان عن الشروع في تطبيقها ابتداء من سبتمبر المقبل، مع توجيه تهمة خطيرة للرافضين لمشروعها "الإصلاحي" المريب، بأنهم "يوظفون المدرسة كورقة لزعزعة استقرار البلاد"؟!

تُرى، من يزعزع استقرار البلاد: هل هم الذين ينادون بإصلاحات تربوية تراعي هوية الجزائريين وانتماءَهم الحضاري مع التفتّح في الوقت نفسه على لغات العالم الحيّة من دون تحيّز سافر لأيّ لغة؟ أم هي الأقلية الفرنكفيلية المتغلغِلة في دواليب الحكم والتي تريد تطبيق "إصلاحات تربوية" مُريبة تمنح الاحتكارَ للفرنسية، وتُبعد اللغة الأولى في العالم عن منافستها، وتحاصر العربية بشتى الحِيل والطرق؟ 

ما الذي يمنع الوزيرة بن غبريط من كشف مضمون "إصلاحاتها" للجزائريين قبل أقلّ من 5 أشهر فقط من بداية تطبيقها؟ هل هي سرٌّ من أسرار الدولة والدفاع الوطني حتى تحيطها بكل هذا التكتّم والغموض؟ أليس من حقّ الجزائريين أن يعلموا مضمون ما سيدرس أطفالهم في المدرسة ابتداء من سبتمبر المقبل؟ 

إن إبقاء مضمون "الجيل الثاني من الإصلاحات التربوية" غامضا وسرّيا، يعني أن أمرا ما قد دُبّر بليل، وأن الوزيرة تحرص على ألا يُكشَف إلا مع بداية تطبيقه في سبتمبر المقبل، لضمان تمريره وفرض الأمر الواقع على الجزائريين من دون أدنى مقاومة أو نقاش، والحؤول دون تكرار ما حدث مع "اقتراح" تدريس اللهجات العامية الذي قدّمته الوزيرة في 25 جويلية 2015، الذي فشل بفعل تصاعد الرفض الشعبي له، أبهذه الطريقة يمكن أن تنجح بن غبريط في فرض "إصلاحاتها" على 40 مليون جزائري؟

إن "إصلاحات" تُنجَز في سرّية تامة، في مخابر مغلَقة، وتُستبعد منها الأسرة التربوية في الجزائر العميقة، ولا يُكشف مضمونُها حتى للشركاء الاجتماعيين وكذا النواب، هي "إصلاحاتٌ" أحادية، فوقية، تبعث على الارتياب وتقوّي الشك في أن هناك مؤامرة تُحاك ضد المدرسة الجزائرية الأصيلة، بهدف فرْنَستها وتغريبها، مع محاصرة العربية والإنجليزية بشكل متدرّج يتصاعد من سنة دراسية إلى أخرى، والبداية ستكون بفرْنَسة المواد العلمية في التعليم الثانوي، على أن تزحف الفرْنسة لاحقا إلى بقية أطوار التعليم...

هي "إصلاحات" تؤشّر على استمرار منطق الوصاية التي تشبّعت به الأقلية الفرنكفيلية بالبلد، وتنبع منها رائحة الاستعلاء والازدراء والنزعة إلى الإقصاء وإجبار الآخرين على تنفيذها من دون نقاش.. ولذلك يحقّ للجزائريين المتمسّكين بعناصر هويتهم وقيمهم الحضارية، أن يرفضوها، ويطالبوا السلطة بالتدخّل العاجل لوضع حدّ لفتنة إيديولوجية تطلّ برأسها وقد تزعزع استقرار المجتمع والبلد، من خلال تأجيل تنفيذها، وطرْحها للأسرة التربوية ولمختلف فعاليات المجتمع لمناقشتها علنا، والمشاركة في إعادة صياغتها بما يضمن الخروج بإصلاحات تعبّر عن هوية الشعب وانفتاحه في الوقت نفسه على اللغات العالمية الحية من دون محاباة أو تمييز.

عن صحيفة الشروق الجزائرية