مقالات مختارة

ترامب.. تهديد خطير لغزة وإيران!

الأناضول
التهديد الخطير الذي أطلقه الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، يوم الاثنين، بشأن “الجحيم” الذي ينتظر “الشرق الأوسط” إذا لم تطلق “حماس” الأسرى الصهاينة قبل توليه منصب رئيس أمريكا في 20 جانفي 2025، ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد بالنظر إلى ما عرف عن هذا الرئيس من نزق وتهوّر خلال ولايته الرئاسية الأولى.

ترامب أطلق تهديدا ينطوي على الكثير من الصّلف والعجرفة والغرور، وهو بذلك يريد تخويف “حماس” ودفعها إلى إطلاق سراح الأسرى الصهاينة مجّانا، وإسقاط شروطها المعروفة وهي: الوقف الكامل للحرب، وانسحاب جيش الاحتلال من غزة كلّها، وعودة النازحين وإغاثة سكان القطاع، وعقد صفقة تبادل أسرى جدّية ومنصفة.

السؤال الجوهري هنا هو: ما الذي يستطيع ترامب أن يفعله في غزة أكثر ممّا فعله الاحتلال بها إلى حدّ الساعة؟ طيلة 14 شهرا تقريبا وجيش الاحتلال، وبأسلحة أمريكية مدمّرة، يرتكب المجازر بحقّ النساء والأطفال والمدنيين، ويجوّعهم ويحاصرهم ويدمّر بيوتهم ومدارسهم وستشفيانهم ومخابزهم وآبارهم.

حتى أصبحت الكثير من أجزاء غزة، وخاصة شمالها، غير صالحة للحياة، لكنّه عجز عن مكان احتجاز أسراه وتحريرهم، فماذا ترك الصهاينة لترامب ليفعله في غزة، حينما يتولّى رئاسة أمريكا في 20 جانفي المقبل؟ هل يرسل المارينز لمحاربة المقاومة الفلسطينية بدلا من جيش الاحتلال المنهك؟ أم يريد ضرب غزة بقنابل نووية؟

بهذا التصريح الخطير والمستهتر، يشجّع ترامب حليفه نتنياهو على عدم إبرام اتّفاق تبادل أسرى وإنهاء الحرب والانسحاب من غزة، ويتماهى معه في طرحه القائم منذ 14 شهرا على مواصلة الحرب إلى غاية تحقيق “النصر المطلق”، وتحرير الأسرى بالقوة، والقضاء على “حماس”.. ترامب يطالب الحركة في الواقع بالاستسلام من دون قيد أو شرط، أليست هذه قمة الجبروت والطغيان؟

في سجون الاحتلال، هناك آلاف الأسرى الفلسطينيين، وهم يتعرّضون للتعذيب والإذلال والتجويع كلّ يوم، وبعضهم قضى هناك أزيد من ثلاثين سنة، فلماذا لا يتحدّث عنهم ترامب ولا يطالب بإطلاق سراحهم ولا يندّد حتّى بما يتعرّضون له من تعذيب جهّنمي مخالف للقانون الدولي، ويريد فقط إطلاق سراح 101 أسير صهيوني لدى “حماس”؟

بقدر ما كانت حرب غزة الحالية مؤلمة للفلسطينيين وللشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم أجمع، إلا أنّها كشفت، من جهة أخرى، زيف شعارات الغرب عن حقوق الإنسان والمساواة بين البشر والحرية والأخوّة… لقد سقطت هذه الشعارات الزائفة نهائيا ولم يعد من حقّ الغرب اليوم أن يتحدّث عن خرق حقوق الإنسان في أيّ بلد وهو الذي يرى الصهاينة ينتهكونها جهارا نهارا كل يوم في غزة، وبدل التدخّل لمنعها، يقوم الرئيس المنتظر لأكبر دولة في العالم بتشجيع الظالم على التمادي في ظلمه، ومطالبة المستضعف بالاستسلام له من دون قيد أو شرط، أيّ عالم هذا الذي نعيش فيه؟

من جانب آخر، يفهم من تهديد ترامب بجعل “الشرق الأوسط” يعيش الجحيم إذا لم تطلق “حماس” الأسرى الصهاينة مجّانا، أنّه سيخوض مع الكيان الصهيوني حروبه على محور المقاومة كلّه لتدميره، وفي مقدّمته إيران التي قد تشنّ أمريكا عدوانا واسعا على منشآتها النووية التي طالما توعّد نتنياهو بتدميرها.

فضلا عن تشجيع الاحتلال على إنهاء وقف إطلاق النار مع “حزب الله” بعد نهاية هدنة الستين يوما التي احتسبها الصهاينة بدقّة في انتظار عودة ترامب إلى البيت الأبيض، أما ما يجري في سوريا منذ 27 نوفمبر الماضي، فهو حلقة في هذه السّلسلة التي تهدف إلى تدمير محور المقاومة برمّته، عبر أمريكا والاحتلال الصهيوني أو عبر أدواتهما التي يجري تزويدها وتدريبها حتى على استعمال الطائرات المسيّرة المتطوّرة بعد أن درّبها عليها خبراء وضباط أوكرانيون!

باختصار، تهديد ترامب المليء بالصّلف والتبجّح والاستعلاء يعني أنّه قرّر التعاون مع نتنياهو لإقامة شرق أوسط جديد، لا مكان فيه للمقاومة، دول وحركات، وتجبر فيه البلدان العربية والإسلامية على الانبطاح والتطبيع ونسيان القضية الفلسطينية التي تكون قد اكتملت حلقات تصفيتها النهائية، وكلّ بلد شذّ عن القطيع، يتعرّض للمؤامرات والتفجير من الداخل.

هذا ما يريده ترامب، لكنّ تهديداته لم تخف محور المقاومة يوما حينما كان رئيسا لأمريكا بين 20 جانفي 2017 و20 جانفي 2021، ولن تخيفه الآن.

الشروق الجزائرية