كتاب عربي 21

غيبوبة الزمن عند المنقلب

1300x600
من جملة ما يقع فيه صاحب الغفلة والهذيان أن يتحدث عن الزمن بلا تقدير حقيقي، وبلا اعتبار لوقائعه ومعطياته. حينما يتحدث السيسي أن على المصريين أن ينتظروا خمسة وعشرين عاما حتى تعم الديمقراطية، فإنه بذلك يسوغ استبداده وطغيانه، بطشه وقمعه، إنه بذلك ينتهك ليل نهار كل ما يتعلق بحقوق الإنسان ومتطلباتها، وحينما يتحدث أن على الشعب المصري أن ينتظر حتى العام 2063 حتى يمكنه أن ينعم بثمار التنمية الشاملة، عند كل الحقوق والمساءلة عنها يتهرب السيسي إلى الزمن، وتكون وحدته القرن الذي يعتبره مجرد برهة من الزمن، فعلى الناس أن تنتظر ربع قرن وقرابة نصف قرن حتى تنعم بالديمقراطية والتنمية، إدراكه للزمن عليل قليل، ليس لديه أي قدر من الإحساس بهموم هذا الشعب والأحوال التي يجب عليه مواجهتها لا التهرب منها، إنها لغة الفشل حينما تسيطر على منقلب غاصب ومتصدر للرئاسة فاشل.

ومن مؤشرات غيبوبته الزمنية تلك المشاريع التي أسماها بالقومية، ولم تكن إلا تعبيرا عن حالة فنكوشية يبيع فيها الوهم من مشروعات لا يمكن أن تنجز على طريقته هو فقط يحاول أن يصدر المشهد بجملة من إنجازات فنكوشية وهمية، ومن ثم فإنه يحاول أن يأمر مساعديه وكأنه في ثكنة عسكرية فتقول الدراسات إن مشروعا يمكن أن يستغرق عددا من السنوات، بينما يقول المنقلب :"أنا معنديش غير كدة، المشروع ده يجب أن ينجز في سنة أو سنتين"، ويعتبر ذلك من جملة حزمه واستعجاله في إنجاز متوهم، فتبدو كل تلك المشاريع في النهاية فاقدة التخطيط ودراسة الجدوى وغير قابلة للتنفيذ.

إنها محاولة من المنقلب أن يزايد على الزمن، فيتحدث عن مشروعات وهمية، مدعيا أنه يقتصد الوقت، وتمر الأيام ولا تتقدم المشاريع، وتبشرنا الحملات الإعلامية أن المشروع قد تأجل، أو أنه لم يبدأ فيه بعد مسرحية الزمن التي افتعلها وتحدث فيها بلا تخطيط، مدعيا الحزم والشدة، وأصل المشروع ما هو إلا فنكوش.

وفي غيبوبة الزمن، فإنه يتحدث عن مشروعات تتطلب سنين، ويعلن المرة تلو المرة أنه سينجزها في غضون عام، مثل شبكة الطرق وطريق بري بين مصر وأثيوبيا ويمر بالسودان، سينجزه أيضا في العام ذاته، وتمر الأيام، ولا نجد أثرا لتلك المشروعات إلا أوهام يبيعها المنقلب لا تخلو من كذب صراح يقوم به المنقلب، فلا يزال يكذب ويتحرى الكذب في إنجازات موعودة، وهي في الحقيقة غير حقيقية وغير موجودة، بل إنه يحاول أن ينتقل من مشروع إلى مشروع، فضلا عن تلك المشاريع التي يقول إنه لا يعلن عنها؛ خوفا من الأشرار والحساد، فماذا فعل في حقيقة الأمر حتى يحسد أو يترصده الأشرار؟ سوى أن فعله فعل الكذابين وعمل الأشرار.

وفي ساحات غيبوبة الزمن، فإن قضاءه العسكري يمارس أكبر مهزلة عرفها التاريخ، حينما تحكم محكمة عسكرية على طفل لم يبلغ بعد أربع سنوات بالسجن المؤبد، وحينما وجهت له لائحة الاتهام التي حملت تحريضا وقتلا وحرقا لأبنية، وكل هذه الأمور التي يتهم بها، فقد كان يبلغ من العمر آنذاك عاما ونصف، وفي إطار غيبوبة الزمن التي تحركه وتحرك أجهزته، بحيث لا يدرك هؤلاء أن طفلا صغيرا لا يتعدى عمره بعض السنوات، ولا تكون هذه الجرائم في حسبانه أوفي طاقته، فقط هم يروعون الناس ويلفقون القضايا مادام كل الناس في قبضتهم يفعلون بهم ما شاءوا، ولسان حالهم يؤكد أن هؤلاء البشر عقارا يورث وعبيدا يقمع هكذا لا يقيم هؤلاء لطفل صغير، ويتهمونه بعمل إجرامي كبير، ليس إلا ذلك حالة من حالات الهذيان القضائي والغفلة عن طبائع الأشياء، ومن ثم ليس عجيبا أن يوصف هذا النظام بقدر من الجنون والحمق.

فبينما جُندت كل أذرعته الإعلامية لتروج فشل الرئيس مرسي في الإنجاز، واستخرجت له من المقاييس، واستحدثت "مرسي ميتر" لتعبر عن ضرورة محاسبته بعد أيام من توليته، وتتحدث عن تقصيره الواضح والبين، بينما هذا المنقلب الغادر يطلب الإمهال مرة بعد مرة لسنتين، وكأن الأيام لا تتحرك تمر سنة، فمع ذلك تجمد الزمن في فكره وعقله، فيطالب بمزيد من الوقت، وتنبري له جوقته مرة بعد مرة من أنه لا يستطيع أن ينجز كل شيء، أو أن أثر هذه الإنجازات لا يمكن أن يحدث في عام أو عامين، وكانوا في وقت سابق يحاسبون الرئيس مرسي على اللحظة والأيام، على الشهور لا الأعوام.

وبدا للمنقلب وجوقته أن على الزمن ألّا يتحرك، وأن فشله مبرر مع قصر الزمن الذي تولى فيه رغم متوالية الفشل ومتوالية الكذب ومتوالية الكوارث التي تحيط بمنظومة الاقتصاد المصري وحال الوطن، فإنه لا يتحمل ذلك أو أي مسؤولية عنه، وألقي اللوم والاتهام المرة تلو المرة على الإخوان وأفعالهم، وعلى المؤامرة التي تحيط به وبهم، وعلى هؤلاء الذين لا يريدون خيرا بالوطن، إنها جملة من الشماعات التي يجيدون أن يصرفوا الانتباه إليها على نحو إعلامي ممجوج، وبقدر إعلاني غير مسبوق، فلم يكن ذلك في حقيقة الأمر إلا تعبيرا عن حالة من نفاق الزمن التابع لنفاق فرعون، فهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

هكذا تسيطر عليه غيبوبة الزمن، تارة يمده عند اقتضاء الحقوق، وتارة أخرى يختزله عند فائض كلامه عن مشروعاته الفنكوشية. وفي إطار سياسته الأمنية، فإنه يجعل كل المجتمع في حال اتهام وفي سجن كبير يتهم من شاء، ويلفق لمن أراد حتى الطفل الصغير والأعمى الضرير، منظومة التلفيق تلك خرجت عن إطار المعقول والمقبول، لتعبر عن حالة من الهوس الأمني الذي لا يستنكف أن يلفق تلفيقاته من غير أي قدر من المعقولية أو التقدير، هكذا تُرى الأمور حينما يصاب المنقلب بغيبوبة الزمن، إنه لا ينظر للزمن كما ينظر عموم الناس من العقلاء، ولكنه يرى الزمن في قبضته يطيل أمده حينما يريد ويقصر أمده حينما يأمر، ولكنه أضعف من ذلك بكثير، فهو كالفأر المذعور الذي جعل من غيبوبة الزمن إحدى أدوات تغطية فشله، ولكنها لم تكن في النهاية إلا أحد مصادر فضيحته وفضحه.