كتاب عربي 21

هل يخشى السيسي من خيانة الشرطة؟!

1300x600
وصل عبد الفتاح السيسي إلى أكاديمية الشرطة يوم الخميس الماضي، مبكرا؛ في الخامسة صباحا، وفي زيارة لم يعلن عنها، ووصفت إعلاميا بأنها "مفاجئة"، ليصب اهتمام المعلقين المحترفين والهواة، ومن الأطراف كافة، على ما قاله دون أن ينشغل أحد بدلالة الزيارة، في هذا الوقت بالذات!.

ظاهريا، ليس هناك مناسبة لهذه الزيارة، فليس هذا وقت تخريج دفعة جديدة بالأكاديمية، كما أن عيد الشرطة في يوم 25 يناير، الذي تحول إلى عيد للثورة المصرية، وهناك دعاوى من أطراف مختلفة للنزول في هذا اليوم، لاستعادة الثورة، بعد أن تبين لكثيرين ممن مثلوا عطاء ثوريا للانقلاب العسكري، بأن 3 يوليو أعادت زمن مبارك، ولم يكن كثيرون يجهلون منذ خروجهم في 30 يونيو أنها الثورة المضادة، ولكن تكمن المشكلة في أنهم الآن خرجوا من "المولد بلا حمص"، فقد أعادت الانتخابات البرلمانية "دولة مبارك" ليصبح برلمان السيسي هو المتمم لبرلمان المخلوع في 2010 الذي كان من أسباب ثورة يناير!

عبد الفتاح السيسي أراد أن يفتعل مناسبة لزيارته لأكاديمية الشرطة، فبدا كما لو كان قد ذهب ليطمئن على سير التدريبات، وقد اطمأن قلبه وارتاح فؤاده بعد أن شاهد عرضا للطلاب. ولأنه لم يستطع التسليم الكامل بأن هذا يعد مبررا مقنعا للجميع، فأعلن في خطابه أنه جاء ليشكر الشرطة، لدورها في الانتخابات، ولأنها لم تتدخل لتزويرها. ولم يكن يعلم أن المعلقين المحترفين، والهواة على مواقع التواصل الاجتماعي، لن يشغلهم مبرر الزيارة وإنما سيشغلهم ما قاله، من تبرير للتعذيب الممنهج في أقسام الشرطة، الذي أفضى في بعض الحالات إلى الموت، وقد هون هو من ذلك ووصفه بالحالات الفردية التي لا تستحق التوقف أو التبكيت!

دعك من الحديث عن أنها زيارة مفاجئة، فالزيارات من هذا النوع للمسؤولين في مصر فقدت معناها، وفي زيارة لرئيس الوزراء السابق "إبراهيم محلب" نشر أنها مفاجأة وكان الرجل يقف تحت لافتة ترحيب به!

بيد أن الحديث عن أن زيارة السيسي مفاجأة لم يستوقفني كثيرا، ولا أستبعد أنها وإن اختمرت في ذهن الزائر قبل أيام، فإنه لم يبلغ وزير الداخلية إلا قبل إتمامها بساعات، وذلك للهواجس الأمنية التي يعش فيها، فمن خان يخشى الخيانة، وللذكرى فنحن أمام أول مرشح في تاريخ الانتخابات، لم يقم بجولات انتخابية، ولم ينظم مؤامرات جماهيرية، وهو الحاكم الوحيد في تاريخ مصر الذي لا يعرف أحد أين يقيم؟، وكل خطاباته الجماهيرية كانت في معسكرات خاصة بالجيش وفي حضور قيادات القوات المسلحة مهمتهم التصفيق له دون مناسبة، وقد شاهدنا كيف صفقوا له وهو يستنكر نقده في وسائل الإعلام ويعقب "ميصحش كده؟".. وليس في العبارة أو الموقف ما يستحق التصفيق!.

أعتقد أن ما يشغل بال "عبد الفتاح السيسي"، الآن هو افتتاح برلمانه، والنص الدستوري أنه من يقوم بهذا، والأعراف المستقرة أن الرئيس يلقي خطابا بهذه المناسبة، فهل سيتم احتجاز النواب في فندق للقوات المسلحة، من باب الاحتياطات الأمنية، لنقلهم نقلا جماعيا للبرلمان، ويكون افتتاحه مفاجئا، وفي ساعة مبكرة من الصباح، ليضمن أن يكون المصريون نياما؟، وهل يحصل الموظفون في هذا اليوم على إجازة؟.. صحيح أن بإمكانه الانتقال لمبنى البرلمان بطائرة، لكن استخدامها لم يمنع من أن تكون زيارته لأكاديمية الشرطة دون إعلان وفي توقيت من المستقر حسب الأعراف المصرية، وأن الزائر فيه يقع بين احتمالين: الأول أن يكون بائع اللبن، والثاني أن يكون ملهوف جاء في موعد بائع اللبن، ولم ينتظر حتى يتمدد الصباح!

عندما ساق السيسي المبرر بأن السبب من زيارته هو شكر الشرطة على دورها في تأمين الانتخابات، لم يقنع أحدا، لاسيما وأنه جرى العرف أن الشكر يمكن أن يكون عبر خطابه في جلسة افتتاح البرلمان، لاسيما وأن رجال الشرطة لم يكونوا وحدهم الذين يستحقون الشكر. ففي مجال التأمين، فقد كان دورهم مساعدا لقوات الجيش، وحضور العسكر كان واضحا، فقيادات الجيوش دخلوا اللجان الانتخابية، وتفقدوا الموقف في رسالة لا تخطئ العين دلالتها، وتمثل سابقة في تاريخ الانتخابات، فقد جرت الانتخابات بعد ثورة يناير في حراسة الجيش وحده، ولم تحدث هذه الزيارات داخل اللجان، لأنها ممنوعة قانونا، وتفقد العملية الانتخابية مظاهر الحياد، الذي يستدعي شكلا بعد أجهزة الدولة عنها إلا في ضرورات الحماية، ووجود القوات لا يمتد إلى داخل اللجان البتة.

قد يكون الرد هنا، بأن السيسي وباعتباره من المؤسسة العسكرية، ولا يزال يتصرف على أنه وزير الدفاع، لم يجد نفسه مدفوعا بشكر "أهله وعشيرته" على دور قاموا بتأديته خدمة لحكم "ابن الأهل والعشيرة"، الذي اختطف لهم الحكم، وأسقط ثورة يناير، التي هتفت بسقوط حكم العسكر.

وقد يرى السيسي، أن "الأهل والعشيرة" لا يحتاجون للشكر، فلا شكر على واجب، لكن الشرطة وضعها مختلف، وهنا يكون الرد: فهذه الانتخابات جرت تحت إشراف القضاء، فلماذا لم يُكمل جميله، وينتقل إلى مبنى دار القضاء العالي، وبينه وبين أكاديمية الشرطة "مسافة السكة"، فيشكر القضاة على جهودهم المبذولة في إتمام العملية الانتخابية؟

وقبل هذا وبعده، فإن أكاديمية الشرطة ليست هي المكان المناسب ليلتقي فيه من قاموا بتأمين الانتخابات ليشكرهم، لأن طلاب الأكاديمية وأساتذتها، لم يشاركوا في تأمين الانتخابات، ولم ينط بهم عمليات التأمين، وعندما أراد الرئيس محمد مرسي أن يلتقي بأصحاب الدور الحقيقي قانونا في عمليات التأمين، كان لقاؤه في أحد معسكرات الأمن المركزي!.

قطعا، فإن الهواجس الأمنية تحول دون أن يدخل السيسي معسكرا للأمن المركزي، وربما لهذه الهواجس كانت أكاديمية الشرطة هي المكان الأفضل، وبشكل غير معلن، وفي ساعات الصباح الأولى، التي يكون الطارق فيها هو بائع "اللبن الحليب"!

والسؤال الذي يطرح نفسه: "لماذا يشكر السيسي الشرطة على عدم تزويرها للانتخابات؟".

والرد على هذا السؤال يكون بسؤال آخر: وهل كان هذا متاحا لها أو متوقعا منها؟!

الواقع أن الشرطة لم تكن الفاعل الرئيسي في عملية التأمين، ليمكنها القيام بالتزوير، لكن المتحكم في الدور وكشفت عنه حتى الصور المنقولة من اللجان هو الجيش، ودور الشرطة كان مساعدا، وفي أي حضور للطرفين منذ ثورة يناير وبعد الانقلاب العسكري، فإن عقدة الأمر تكون بيد ضباط الجيش وإن كانوا اقل رتبة. لكن السيسي يتحدث بعقله الباطن، فقد تأجلت الانتخابات البرلمانية كثيرا وخشي من إجرائها، ولم يفعل إلا بعد أن تمكن من السيطرة عليها تماما.

السيسي كان اعتماده في البداية على الحزب الوطني، ووجد في خروج "أحمد عز" أمين التنظيم السابق لهذا الحزب "المنحل" هدفا في برلمان تابع تماما، لكن التقارير الأمنية التي رفعت إليه حذرت من أن ولاء القيادات التاريخية بالحزب والنواب القدامى فيه، ليس له، ولكن للفريق أحمد شفيق. وأن الشرطة لا تبدو معه تماما.

وهناك اشتباكات جرت في بعض أقسام الشرطة مع ضباط بالجيش، استدعى كل فريق قوته، واستدعى الطرفان هتافات ثوار يناير: فهتف أفراد الشرطة بسقوط حكم العسكر، ورد أفراد القوات المسلحة: "الداخلية بلطجية"!.

لقد حيل بين "أحمد عز" والترشح بحكم قضائي، ووصلت التهديدات لقيادات بالحزب الوطني كانت تدير عملية ترشح نوابه السابقين بالابتعاد عن العملية الانتخابية فبعدوا، وأحدهم فر للخارج، على أمل العودة بعد أن تلقي الحرب أوزارها، زيادة في الحذر.

ولضمان السيطرة على التأمين، تم استغلال تفجيرات جامعة القاهرة، في إصدار السيسي قراره بعودة الجيش للشارع ليتولى حماية المنشآت العامة، وهو القرار الذي بمقتضاه صار وجود الجيش في العملية الانتخابية طبيعيا، وأصبحت اللجان الانتخابية قبضته، والشرطة هنا دورها ثانوي ومساعد، وهو دور يعزز من الإحساس بأن 30 يونيو لم تعد لهم دولة الشرطة التي كانت تحكم مصر!

في الحسابات الإجمالية، فإن أدوات السيسي في الحكم تتمثل في ثلاث هيئات: "الجيش"، و"القضاء" و"الشرطة"، وهذا في مواجهة القوى الرافضة للانقلاب، لكن في التفاصيل وعندما يكون الخلاف بين معسكر 30 يونيو، فإن الشرطة لن تصفو مع من شاركوا في ثورة يناير من هذا المعسكر، وإن مثلوا غطاء لثورتهم المضادة، وبعيدا عن هؤلاء، فعندما تختلف المصالح بين باقي المعسكر، فمن المستبعد أن يكون السيسي هو الخيار الاستراتيجي لدولة البوليس.

فبعيدا عن المقرر الدراسي عن الحكم العسكري الذي يحكم مصر منذ حركة ضباط الجيش في سنة 1952، ففي الواقع إن من كان يحكم مصر في ثلاثين عاما هي حكم مبارك، كانت وزارة الداخلية، وكان "حبيب العادلي" وزير الداخلية القوي في عهد مبارك، أقوى في معادلة الحكم، ليس فقط من وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي، ولكن من أعضاء المجلس العسكري مجتمعين، وقد تنحى مبارك ولم يستكمل تشكيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة لعدم الأهمية!.

جهاز مباحث أمن الدولة، أو الأمن الوطني الآن، كان هو الحاكم، الآمر، الناهي، في دولة مبارك، وكان مسيطرا على الحالة السياسية، وصاحب "عقدة النكاح" داخل الأحزاب السياسية، وهو المتحكم في إنشاء أحزاب جديدة، وفي حل الأحزاب القائمة، وفي تفجيرها، وفي تأسيس الصحف والقنوات التلفزيونية، وفي تعيين المعيدين بالجامعات وأعضاء هيئات التدريس.

وأكثر من هذا، فقد كانت تقارير هذا الجهاز، معتمدة لدى مبارك في تعيين كبار المسؤولين، بل وفي ترقية ضباط الجيش أو إحالتهم للتقاعد!.

وعندما قامت الثورة، كان أعضاء المجلس العسكري يعلمون أن لهم ملفات داخل الجهاز، وأن هواتفهم تحت المراقبة بقرار من مبارك، وعندما جرى اقتحام مقار أمن الدولة، لم يكن هذا قرار الثورة، فقد استدعي الثوار كغطاء، وإن كانوا لسذاجتهم سعدوا بهذه الخطوة، وسعدوا وهم يشاهدون ضباطا من الجهاز يؤمرون بالزحف على بطونهم إمعانا في الإذلال. كانت النغمة وقتها أن الجيش هو الذي حمى الثورة، وقبل أن يعلن المشير محمد حسين طنطاوي في شهادته أمام المحكمة التي تحاكم مبارك، أنها مؤامرة خارجية!

كنت في منطقة وسط القاهرة عندما سمعت بخبر اقتحام الثوار لمقار أمن الدولة في مدينة نصر وفي السادس من أكتوبر، فذهبت للمبنى التاريخي للجهاز في "لاظوغلي"، فوجدت مجموعة من الصبية يحاولون الدخول، لكن إشارة من الحراس لهم بالانصراف كانت كافية لينصرفوا!

ولم يكن هذا النفوذ مرتبطا بقوة "العادلي"، وبضعف "طنطاوي"، فقد كان قائما في عهد وزير الدفاع القوي "محمد عبد الحليم أبو غزالة"، وقد أخبر وزير الداخلية "زكي بدر" في سنة 1988، مبارك، بأن تقارير "أمن الدولة" تفيد أن هناك مجموعة في الجيش تشكل تنظيما ضد النظام، فأمره أن يقبض على التنظيم الليلة، وعندما أخبره أن القوانين تقضي بأن هذا ليس من سلطته، أمره مبارك بأن يفعل من دون أن يضع "أبو غزالة" في الصورة.

لقد عادت دولة مبارك، لكن بحاكم مختلف، لم يعد للشرطة وأجهزتها النفوذ القديم، فالنفوذ كله للجهاز الذي كان يترأسه السيسي، والذي صنعه على عينه، وإذا كان من المستبعد تماما أن تشارك الشرطة في الثورة إذا احتدمت الأمور، فإن المخيف للسيسي أن تواجه الأمر بفتور، وهناك دعوة للاحتشاد في يوم 25 يناير، لا أحد يتوقع حجم المشاركة فيها أو تأثيرها، لكن الأنظمة دائما تأخذ بالأحوط.

ولهذا كانت زيارة "عبد الفتاح السيسي" لأكاديمية الشرطة،كسب ود، وجبر خواطر!
azouz1966@gmail.com
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع