كتاب عربي 21

السجن كأداة ثورية

1300x600
قد لا يكون للثوار مكان أكثر أهمية للتخطيط والتنظيم من السجن، فهذا المكان تحديدا هو أفضل ما يمكن أن يجود به الزمان من أجل تمكين وتشجيع الثوار في الشارع، أو بمعنى أدق التحكم فيما يدور وراء القضبان، وهذا هو المفتاح الحقيقي للحرية الشعبية. ففي المجتمع الواقع تحت الاستبداد نجد أن الواقع المرير يفرض تزايد إمكانية مرور قطاع كبير من الشعب بتجربة السجن في مرحلة ما من حياتهم. أما بالنسبة للثوار، فالشيء الوحيد الذي قد يمنع عنهم حتمية السجن هو أن يقتلوا بدلا من أن يتم اعتقالهم.

وحقيقة، نحن نتفهم السبب في فزع غالبية الناس من إمكانية الاعتقال، فالحرمان من الحرية، والانفصال عن الأسرة، وتحمل القيود القاسية التي تكبل الحركة، وطبعا ناهيكم عن التعامل الوحشي والتهديد المستمر بالتعذيب والتنكيل، كل هذا قد يفرض خوفا كبيرا عليهم.

وهذا الخوف بدوره يصيب الناس بالجبن الذي ينتهي بهم إلى أن يحولهم إلى "مخبرين" يرشدون عن زملائهم، أو قد يجعل بعضهم يهربون من بلادهم، أو قد يدفع الشباب المتحمسين للتخلي عن قضية المقاومة من أجل العدل. هذا الخوف هو أقوى سلاح تستخدمه الدولة على الإطلاق من أجل سحق الحركات الثورية، ولهذا السبب لا بد من أن نتغلب عليه.

أما مجموعات الجريمة المنظمة فقد أدركت منذ فترة طويلة أن من يتحكم في الوضع داخل السجن يحكم الشارع أيضا. ويمكننا أن نتقدم بهذا المنطق خطوة للأمام، إذا قلنا إن من يتحكم في الوضع داخل السجن يستطيع أن يسقط النظام بالكامل.

فالاعتقال الجماعي للإسلاميين والثوار من المحتمل أن يقود إلى إبطال قدرة الدولة على تخويف وتهديد وقمع الجماهير، ما سيعني في النهاية تحييد سلطة الدولة بشكل كامل.

فالسجون في حقيقة الأمر ملك للسجناء، والحراس يعملون هناك فقط. كما أن عدد السجناء أكبر بكثير جدا من الحراس، في حين أن الشرطة لا تتدخل إلا قليلا في الشأن اليومي للحياة هناك. فإذا كانت المنشأة كبيرة، كما في أغلب الحالات، فإنها تشهد احتكاكا محدودا بين السجناء أو الحراس، أو قد لا تكون هناك أية احتكاكات بالحراس على مدى أيام أو أسابيع.

هذه الديناميكية تؤدي إلى سياسة داخلية معقدة إلى حد ما داخل مجتمع السجن، فتظهر فيه طبقات من قبيل: الشللية، الزعماء، الموردون، الميسرون، الجلادون... الخ، كما نجد أيضا أشياء من قبل التكتلات والخصومات، وهناك قدر لا بأس به من التنسيق مع الناس في الخارج. أما الإسلاميون، فلأن أعدادهم كبيرة في السجون المصرية ونظرا لثوريتهم وخبرتهم، فإن لديهم فرصة مثالية للسيطرة على هذه المنظومة داخل جدران السجون.

فإذا واظبوا على التواصل والدعم العملي مع إخوانهم وأخواتهم خارج السجون، سنجد أن بإمكان الثوريين أن يصبحوا سلطة غير قابلة للإيقاف، وتتمتع بسيطرة حقيقية على الموقف داخل نظام السجون المصرية.

فعلى سبيل المثال، كل تصرفات الحراس داخل السجون من الممكن أن تجعلهم يتحملون عواقب وخيمة في حياتهم العادية خارج السجون (هذه أفضل طريقة ممكن استخدامها لمنع التعذيب وسوء المعاملة). كما يمكن التعرف على أسر المخبرين من السجناء، ويمكن الضغط عليهم من أجل ثني أقاربهم المسجونين عن خيانة زملائهم. ويمكن مكافأة الحراس المتعاونين، وهكذا.

ويمكن أيضا دعم أسر السجناء الإسلاميين ماديا، فهذا الأمر سيحدث فارقا كبيرا، ليس فقط على مستوى أحوال هؤلاء السجناء داخل السجن، ولكنه سيعمل أيضا على تعزيز نفوذهم بشكل مباشر ضمن مجتمع السجناء.

إذا كان بإمكان الإسلاميين والثوار تنظيم وممارسة نفوذهم على الأوضاع داخل السجون، فلا شك أن الإسلاميين والثوار في الشوارع سيعرفون هذا الأمر، ما سيعني أنه في حال ما إذا تم اعتقالهم فإنهم سينتقلون إلى وسط لن يتحولوا فيه منهجيا إلى ضحايا أو عاجزين، بل على العكس، سيصبح الأمر بالنسبة لهم وكأنهم ينضمون إلى إخوانهم على الجانب الآخر من الصراع الثوري، وفي هذه الحالة ستخفت وتتراجع حدة الخوف داخل السجون، ما سيجرد الدولة من أقوى أسلحتها القمعية على الإطلاق.