مقالات مختارة

حلف الممانعة والمقاومة قائدا للفوضى الخلاقة!

1300x600
كتب فيصل القاسم: قلما تستمع لبرنامج أو تتفصح موقعا إعلاميا لما يسمى حلف «الممانعة والمقاومة» إلا ويكرر أن ما يحدث في سوريا ليست ثورة، بل مجرد لعبة أمريكية لتمرير مشروع الفوضى الخلاقة لإعادة رسم خرائط «سايكس بيكو» وغيرها من مشاريع التفتيت والتقسيم. 

لا شك أننا كنا سنصدق هذه الأطروحة لو كان الخطاب الإعلامي والسياسي «الممانع» متماسكا منذ بداية اندلاع الثورات العربية. فمثلا عندما اندلعت الثورة المصرية ضد حسني مبارك سارع التلفزيون السوري فورا إلى نقل مشاهد تنحي مبارك عن السلطة على الهواء مباشرة. وقد كان العنوان الذي اختاره وقتها لمشاهد سقوط مبارك: «سقط نظام كامب ديفيد». 

وبدوره فعل الشيء نفسه الإعلامان الإيراني واللبناني «المقاوم» بين قوسين طبعا، فراحا يهللان بحرارة عز نظيرها للثورة المصرية. وقد فعل الإعلام «الممانع» الأمر ذاته من قبل مع الثورة التونسية، على اعتبار أن نظام زين العابدين بن علي «عميل». باختصار شديد، لم تكن هناك مشكلة لإيران وأذنابها مع الثورات العربية عندما اندلعت ضد أنظمة لا تواليها.

لكن ما إن اندلعت الثورة السورية حتى راح الإعلام المقاومجي يصفها فورا بأنها «مؤامرة كونية» على النظام «الممانع والمقاوم» في دمشق، مع العلم أن الكثير من السوريين ما كانوا ليثوروا لو كان لديهم نظام كنظام الرئيس المصري حسني مبارك. لقد كان النظام المصري ديمقراطيا عظيما مقارنة بالنظام السوري، الذي كانت مخابراته تتدخل حتى في شأن الفلافل وإقامة الأعراس. 

لقد كان كل من يريد أن يفتح مطعما أو حتى كشكا صغيرا لبيع الفلافل في سوريا، بحاجة للحصول على موافقات أمنية من عشرات الفروع، وعلى رأسها المخابرات الجوية. تصور أنك كنت في سوريا بحاجة لموافقة الأمن الجوي لقلي الفلافل. ما علاقة الفلافل بربكم بأمن الطائرات والصواريخ؟

والأنكى من ذلك أنه حتى بيوت الدعارة في ساحة المرجة في دمشق كانت بإشراف المخابرات الجوية. فعلا عجيب! أما الأمن السياسي فكان مسؤولا عن الأعراس والحفلات، فلا يمكن لأي شخص يريد أن يتزوج في سوريا أن يقيم حفلة أو يستدعي مطربا لإحياء الحفلة، إلا إذا حصل مسبقا على إذن من الأمن السياسي في المنطقة. بعبارة أخرى، فإن وضع الحريات في سوريا مقارنة بنظام حسني مبارك في مصر كان كارثيا بكل المقاييس. وبالتالي كان أولى بالسوريين أن يثوروا على نظامهم قبل أن يثور المصريون الذين كانوا قادرين على شتم الرئيس ليل نهار في الشوارع، دون أن يتعرض لهم أحد بسوء، بينما كان شتم الرئيس في سوريا يودي بصاحبه خلف الشمس. فلماذا اعتبر حلف «الممانعة» الثورة المصرية مباركة، بينما الثورة السورية مؤامرة وجزء من مشروع الفوضى الخلاقة الأمريكي؟

هل يعلم حلف «الممانعة» أن الذي حوّل الثورة السورية إلى مؤامرة حقيقية على سوريا والمنطقة هي الطريقة التي تعامل بها النظام وحلفاؤه مع الثورة؟ 

هم الذين جعلوها جزءا من مشروع «الفوضى الهلاكة» الأمريكي بوحشيتهم وهمجيتهم وسوء تصرفهم. 

لاحظوا الفرق بين سوريا من جهة ومصر وتونس من جهة أخرى، فاستجابة النظام لمطالب الثائرين في مصر وتونس جنّبت البلدين كارثة كان يمكن أن تحرق الحجر والبشر، لو أن مبارك وبن علي قررا مواجهة المتظاهرين بالحديد والنار. لكن تنحيهما التكتيكي، على الأقل، عمل على تجنيب الشعبين في تونس ومصر تبعات الثورة السورية. 

صحيح أن الثورتين في مصر وتونس لم تحققا مطالب الثائرين، لكن على الأقل لم يتشرد نصف الشعبين، ولم يمت الملايين بسبب همجية ومكابرة النظامين. 

على علاتهما يبدو نظامي مبارك وزين العابدين بن علي مقارنة بالنظام السوري حملين وديعين، لأنهما لم يتسببا بواحد بالمليار مما تسبب به نظام بشار الأسد للسوريين من مصائب وكوارث لم يسبق لها مثيل في القرن الواحد والعشرين، كوارث استغلها المتربصون لمشاريعهم الخاصة.

لن أختلف مع مفكرجية ومحللجية لبنان والنظام السوري وإيران بأن الثورة السورية تحولت إلى مشروع فوضى يناسب المشاريع الإسرائيلية والأمريكية التي تستهدف المنطقة. لكن هل كان المشروع الأمريكي ليتحقق بضرب استقرار المنطقة وشرذمتها وتقسيمها لو أن النظام السوري وأتباعه تعاملوا مع السوريين كما تعامل زين العابدين بن علي وحسني مبارك مع التونسيين والمصريين؟ 

هل سأل أصحاب «الممانعة» أنفسهم هذا السؤال قبل أن يصفوا الثورة السورية بأنها مؤامرة كونية وجزء من مشروع الفوضى الخلاقة؟ هل يذكرون ما قاله بشار الأسد لصحيفة «التايمز» البريطانية بعد ستة أشهر على اندلاع الثورة بأن سوريا، حسب وصفه، «تقع على فالق زلزالي خطير، ولو حركناه لاشتعلت المنطقة بأكملها». هذا ما قاله بشار حرفيا. 

من الذي زعزع استقرار المنطقة إذا ووضعها على كف عفريت بحيث أصبحت ناضجة لتنفيذ المخططات الأمريكية الشريرية؟ أليس النظام السوري وحلفاؤه؟ هل كان ليحصل ما حصل في سوريا لو حصل ما حصل في مصر وتونس؟ 

هل كانت سوريا لتشتعل وتصبح بؤرة للتطرف والإرهاب والفوضى التي تهز الدول المجاورة كلها لو أن بشار الأسد على الأقل تعامل مع السوريين كما تعامل حسني مبارك وزين العابدين بن علي مع المصريين والتونسيين؟

لم يعد هناك أدنى شك بأن بشار الأسد، كما قلنا في المقال السابق، أصبح كالشجرة التي تحجب الغابة، وبأنه أصبح مجرد غطاء لمشاريع دولية خطيرة في سوريا والمنطقة بسبب سياسته الغشيمة التي وفرت للطامعين أسباب التدخل في سوريا وتحقيق مشاريع الفوضى. 

هل كان لتلك المشاريع أن تبدأ وتنضج لولا فعلته الأولية المتمثلة بإشعال الحرب في سوريا وتحويلها إلى بؤرة للتطرف والإرهاب والفوضى؟ ألا يخدم ما فعله بشار الأسد المشاريع الامبريالية والصهيونية في المنطقة؟ 

ألا يمكن القول إن حلف الممانعة والمقاومة الذي كان أول من حذر من خطورة مشروع الفوضى الخلاقة الأمريكي، أصبح عمليا قائدا ومنفذا لمشروع الفوضى انطلاقا من سوريا؟

لا ننكر أبدا أن مئات الجهات والأطراف العربية والإقليمية والدولية أغرقت سوريا بالجماعات المقاتلة والمسلحة، وساهمت في تخريبها، لكن السؤال الأهم: هل كان لسوريا أن تصل إلى ما وصلت إليه من خراب ودمار وتشرد وبؤرة لتحقيق المشاريع الأمريكية الهدامة، لو أن النظام وحلفاءه تصرفوا مع الوضع منذ بداية الثورة بحكمة وروية على الطريقة المصرية أو التونسية؟ أم إنهم أرادوا إيصال الأمور إلى هنا؟

وكي لا يكون الكلام عموميا، ألا تعمل إيران وحليفها بشار الأسد الآن بشكل مفضوح على إعادة رسم الخارطة السورية على أساس مذهبي وطائفي وعرقي؟ ألم يتفاوضوا مع الثوار في الزبداني على نقل سكان الزبداني (السنة) إلى منطقة «الفوعة» في إدلب على أن يحل محلهم سكان الفوعة الشيعة في الزبداني؟ أليست عملية تطهير مذهبي معلنة؟ 

ماذا كانت تريد أمريكا من مشروع الفوضى الخلاقة، بحسب حلف الممانعة والمقاومة؟ أليس إعادة رسم خارطة المنطقة وتفتيتها؟ ما الذي يفعله حلف الممانعة الآن في الزبداني؟ أليس تطبيقا حرفيا لمشروع الفوضى الهلاكة؟

(عن صحيفة القدس العربي، 22 آب/ أغسطس 2015)