فيصل القاسم يكتب: لا شك أن السوريين جميعا، معارضين ومؤيدين، تواقون لإعادة تجميع التراب السوري الذي مزقته الصراعات الخارجية على أرض سوريا، ونهشته الأحقاد الداخلية بين السوريين أنفسهم، لكن ذلك الإجماع السوري على إعادة توحيد البلاد، لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يقبله القسم المعارض من السوريين، مع بقاء النظام الحالي الذي أدى الدور الأكبر في تدمير سوريا بشرا وحجرا.
لا بد وأن الكثيرين قد تساءلوا مرات ومرات: لماذا نجحت ثورات أوروبا الشرقية بسرعة البرق بأقل الخسائر البشرية والمادية، وانتقلت من معسكر إلى آخر بسلاسة وهدوء، بينما تعثرت الثورات العربية، أو عمليات التغيير في العالم العربي، لا بل كانت وبالا على بلدانها وشعوبها؟ لا شك أنه سؤال وجيه جدا ويقتحم الأذهان في كل لحظة، ونحن نرى الكوارث التي حلت على البلدان والشعوب العربية التي حاولت التغيير، أو على الأقل إصلاح أنظمتها السياسية.
غالباً ما تكون الجيوش في البلدان التي تحترم نفسها رمزاً للوطنية، إن لم نقل رمز الوطنية الأبرز، لأنها الحامي الأول والأخير للبلاد. وغالباً ما تنظر إليها الشعوب على أنها السد المنيع في وجه الأعداء وكل من يحاول النيل من الأوطان..
لا شك أن النظام يعرف والسوريين يعرفون والعرب يعرفون وحلفاء النظام يعرفون ومعارضي النظام وداعميهم في الخارج يعرفون، أن لا حل دائما في سوريا من دون توافق كامل بين كل الأطراف المتورطة في القضية السورية. وأي كلام عن حلول في غياب ذلك التوافق هو مضيعة للوقت، وفي أحسن الأحول هو ربع حل يزيد الأمور تعقيدا بدل أن يحلها.
الجرح السوري أعمق ألف مرة من أن تعالجه بتصريحات زائفة وزيارات استعراضية تحاول تضميد الألم السوري التاريخي بكل ما فيه من صديد وقيح، وتركه يتعفن لعقود قادمة.
بينما كان مئات الألوف من السوريين إما تحت الأنقاض أو مشردين، في أسوأ أحوال جوية في العراء شمال سوريا وداخل المناطق التركية التي تعرضت لواحد من أسوأ الزلازل منذ عقود، وفي استهتار صبياني معيب بمآسي وآلام وفواجع الملايين، واستخفاف لا يليق بفداحة الموقف وخسارة أرواح ملايين الناس، أطل ما يسمى بـ«الرئيس السوري» عبر مجلس وزرائه الصوري الهزلي، وليس بالتوجه مباشرة للشعب الذي يأنف من التحدث والكلام له كعادته وعادة أبيه الديكتاتور المستبد، ولأول مرة منذ أشهر وهو يبتسم بشكل لافت، ودون أدنى مبالاة، وذلك في أثناء ترؤسه لاجتماع ما تسمى بالحكومة.
وللعلم، فإنه حتى القوة الأمريكية الناعمة القائمة على السينما والفن والإعلام والثقافة بكل أشكالها الفنية والشعبية بما فيها الأكل والشرب والأزياء، لم تكن لتصمد وتتمدد لولا ذراع القوة الأمريكية الخشنة، ولا ننسى مقولة ابن خلدون الشهيرة بأن المغلوب دائما يقلد الغالب، ولولا أن أمريكا غالبة عسكريا في كل أصقاع العالم، لما وصلت ثقافتها وقوتها الناعمة أبعد من الحدود الأمريكية. لهذا، نهيب بأي بلد عربي يحاول أن يبني قوة ناعمة، أن يعمل في الآن ذاته على صناعة القوة الصلبة كدرع واق للقوة الناعمة وألا يعتمد على القوة الخشنة لأي جهة خارجية، فطالما أنك لا تمتلك الذراع العسكري القوي، فستظل أنت وقوتك الناعمة مهما بلغت من الشأو، ستظل تحت رحمة الخارج. وحتى الحماية الأمريكية صارت باهظة الثمن وتقوم على الابتزاز والإذلال، ولم تعد ناجعة حتى في حماية منابع النفط في المنطقة. ولو نظرنا اليوم إلى القوى الناعمة العملاقة في العالم كألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية في ظل موازين القوى المضطربة والمتزعزعة اليوم، لوجدنا كيف أن القوى الناعمة مهما انتشرت وهيمنت وسيطرت، تظل في مهب الرياح عند أول تهديد عسكري. لهذا بادرت ألمانيا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا فورا إلى تخصيص أكثر من مائة مليار يورو للتسليح وبناء القوة العسكرية، بعد عقود من الاعتماد على القوة الأمريكية للحماية. وحتى اليابان وكوريا الجنوبية لا محل لهما من الإعراب في عالم اليوم إذا لم تبادرا إلى بناء القوة الخشنة، للحفاظ على القوة الناعمة العظيمة التي بنتاها على مدى عقود. وقد وصل الأمر بالصين قبل أيام إلى تهديد اليابان بالقول؛ إن اليابان إذا لم تلتزم حدودها وتجلس ساكتة، فإنه سيحدث لها ما حدث لأوكرانيا. لاحظوا هذا الاستخفاف الصيني بقوة اليابان الناعمة. لماذا؟ لأن اليابان عملاق اقتصادي، لكنها قزم عسكري مثل كوريا الجنوبية وألمانيا. كل اختراعات ومنتجات اليابان وكوريا الجنوبية وقوتهما الناعمة الجبارة، لم تشفع لهما عندما تتحرك القوة الخشنة. نعم أوروبا متقدمة أكثر من روسيا، لكنها تجد نفسها الآن أمام الجبروت الروسي في مهب الريح.
هناك ظاهرة مرعبة بكل المقاييس لا ينتبه لها الناس بالشكل المطلوب، ولم يعطها الإعلام التغطية الكافية للتحذير من عواقبها الرهيبة التي بدأت تظهر شيئاً فشيئا في العديد من بلدان العالم، وخاصة العالم العربي والعالم الثالث عموما. إنها ظاهرة التضخم غير المسبوق تاريخيا حتى في الدول الغربية الغنية. رواتب ثابتة ومحدودة وأسعار تحلق في أعالي السماء ولا تقف عند حد.
ملوك الكوميديا والإضحاك اليوم هم أولئك الساسة الفاشلون الذين يشبهون دونكيشوت، ويمارسون أعلى أشكال التهريج السياسي والكوميديا الاستراتيجية لتبرير فشل وانهيار وإفلاس أنظمتهم واهترائها
ليس صحيحا مثلا أن ارتفاع نسبة التضخم في العالم الغربي سببها الغزو الروسي لأوكرانيا فقط، وما نتج عنه من ارتفاع أسعار الطاقة، وشح بعض السلع الاستهلاكية كالقمح والذرة والزيت، فهناك عوامل أخرى واضحة للعيان وعوامل أخرى لا نعرفها، والبعض يعزوها إلى مؤامرة تديرها أياد خفية في مكان ما من العالم.
نجوم السوشال ميديا الذين باتوا ينافسون فعلا المؤسسات الإعلامية نفسها، خاصة أن الجيل الصاعد أصبح يعتمد اعتمادا شبه كامل على الموبايلات، وليس على وسائل الإعلام التقليدية كالتلفزيون والصحافة والراديو
ليس هناك أدنى شك أن الغزو الروسي لأوكرانيا واندلاع الصراع من جديد بين روسيا والغرب، أزال الكثير من الغشاوة عن عيون الكثيرين، بمن فيهم المحللون والسياسيون والإعلاميون الذين كانوا حتى وقت قريب يرون الأمور بمنظار آخر فيما يخص دهاء أمريكا والغرب، وتحكمه بمفاتيح السياسة الدولية ومفاصلها.
أعلنت الحكومة البريطانية أن نسبة التضخم قد قاربت العشرة بالمائة، وهي نسبة مرعبة بكل المقاييس في تاريخ بريطانيا الحديث، وقد بدأت تترك آثارها الرهيبة على مستوى المعيشة والحياة الاجتماعية في البلاد
جاء ما أطلق عليه بـ«العفو العام» الذي أصدره رأس النظام السوري عن السوريين المتهمين بقضايا الإرهاب، بعد مرور أيام فقط على مجزرة التضامن التي نفذها الطائفي الفاشي المسعور أمجد يوسف، ضابط الأمن النموذجي في المخابرات السورية.