في أواخر 2013 عاد شابان تونسيان من معسكر للجهاديين في
ليبيا وخططا لتفجير نفسيهما وسط سائحين أجانب.
حاولا فكان مصيرهما الفشل الذريع إذ لم تنفجر قنبلة بسبب عطل بينما لم تقتل الأخرى سوى المهاجم على رمال منتجع سوسة
التونسي.
وبعد ذلك بعامين نجح ثلاثة آخرون من الجهاديين التونسيين الذين تلقوا تدريبا في ليبيا في تنفيذ هجومين فصلت بينهما بضعة أشهر في سوسة والعاصمة تونس، فقتلوا 60 شخصا جلهم من السائحين في هجومين هما الأكثر دموية في تاريخ البلاد.
وبعد أن حظيت تونس بالإشادة باعتبارها صاحبة التجربة الوحيدة الناجحة بين الدول التي شهدت موجة انتفاضات "الربيع العربي" تجد الآن نفسها وديمقراطيتها الوليدة تحت حصار توسع الجهاديين في شمال أفريقيا، حيث يعيد مسلحون داخل تونس تدربوا في ليبيا تصدير فكرهم العنيف إلى الوطن.
ولم تبد على سيف الرزقي المسلح الذي قتل 38 شخصا في هجوم بفندق في سوسة الشهر الماضي ولا على الاثنين اللذين نفذا الهجوم على متحف باردو في تونس فقتلا 22 شخصا في آذار/ مارس الماضي أي أمارات على اتجاههم للتشدد.
ولم تكن لدى السلطات معرفة بصلاتهم بجهاديين إلى أن نفذوا هجوميهم.
وما زال الغموض يحيط بإعلان المسؤولية عن الهجومين خاصة بعدما قتلت الشرطة المسلحين الثلاثة. ولم تتأكد قط تقارير أشارت لفرار مسلح آخر من مسرح عملية متحف باردو.
لكن الواضح هو التهديد الذي يحدق بتونس من ملاذ الجهاديين على الجانب الآخر من الحدود في ليبيا المضطربة والخلايا النائمة ومسؤولي تجنيد المتطرفين بالداخل.
يقول المسؤول في خلية الأزمة والاتصال في هجوم سوسة، كمال الجندوبي: "إنها حرب ضد تونس.. ليست حربا ضد السياحة أو الاقتصاد فقط بل هي حرب ضد
الديمقراطية في تونس".
وقال الرئيس الباجي قائد السبسي إن قوات الأمن فوجئت وفي الأسبوع الماضي فرض حالة الطوارئ. ويعد شركاء أوروبيون تونس بمساعدتها في التدريب وتأمين الحدود وتبادل المعلومات مع القوات المسلحة التونسية.
لكن تحقيق توازن بين الإجراءات الأمنية المشددة والحريات التي حصل عليها أبناء تونس حديثا قد يكون له ثمن وينتاب القلق دعاة حقوق الإنسان من أن تكون الحملات الأمنية مقدمة لقمع ربما يؤدي لانضمام المزيد من العناصر إلى صفوف الجهاديين في بلد يشعر قطاع كبير من شبابه بالغربة.
ووجه قتل السائحين ضربة متعمدة لقلب الاقتصاد التونسي في توقيت حرج.
فمنذ انتفاضة 2011 التي جعلت زين العابدين بن علي أول زعيم عربي يطاح به من الحكم في موجة الانتفاضات بالمنطقة في ذلك العام تفادت تونس سفك الدماء والحرب الأهلية التي طالت غيرها من الدول العربية.
لكنها شهدت اضطرابا سياسيا تخللته توترات من حين لآخر بين أحزاب علمانية وأخرى إسلامية وبدأت لتوها في تعزيز مكاسبها الديمقراطية ونموها الاقتصادي.
وبفضل الحريات التي حصل عليها التونسيون بعد سقوط بن علي أصبح للسلفيين و"الإسلاميين المتطرفين" صوت في أكثر دول العالم العربي تمسكا بالعلمانية. تحول البعض إلى العنف واتجهوا للعمل السري.
وظهرت علامات واضحة على صعود التشدد منذ فترة. ويقول مسؤولون حكوميون إن أكثر من ثلاثة آلاف تونسي يقاتلون الآن في سوريا والعراق كما أن عدد المقاتلين من تونس في ليبيا مع المجموعات الإسلامية المتشددة في ازدياد. وتوعد بعض المقاتلين بالعودة الى بلادهم وشن هجمات.
وقال السبسي في كلمة بثها التلفزيون هذا الأسبوع لإعلان حالة الطوارئ "الإرهابيون نزلوا لأول مرة للمدن في هجوم باردو.. كنا نعتقد أنها المرة الأولى والأخيرة ولكن هجوم سوسة كان كارثة كبرى".
وأضاف: "لو تحصل هجمات مثلما حصل في تونس فإني أقولها بوضوح إن الدولة ستنهار."
ويقول مسؤولون تونسيون ومصادر أجنبية إن المهاجمين في باردو وسوسة تدربوا في الوقت ذاته في معسكر جهاديين في ليبيا، قريب من صبراتة وهي بلدة على مسافة غير بعيدة عن الحدود مع تونس في منطقة تشيع فيها ممارسات التهريب.
ويحاصر ليبيا صراع بين فصائل متناحرة وحكومتين متنافستين مما يدفعها نحو مزيد من الفوضى. وفي ظل الفراغ الأمني يتمدد مؤيدو
تنظيم الدولة ومجموعات مسلحة أخرى.
وقال مصدر أمني تونسي: "ليبيا هي مشكلتنا.. إذا استقرت الأوضاع الأمنية في ليبيا وتوصلوا إلى حل سياسي وحكومة واحدة وجيش واحد قوي فتونس ستكون آمنة.. كل الهجمات الآن يتم الإعداد لها في ليبيا".
وحتى قبل مهاجمة متحف باردو تردد أن العديد من كبار القادة الجهاديين بشمال أفريقيا موجودون في ليبيا وبينهم الجزائري مختار بلمختار العضو القديم في تنظيم القاعدة الذي خطط لاحتجاز رهائن في حقل عين أميناس للغاز في الجزائر وهي العملية التي قتل فيها 67 شخصا على الأقل.
ويقول مسؤولون أمريكيون إن بلمختار ومؤسس وزعيم جماعة أنصار الشريعة في تونس أبو عياض ربما قتلا في غارة جوية في حزيران/ يونيو على اجتماع للجهاديين قرب بنغازي. وتنفي جماعات ذلك ولم يتأكد مقتل أي منهما.
ويقول مسؤولون تونسيون إن أعضاء بارزين في مجموعة أبو عياض انتقلوا من تونس للعيش في ليبيا وبالأخص في صبراتة.
وتحمل السلطات التونسية مجموعة أبو عياض المسؤولية عن هجوم سوسة وتتهم جماعة محلية أخرى لها صلات بالخارج بالمسؤولية عن هجوم متحف باردو. هذه الجماعة هي كتيبة عقبة بن نافع المرتبطة بتنظيم القاعدة والتي خاضت معارك محدودة ضد قوات الأمن التونسية على الحدود الجزائرية.
ومع صعود تنظيم الدولة الذي أعلن قيام خلافة في سوريا والعراق العام الماضي أصبح تعقب ولاءات الجماعات المتشددة أكثر صعوبة.
وتبنت الدولة كلا من هجومي باردو وسوسة وإن كان مصدر أمريكي مطلع على التحقيقات يقول إنه لم تظهر أي أدلة تثبت أن المهاجمين تحركوا بناء على توجيه من القيادة المركزية لتنظيم الدولة.
وقال جيف بورتر الخبير بشؤون شمال أفريقيا بمركز وست بوينت لمكافحة الإرهاب: "المشهد الجهادي في ليبيا وتونس مائع للغاية".
وأضاف أن "ما يحدد انضمام شخص لهذه المجموعة أو تلك ليس موالاته لقيادة الدولة الإسلامية أو القاعدة بل احتمالات أن يتمكن من التدريب من أجل الجهاد وتنفيذ هجمات".
وانشق أحد أهم المسؤولين عن تجنيد الأفراد لجماعة أنصار الشريعة وهو أحمد الرويسي ليبايع الدولة الإسلامية في مطلع هذا العام. وتقول مصادر تونسية إنه أشرف على التدريب والتجنيد في ليبيا وقتل قبل أيام قليلة من عملية باردو في مدينة سرت التي أصبحت الآن معقلا لتنظيم الدولة.
ويقاتل متشددون تونسيون تحت راية الدولة في بنغازي وسرت. ويقول سكان محليون إن أحد هؤلاء التونسيين كان قائدا بارزا بالتنظيم في درنة التي كانت معقلا لتنظيم الدولة في ليبيا قبل أن يجبره مقاتلون إسلاميون منافسون على الانسحاب منها.