كتاب عربي 21

إلى متى تنجح خطة الإلهاء؟

1300x600
طالما بدأ الإعلام يتحدث عن المؤامرات التي تستهدف عرقلة الرئيس وإسقاط الدولة فنحن أمام مرحلة جديدة يتهربون فيها من مواجهة الناس باختلاق معارك مع طواحين الهواء.

راقب أداء إعلام النظام خلال الأسبوعين الأخيرين لتدرك حقيقة ما يجري، حديث طويل ومتكرر عن المؤامرات التي يدبرها المرشح الرئاسي الخاسر أحمد شفيق بالتعاون مع جمال مبارك وسامي عنان وأحمد عز للإطاحة بالسيسي، ساعات بث كثيرة وعشرات المقالات عن حركة وليدة اسمها "البداية" يقولون إنها مدعومة من جهات خارجية وداخلية لإسقاط الرئيس، بكاء على الهواء خوفا من سقوط النظام جراء هذه المؤامرات وسقوط البلاد في الفوضى ومطالبات دائمة بالوقوف إلى جانبه وتحمل كل المصاعب الاقتصادية من أجل المشروع الوطني الذي يمثله السيسي.

تصعيد هذه اللهجة والتأكيد عليها يؤكد أن النظام في ورطة حقيقية، فبعد أسابيع قليلة سيضع الموازنة الجديدة للدولة والمؤشرات تقول إن المؤتمر الاقتصادي لم يسفر عن شيء وإن المعونات الخليجية لم تصل، أضف إلى ذلك الأزمات المستمرة منذ 2011 مثل استمرار توقف عوائد السياحة وضعف الاستثمارات الأجنبية، ومن ثم ستكون الموازنة الجديدة كارثية بكل المقاييس لا سيما على الفقراء الذين يراهم النظام الحالي الحلقة الأضعف التي يمكن الجور عليها مقابل تسكينها ببعض الشعارات الوطنية وأحاديث المؤامرات.

الأزمة أن هذا الاستعطاف وهذه المسكنة في طلب الدعم الشعبي تنزع عن السيسي المؤهل الوحيد الذي جاء به إلى كرسي السلطة، وهو القوة والقدرة على مواجهة كل المؤامرات، وحماية الشعب من الأعداء، لأنه وقبل أن يتم عاما واحدا في منصبه أصبح يطلب من الشعب أن يحميه!

***

الإلهاء لن ينجح إلى الأبد في الإبقاء على نظام فشل في إدارة البلاد لأنه ببساطة يخشى مواجهة أزماته الحقيقية، هناك أزمة يعانيها السيسي منذ وصوله إلى السلطة تتعلق بالتعامل مع الأغنياء ورجال الأعمال الذين وصل إلى الرئاسة بمساعدة فضائياتهم وصحفهم وأموالهم، فحتى الآن لم يتخذ الرئيس إجراء واحدا موجها ضد الأغنياء بخلاف مناشدتهم التبرع لصندوق تحيا مصر، وحتى عندما تم فرض الضريبة الرأسمالية تلاعب رجال الأعمال بالبورصة حتى وصلت إلى أدنى مستوياتها فرفعت الدولة الراية البيضاء وقررت تأجيلها.

في المقابل تؤكد المصادر أن ارتفاعات جديدة في الأسعار ستطرأ خلال أسابيع إضافة إلى زيادة فواتير الكهرباء والغاز مجددا وإخراج شرائح أخرى من الدعم، وهي إجراءات موجهة كلها ضد محدودي الدخل، ولذلك ظهر خطاب المؤامرات في هذا التوقيت لحملهم على الصبر.

الجديد أن المؤامرات هذه المرة خارجة عن عباءة الإخوان التي يبدو أن النظام شعر بأن الناس قد بدأوا يملونها، فاستحدثت خصوما كانوا حلفاء قبل 30 يونيو مثل أحمد شفيق ورجاله، وخصوما آخرين كانوا حلفاء حتى فيما بعد 30 يونيو مثل حمدين صباحي والبرادعي، إضافة للخصوم الدائمين مثل 6 أبريل وشباب الثورة.

هذه مخاطرة حقيقية لأنها تضع الناس في اختبار ولاءات، فمن كان يحب السيسي وشفيق معا عليه الآن أن يختار بينهما، ومن كان يفترض أن حمدين صباحي ليس خصما للدولة عليه الآن أن يراجع حساباته، ومن كان يثق في قدرة نظام السيسي على محاربة خصومة أصبح الآن متشككا في قدرته على إدارة حلفائه، لكن يبدو أن المنعطف الخطير الذي يمر به النظام يجعله يتجاوز عن هذه المخاطرة.

***

أصبحت واثقا أن للمصريين خروجا قريبا، لا للمطالبة بالإفراج المعتقلين أو الحريات أو الانتخابات الرئاسية المبكرة، لكن للمطالبة بالعيش ومعاقبة من يحول بينهم وبينه، والمشكلة أن سلمية هذا الخروج لن تكون مضمونة.

المخرج الوحيد من هذا الوضع أن يدرك القائمون على الحكم حجم الخطر الذي يهدد السلام الاجتماعي لهذا الوطن، وليس مقاعدهم فحسب، من جراء سياساتهم الفاسدة، وأن يعلموا أن الإلهاء بالمؤامرات الكونية التي تحاك ضد النظام قد ينفع لبعض الوقت لكنه لن ينفع إلى الأبد.

أن تبدأ عملية إصلاحات اقتصادية حقيقية لا تستهدف الفقراء وحدهم وتتجرأ أكثر في مواجهة رجال الأعمال وفضائياتهم، وأن تبدأ بالتوازي معها عملية سياسية حقيقية تتجاوز فكرة الحشد الشوفوني إلى البحث عن شركاء قادرين على إدارة الوطن، وأن ينسى السيسي مشروعه القائم على الرجل الواحد.

مالم يحدث ذلك، فالطوفان قادم.