كتاب عربي 21

حزب الله بين تعاظم الدور الاقليمي ومحدودية الدور الداخلي

1300x600
يخوض حزب الله في هذه المرحلة سلسلة معارك كبرى على الصعيد الإقليمي، فالحزب يشارك في القتال في سوريا إلى جانب النظام وبدعم إيراني وقوى أخرى، وتشكل المعارك في منطقة القلمون إحدى أبرز المعارك التي يخوضها مقاتلو الحزب بشكل مباشر دفاعا عن مشروعه السياسي وعن المحور الذي ينتمي اليه، ولدى الحزب الكثير من المبررات التي يطلقها دفاعا عن دوره في القتال في سوريا بغض النظر عما إذا كانت هذه المبررات مقنعة للبعض أو غير مقنعة.

وبموازاة ذلك يشن الحزب حربا سياسية وإعلامية وشعبية ضد السعودية بسبب الحرب على اليمن، واستخدم الحزب ولأول مرة منذ تأسيسه كل ما لديه من قدرات فكرية وعقائدية وسياسية ومفاهيمية وإعلامية في هذه الحرب تحت عنوان: "الدفاع عن مظلومية الشعب اليمني في مواجهة العدوان السعودي"، كما تشير بعض مصادر المعلومات إلى وجود علاقة ميدانية وعملانية بين الحزب وحركة أنصار الله (الحوثيين)، وقد ساهم الحزب في دعم هذه الحركة في معركتها الحالية، والحزب يستعيد بذلك دور بعض القوى اليسارية والقومية والناصرية التي شاركت تاريخيا في معارك خارج لبنان في ظفار ضد سلطنة عمان وفي اليمن في إطار الصراعات التي شهدها هذا البلد في ستينات القرن الماضي.
كما يشارك الحزب في معارك أخرى وبأشكال مختلفة في العراق وفي الصراع مع العدو الصهيوني عبر العلاقة المميزة مع قوى المقاومة الفلسطينية وهو لا يزال يعتبر أن المعركة مع العدو الصهيوني هي الأساس وأن كل معاركه الأخرى في المنطقة مرتبطة بالدفاع عن مشروع المقاومة، وأن استعداداته مستمرة لمواجهة الجيش الاسرائيلي في أية معركة قد تحصل مستقبلا وأنه نجح في السنوات الأخيرة في زيادة قدراته العسكرية والأمنية واللوجيستية واكتسب مقاتلوه مهارات قتالية جديدة.

اذن، تحول الحزب إلى قوة إقليمية – دولية وأصبح جزءا من محور إقليمي – دولي كما يؤكد قياديوه ومسؤولوه وعلى رأسهم الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، وبذلك يتجاوز الحزب كل مفاهيم السيادة اللبنانية ومنطق الدولة والمؤسسات الدستورية وأصبح قادرا على لعب أدوار عابرة للحدود وللدولة دون أن يواجه اعتراضات أساسية وفاعلة لبنانية داخلية، وهو في الوقت نفسه يشارك في البرلمان اللبناني وفي الحكومة اللبنانية ويخوض حوارا مع تيار المستقبل رغم الخلافات العميقة بين الحزب والتيار حول معظم القضايا الدولية والإقليمية.

وفي هذه اللحظة بالذات يوافق الحزب على تدعيم الخطط الأمنية في ضاحية بيروت الجنوبية وفي مناطق لبنانية أخرى يتمتع فيها بحضور سياسي وشعبي وأمني وحتى عسكري، وتدخل القوى الأمنية والعسكرية اللبنانية بإشراف وزير الداخلية نهاد المشنوق وهو من تيار المستقبل إلى كل هذه المناطق بترحيب ودعم من حزب الله وجمهور هذه المناطق وذلك لضمان الأمن ومواجهة تجار المخدرات والمخالفين للقوانين وأصحاب السوابق الجرمية والمهربين والسارقين والمجرمين.

هذه الصورة المفارقة بين دور إقليمي متعاظم للحزب على مستوى المنطقة وبين حاجة الحزب إلى دعم الخطة الأمنية التي تنفذها الدولة اللبنانية في المناطق التي يسيطر عليها، تطرح سؤالا أساسيا وجوهريا: "كيف يوفق الحزب بين المنطقين؟"، أي بين مناطق تجاوز الدولة في لحظة ما وبين منطق الحاجة للدولة ودعم دورها الأمني والعسكري؟

واستطرادا لهذا السؤال: كيف ستستطيع الدولة اللبنانية مستقبلا استيعاب الحزب ودوره المتعاظم خارجيا عندما يقرر الحزب العودة إلى سياق الدولة اللبنانية ومؤسساتها وماهي الآلية التي ستعتمد في ذلك خصوصا أنه حتى الآن لم يتم الاتفاق على الاستراتيجية الدفاعية لتنظيم دور الحزب في العمل المقاوم في مواجهة العدو الصهيوني.

إذن، نحن أمام مفارقات عديدة تتطلب بحثا ونقاشا فكريا وسياسيا وعمليا، فهل هناك حلول جاهزة لهذه المعضلات المتزايدة؟ أم أن المفاوضات والتسويات الإقليمية والدولية الجارية بين جنيف ولوزان وكامب دايفيد وعواصم أخرى هي التي ستعيد الحزب إلى موقعه الداخلي المنسجم مع منطق الدولة اللبنانية كما حصل عام 1992عندما التزم باتفاق الطائف وشارك في الانتخابات اللبنانية وبدأ بالانخراط في مؤسسات الدولة اللبنانية؟.