ثمة ثلاثة مواقف سياسية يمنية صدرت إزاء خروج الرئيس عبدربه منصور هادي، من منزله المحاصر بصنعاء، ووصوله إلى عدن (جنوبا) قبل يومين، قد تحدد الخارطة السياسية لهذا البلد، الذي كان حبيسً اللفراغ السياسي منذ ما يقرب الشهر.
وفي حين بادرت أحزاب "اللقاء المشترك" إلى مباركة عودة هادي لممارسة مهامه من عدن، فقد ذهبت جماعة الحوثي إلى القول بأن الرجل "لم يعد رئيسًا شرعيًا لليمن". وذهب "المؤتمر الشعبي العام" حزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح، إلى دعوته لـ"احترام استقالته حتى يبت البرلمان فيها".
وكان الرئيس
اليمني، وصل إلى محافظة عدن، أمس الأول السبت، بعد تمكنه من مغادرة منزله بصنعاء، وكسر حالة الحصار المفروضة عليه من قبل الحوثيين منذ استقالته في 22 كانون الأول/ يناير الماضي، التي تمت تحت وطأة اجتياح مسلح للحوثيين، مقار رئاسية داخل العاصمة. لكن البرلمان الذي وجه له خطاب الاستقالة باعتباره السلطة الدستورية الأولى في البلاد، لم يلتئم حتى اليوم، ولم يبت في أمر هذه الاستقالة، وجعل من الرئيس رهينة في منزله تحت إقامة جبرية، قبل أن تشرع جماعة الحوثي لاحقًا في إجراءات أحادية ضمن ما سمي "إعلانا دستوريا" قضى بحل البرلمان، ومنح اللجنة الثورية التابعة لها صلاحيات تشكيل مجلس رئاسي لحكم البلاد.
وفي بيان أصدره هادي، من عدن، أمس الأحد، وذيله بتوقيعه "رئيس الجمهورية"، أعلن فيه "تمسكه بشرعيته رئيساً للبلاد، واستكمال العملية السياسية المستمدة من المبادرة الخليجية" (التي وُقعت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، وانتخب بموجبها في 21 شباط/ فبراير 2012 رئيسا توافقيا).
هادي أكد في البيان الذي وصفه مراقبون بـ"الرصاصة التي استقرت في جمجمة الانقلاب"، أن كل القرارات الصادرة منذ 21 أيلول/ سبتمبر الماضي (تاريخ سيطرة جماعة الحوثي على صنعاء) باطلة ولا شرعية لها"، وذلك في خطوة وُصفت بأنها "تأكيد" من الرئيس على أن "استقالته التي تمت تحت الإكراه وكأنها لم تكن".
البيان تجاهل الإشارة لاتفاق "السلم والشراكة" الذي فرضه
الحوثيون في 21 أيلول/ سبتمبر الماضي، والذي كان يُشار إليه كأحد المراجع الناظمة للعملية السياسية إلى جانب المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني.
المحامي وأمين عام التنظيم الوحدوي الناصري (أحد الأحزاب الرئيسة في اللقاء المشترك)، عبد الله نعمان القدسي، رأى أن "استقالة الرئيس تمت تحت الإكراه، ولذلك تُعد منعدمة قانونياً، نظراً لتراجعه عنها بعدما استعاد حريته، فضلاً عن أن البرلمان لم يكن قد بتّ في هذه الاستقالة خلال الفترة الماضية، وبالتالي فإن هادي لا يزال هو الرئيس الشرعي للبلاد".
واعتبر القدسي أن "الشرعية في البلاد هي شرعية توافقية بموجب الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية الموقع عليها في الرياض في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2011، وكل ما نتج عنها من انتخاب شرعي للرئيس هادي، إلى جانب مخرجات الحوار الوطني".
وتلك الشرعية بحسب القدسي "هي محل إجماع اليمنيين، كما أنها محل إجماع كل القرارات الدولية ذات الصلة في مجلس الأمن، ومجلس التعاون الخليجي التي تؤكد جميعها على دعم العملية السياسية الانتقالية بموجب تلك المبادرة".
وأمس الأحد، اعتبرت الكتلة البرلمانية الجنوبية في اليمن، وصول هادي إلى عدن "بمثابة إلغاء للاستقالة التي قدمها تحت ضغط جماعة الحوثي"، داعية الرئيس إلى "ممارسة مهامه بشكل اعتيادي".
أما القيادي في جماعة الحوثي، عبد الملك العجري، فرأى من جانبه، أن هادي "لم يعد رئيسا شرعيا" لعدة مسببات، هي: "الاستقالة، وأن فترة ولاية رئيس الجمهورية بحسب المبادرة الخليجية كانت محددة لسنتين وقد انتهت في 21 شباط/ فبراير 2014، ولم تمدد إلا لعام واحد عبر الحوار الوطني، الذي انتهى هو أيضاً في الـ21 من الشهر نفسه".
وقال إن "الشرعية الآن هي شرعية ثورية بموجب الإعلان الذي أعلنته جماعة الحوثي في كانون الثاني/ يناير الماضي (الإعلان الدستوري)، وليست شرعية الدستور أو حتى المبادرة الخليجية" التي يرى أنها قد سقطت بفعل ما يقول إنها "ثورة في الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2014".
إلا أن عبده الجندي، الناطق باسم "المؤتمر الشعبي العام" (حزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح)، دعا اليمنيين لـ"للعودة إلى الشرعية الدستورية ممثلة في مؤسسة البرلمان، للبت في استقالة هادي بموجب الدستور، وبعيدا عن شرعية المبادرة الخليجية أو شرعية الثورة التي يدعيها الحوثي".
ما تحدث به كل من القدسي والعجري والجندي، يعكس سقف تلك الأطراف في التفاوض، للخروج من الأزمة الراهنة، بحسب المحلل السياسي محمد الصبري الذي رأى أن "ما لا يمكن تجاوزه هو أن هادي بات حراً طليقاً، ويمارس مهامه كرئيس من عدن، وهو بذلك يقوي وجهة النظر الداعمة لشرعية التوافق والعملية السياسية الانتقالية بموجب المبادرة الخليجية المدعومة من معظم الأطراف السياسية المحلية والإقليمية، والدولية".
وبحسب الصبري، فإما أن تختار جماعة الحوثي وصالح، العودة للتفاوض تحت شرعية الرئيس هادي والعملية السياسية الانتقالية المدعومة إقليمياً ودولياً، أو الحرب واجتياح الجنوب، على ما يتضمنه الخيار الأخير من مخاطر والذي قد يكون فاتحة الحروب الأهلية في البلاد.
ويرى الصبري، أنه لا يمكن التكهن بأي من الخيارين السابقين سيفضلهما تحالف الحوثي وصالح، إلا أن الخيار الذي سيقدمان عليه هو ما سيحدد مستقبل اليمن، فإما العودة إلى العملية السياسية التوافقية، أو الفوضى والحرب الأهلية.