أكثر الانقلابيين تفاؤلاً، لا يرتجي خيراً من برلمان الانقلاب القادم، الذي لن يكون أفضل حالاً من برلمان خالد الذكر "أحمد عز"، في سنة 2010!.
بيد أن البعض "تحزم ورقص عشرة بلدي"، باعتبار أن انتخاب
البرلمان، وبعيداً عما ستفرزه صناديق الانقلاب، يعني أن "خارطة المستقبل" التي وضعها عبد الفتاح
السيسي تسير للأمام، حتى وإن كان الأمام، كأمام الأخ العقيد معمر القذافي، قبل ركوبه "التوك توك"، واختفائه، ليظهر متوسلاً لقاتليه، وهو يهتف: "أنا معمر يا ولاد"، ومن الواضح أن الرجل كان يظن، ما يظنه أي ديكتاتور، بأنه شخصية محبوبة، وأنه بمجرد أن يتم التعرف عليه، وأنه "معمر يا ولاد" سيحمل فوق الأعناق ليكون الهتاف: بالروح بالدم نفديك يا زعيم!.
ومعروف أنه قبل أن يستقل القذافي "التوك توك"، كان قد نادى أنصاره، "إلى الأمام.. الى الأمام"!.
فهل يعني تشكيل الانقلاب للبرلمان، أن الأمور تسير في اتجاه الاستقرار؟!
غني عن البيان، أنه بعد أن كانت لجنة الخمسين قد انتهت من وضع مشروع الدستور، بما ينص على أن يكون البدء بالانتخابات البرلمانية، فإن العسكر قاموا من وراء ظهر لجنة الخمسين بتعديل هذا النص، بما مفاده أن يكون الأمر اختيارياً فلتكن البرلمانية أولاً، أو الرئاسية أولاً، وتم البدء بالأخيرة. لكن نفس النص حدد أن الانتخابات التالية ينبغي أن تبدأ إجراءاتها خلال ستة شهور، وقد انتهت هذه الشهور الستة في 18 يوليو الماضي!.
اللافت أن تصريحات حكومية متواترة كانت تؤكد على أن الانتخابات ستكون في موعدها، ليطرح هذا السؤال نفسه: ومتى موعدها؟، فلا تجد رداً، ونكون في حكم من قال في السابق: "أنده ويرد الصدى.. أنا وحبيبي أنا"!.
في الواقع أن السيسي نفسه كان يريد أن يؤجل الانتخابات البرلمانية، لينفرد هو بالسلطة التشريعية، حتى وإن كان المقرر هو برلمان من نوعية برلمانات مبارك: الموافق يتفضل برفض يده.. وقبل أن يرفع رئيس البرلمان عينيه من على الأوراق يهتف: "موافقة"!.. وزاد من هلعه ما نقل إليه من أن نجيب ساويرس يهدف للسيطرة على البرلمان القادم، ورصد أموالا طائلة كدعاية لمرشحي حزبه، سواء على المقعد الفردي، أو على القوائم.
جماعة الانقلاب تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، فهم يد على من سواهم، ولكن عند توزيع المغانم، فلكل مصالحه التي يريد الحفاظ عليها، وفي التفاصيل هناك اختلاف بين كافة مكونات الانقلاب، وقد عبر أحد رجال الأعمال عقب اللقاء الذي جمع بينهم وبين السيسي بعد إعلان الجنرال ترشحه، عن خيبة الأمل بقوله: "هذه مشكلة من يأتي بمقاول ليكون رئيس دولة"، عندما قال "المرشح رئيساً"، إن كل المشروعات الحكومية للجيش، وما يفيض منه للإمارات، وما يفيض منهما فلكم!.
بيد أن المشكلة أنتجها انعقاد المؤتمر الاقتصادي المقرر أن يكون في مارس، ولكي يؤكدوا للعالم أن
مصر مستقرة، بما يجعلها أهلاً لقبول استثمارات الجميع، أن تمضي "خارطة المستقبل" قدماً ولمرحلتها الأخيرة بانتخاب البرلمان، فجاء قرار اللجنة العليا للانتخابات مرتبكاً، حيث حددت موعد إجراء الانتخابات، قبل أن تحدد نقطة البداية، التي تتمثل في موعد فتح باب الترشيح، وقد فتحته بعد أكثر من شهر من إعلان الخطوة الأخيرة!.
لكن ليس مؤكداً الآن أن المؤتمر سينعقد، وإذا عقد فاحتمالات فشله أكبر من احتمالات نجاحه، والوضع غير المستقر في مصر، أكبر من أن يتم ستره بطرف الثياب بألاعيب الحواة وبتحديد موعد الانتخابات البرلمانية، والانتهاء من الخطوة الأخير من خارطة المستقبل التي وضعها الجيش وأعلنها في "تموز الأسود".
هناك دعاوى قضائية مرفوعة أمام القضاء، قيل إنها تجاوزت الأربعين دعوى، يمكن أن تستغل إحداها في تأجيل الانتخابات، إلى أجل غير معلوم، وما سيعلن أننا نزلنا على حكم القضاء "الشامخ"، احتراماً لحجية أحكامه، في ظل "دولة القانون" التي يشيدها عبد الفتاح السيسي!.
لكن، حتى لو وجد القوم أنه لابد من الانتهاء من الخطوة الأخيرة في خارطتهم، فلا يعني هذا أن مصر ستشهد بداية حياة نيابية بمجرد الانتهاء من إعلان نتيجة المرحلة الثانية في الانتخابات، ليكون شهر يونيو هو البداية. فأكبر دليل على حالة الارتباك التي تسيطر على عقل الانقلاب العسكري في مصر، هو أن مصر ستشهد أول برلمان في تاريخها مع إيقاف التنفيذ، فمن سيفوزون، سيكتفون بحمل بطاقات العضوية، دون أن يجتمعوا، أو يؤدوا القسم، أو يختاروا رئيس البرلمان، أو يحصلوا على امتياز العضوية، من ممارسة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، والحصانة البرلمانية، ولن يتمكنوا من قضاء حوائج الناس، لأنهم سيكونون نواباً مع إيقاف التنفيذ!.
فالمادة (115) من دستورهم تنص على أن أول انعقاد للبرلمان يكون في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر، ومن يونيو لأكتوبر، يكون السيسي قد وقف عن طريق التقارير الأمنية على هوية من نجحوا في الانتخابات، ونسبة من مع "رفاق الانقلاب" ومن يمكن أن يكونوا تابعين له بدون مناقشة. وإلى أن يحين موعد تفعيل العضوية، يظل السيسي مستحوذاً على سلطة التشريع. ويمكن التصرف مع الكتل الحزبية والولاءات الأخرى، ولو أدى الأمر لحل البرلمان قبل أن ينعقد!.
ومهما حدث فإن الانتخابات البرلمانية لا تعني البتة أنها دانت لسلطة الانقلاب، فقد اجتمع برلمان مبارك المزور ولم يحل هذا دون قيام الثورة وإسقاطه واسقاط برلمانه!.
يقدرون فتضحك الأقدار، فمن يدري، فقد يركبون "التوك توك" أو الدابة "ويشرخون". وقد ورد في الأمثال: "ركب الناقة وشرخ"!
فالانتخابات البرلمانية لن تحول دون ذلك.
azouz1966@gmail.com