قضايا وآراء

عن أكبر أربع كذبات في التاريخ المصري والعربي

1300x600
أثبتت الأيام أننا كمصريين قد سقطنا أسرى لأربع كذبات كبرى في تاريخنا الحديث، تم بمقتضاها أكبر عملية خطف للأذهان، بل وللذاكرة الجمعية للشعب العربي المحتل بالعفن الاستبدادي لحكامنا الذين أرادوا لنا أن نقبع في توابيت الخداع والكذب والضلال بغرض إلهائنا عن ما يدور خلف كواليس الحكم والسياسة.

أول تلك الكذبات الكبرى التي تعمّدوا ترسيخها في العقول أن الجيش المصري هو من حمى الثورة في 25 يناير، تحت ادعاء الانتصار للإرادة الشعبية التي اندفعت بالملايين طلباً للخلاص من نظام حسني مبارك (المنتمي للجيش بالأساس)، الفاسد المستبد القابض على السلطة لنحو ثلاثة عقود، فتركه الجيش العظيم يمرح ويرتع فساداً في البلاد طولاً وعرضاً طوال هذه السنين متناسياً الإرادة الشعبية، ذلك أن الذي حدث بالفعل في 25 يناير 2011 ما هو إلا التفاف على الثورة واحتواءٌ لمطالب الثوار؛ بغرض التقاط الأنفاس للتحضير لجولة جديدة من مسلسل إجهاض الثورات في واحدة من أهم وأخطر أنواع الثورة المضادة عبر التنويم الشعبي المغناطيسي، سرعان ما انكشفت.

الكذبة الثانية تتعلق بالأزهر الشريف كمؤسسة تابعة للسلطة بامتياز حيث جرى تسريب وتعميم مفهوم مغلوط مفاده بأن الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر ممثلاً للشريعة الإسلامية وكل ما يتصل بالإسلام وهدي السنّة النبوية المطهّرة، فصار المتحدث الأوحد باسم الإسلام، وطالما أن الأزهر يدور في فلك السلطة (المستبدة فقط بطبيعة الحال) فلا عجب أن يتم تأميم الدين لخدمة السلطان، ففي عصر مبارك يصبح الخروج عليه من المحرمات، أما في عهد محمد مرسى فيصير الخروج تعبيراً عن الإرادة الشعبية والحرية التي يكفلها الدستور والقانون، ثم تتحول بوصلة الفتوى حسب اتجاه موجة السلطة(المستبدة) إلى الحرام مرة أخرى بعد انقلاب 3 يوليو، فبوصلة مؤسسة الأزهر بعد حركة 23 يوليه، وعلى رأسها فضيلة الإمام الأكبر، متوافقة ومتماهية تماماً مع رغبات الحاكم المستبد، فقد حذّر فضيلته دائماً من خطورة خلط الدين بالسياسة، بينما هو غارق في تسييس الدين، ولتحقيق ذلك الاتجاه كان لابد من تأميم الأزهر، ومن ثم تأميم الدين بحيث يكون للأزهر وحده كمؤسسة لها الحق في الحديث باسم الإسلام؛ حتى لا يخرج أي صوت معارض خارج الإطار المرسوم، هذا بالرغم من أن مؤسسة الأزهر تزخر بالعديد من فطاحل العلماء الربّانيين بعيداً عن عبث السلطة.

الكذبة الثالثة عن منظومة القضاء، الذي جرى تقديسه وتنزيهه عن كل نقيصةٍ وخلل وتمرير، مقولة مسمومة بأن "القضاء المصري شامخ" ولا يقبل مطلقاً التدخل في شؤونه كائناً من كان، سواء من السلطة أو غيرها، بينما الواقع يُكذّب تلك المقولة، حيث إن مؤسسة القضاء كبقية مؤسسات الدولة مُخترقة من السلطة، بل وتمثل أحد أذرعها الخطيرة والهامة في تمرير قوانين وتشريعات تصب بالدرجة الأولي في مصلحة الحاكم وحده، مقابل مزايا مادية ومعنوية لا تتوافر لأي فئة أخرى من مؤسسات الدولة المدنية، فضلاً عن النفوذ والعيش في كنف السلطة، فتأتي الأحكام غالباً بما تشتهي السلطة، حتى لو كانت بالإعدامات الجماعية لطرف مناهض للسلطة أو البراءة للجميع أيضاً لطرفٍ آخر موالٍ لها أو من داخل السلطة ذاتها، وهذا لا يعني أن هناك قضاة مستقلين شرفاء لم يتلوثوا بفساد السلطة بعيداً عن التسييس المهين.

أما رابع تلك الكذبات وآخرها، فخارج أرض المحروسة أم الدنيا إلى أراضي الحجاز المقدسة، حيث جرى دغدغة مشاعر الشعب المصري منذ سنوات طويلة مع بقية الشعوب العربية والإسلامية بمصطلح غامض ومطعون في صحته يتعلق بإسباغ صفة "خادم الحرمين الشريفين" على ملوك آل سعود وحامي حمى الإسلام في العالم، بصفته الحاضن الرئيسي للحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وليس عندي أدنى مشكلة في التعاطي مع المصطلح، بشرط أن يكون متوافقاً مع الواقع، وألاّ يصبح مصطلحا أجوف فارغاً من أي مضمون، لاسيما ونحن نرى الدور المخزي لملوك آل سعود في خذلان شعوب أهل السنة التي تتشدق المملكة دائماً بالدفاع عن مذهب أهل السنة والجماعة والتشدد في حماية ثغور الإسلام السنّي في العالم أجمع، ولننظر إلى آيات الخذلان لمسلمي الصومال وأفريقيا الوسطي والسودان وشمال مالي وبورما ومسلمي الصين والهند والفلبين والبوسنة وكوسوفو، بل وملايين من المسلمين السنّة في إيران الشيعية خصمها اللدود كما يصورون لنا! - لكنها لعبة المصالح وبريق السلطة والنفوذ والمال الحرام لمن يجلس على العرش.