قضايا وآراء

حلم الشباب في زمن الاستبداد

1300x600
تتغير أحلام الشباب من عصر لعصر، ومن دولة لأخرى، وقد يبدو ذلك منطقيا لتغيير مستويات المعيشة والبيئة الثقافية المحيطة به، والتطور التكنولوجي الحادث، أما في بلادنا العربية فالأحلام تجسد واقع البلاد، ودائما ما تتمحور حول الذات، ففي النموذج البترولي غالبا ما تكون الأحلام استهلاكية من باب التحسينات بحكم ابتعادهم عن حالتي الضروريات والحاجيات، كاقتناء أحدث السيارات أو الهواتف، وفي بلاد الفقر العربي يظل الحلم هو الحصول على حقوقه الأساسية في المأكل والملبس والسكن، ويظل الشاب يعمل ويجد حتى الموت، فلا يستطيع تحقيق حلمه متمنيا للأولاد والأحفاد تحقيق ذلك الإنجاز، وعندما أطل الربيع العربي ازدهر الحلم ليصل إلى ما بعد المأكل والمسكن، ولكنه سريعا ما تحول إلى خريف تجتاحه العواصف، ليعيد بعض الدول إلى مربع ما قبل الصفر، فالحلم يتناسب طرديا مع مساحة الحريات.

وفي الحالة المصرية تضاءل الحلم في الحياة الكريمة البسيطة مع انعدام تلك الحريات إثر الانقلاب العسكري، فمنذ أيام نشرت شبكة "رصد" رسالة من طالب بكلية الهندسة يعبر فيها عن أقصى أحلامه، والتي لم تكن التخرج من الجامعة وامتلاك شقة أو سيارة أو حتى عملا يهرب به من شبح البطالة، ولكن كان منتهى أحلامه كما ورد في رسالته وسادة يسند رأسه عليها بدلا من الحذاء، كما يتمنى أن ينام فيستطيع أن يمد رجله دون أن يتعدى على حدود النصف متر المحددة لزميله في الاعتقال والحبس، ولم تقف أحلام مهندس المستقبل عند ذلك، بل كان يطمح أن يستيقظ يوما بلا إيذاء بدني ونفسي من العسكر الذين لم ينالوا قسطا من التعليم، ولكنهم حظوا وامتلكوا نسبا وصهرا يشفع لهم في الالتحاق بالكليات العسكرية، لم يحلم هذا الشاب بالحرية؛ لأنه يقف بين يدي قاضي يتلو ما يملى عليه من أحكام بالحبس والإعدام.

وقد يكون التطور الطبيعي لهذا التراجع في مستوى الأحلام هو الانعدام ذاته مع زيادة القهر، وعندما يختفي الحلم تتساوى الحياة ونقيضها، ويكون الانتحار هو الحل، وهذا ما يفسر ما حدث من حالات انتحار بلغت 56 حالة خلال الشهور الثلاثة الأخيرة وحتى نهاية نوفمبر 2014، ومع وجود حالة الناشطة السياسية زينب، ومجند الخدمة العسكرية الذي انتحر في تشرين الثاني/ أكتوبر، أو حالة انتحار الفتاة الهاربة من متحرش، فالحالة السياسية المتأزمة في مصر ليست بعيدة عن المشهد، وحالة القهر والفساد السياسي المتضخم أدتا لقتل أحلام الشباب، وزاد من المعاناة الاقتصادية والفقر.

ومن العجيب أن نموذجاً مثل مصر الذي يمثل فيه الفقر (وفقاً للبيانات الرسمية من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري) نسبة 40% من السكان، منهم 26% يعيشون تحت خط الفقر، ونسبة بطالة 13.4% من القادرين على العمل، نجد أن قائمة أغنياء العالم العربي عام 2014 المنشورة بمجلة "فوربس" تحتوي على 15 اسما لرجال أعمال مصريين بثروات، بلغ مجموعها 23.7 مليار دولار، بزيادة عن ما تمتلكه الدولة المصرية من احتياطي من النقد الأجنبي البالغ 15.9 مليار دولار في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، بل إن سبعة أشخاص فقط ينتمون لأسرتين هما ساويرس ومنصور يمتلكون 20.4 مليار دولار.

تلك بالطبع هي الأرقام المنشورة لرجال الأعمال، أما رجال السلطة أمثال عائلة مبارك أوالمجلس العسكري الحاكم، فحساباتهم سرية لا يطلع عليها أحد، وبالطبع فهي خارج البلاد، حتى عندما انبرى صاحب الهاشتاج أمام الشعب مدعيا تبرعه بنصف ماله، لم يكتب شيكا مسحوبا على بنك مصري، بل ذهب للبنك حاملا حقيبة من المال لم ولن يتم الكشف عن مقدارها أو مصدرها.

من حق الشباب في مصر أن تنمو أحلامهم فوق وسادة الرأس ومساحة النوم، من حقه أن يحلم بالعيش كما تعيش الشعوب الحرة، ومن حق الشعب المصري أن يمتلك إرادته وحريته، وعلى الشباب اليائس أن يوقف البحث عن الطريقة المثلى للانتحار، فمصر ليست فقيرة الموارد أو الخبرات والعقول، كما أن استمرار حالة القهر هي درب من المستحيل طالما هناك إرادة وسعي ومقاومة لكسر القيود.