كتاب عربي 21

السيسي في الصين.. "رحلة البحث عن كفيل"!

1300x600
عاد "عراب الانقلاب" الكاتب "محمد حسنين هيكل"، من رحلته في باريس ولندن، ليطمئن فؤاد لميس الحديدي، ومن معها، بأن الموقف الغربي لم يتغير من السلطة الحاكمة. وهنا أخذت لميس شهيقاً، وردته لزفير، وشعرت بعدها بالراحة، وكأن حوارها مع "الأستاذ" الذي قال لها في بداية الحلقة: "وحشتيني"، يمثل خروجاً أمناً من "بيت الراحة"!

يعلم هيكل أن أي كلام عن تغير في الموقف الغربي من الانقلاب، من شأنه أن يمثل شقاً لصف الانقلابيين، ويدفع البعض للقفز من السفينة الغارقة، على نحو يعجل بالسقوط السريع لعبد الفتاح السيسي، فهذا الانقلاب ما كان له أن يحدث لولا الموافقة الغربية، التي حصل عليها الدكتور محمد البرادعي من الاتحاد الأوربي، وساهمت قائمة طويلة تبدأ بالدكتور سعد الدين إبراهيم، وهيكل نفسه في إقناع الأمريكيين به قبل وقوعه!.

هيكل تحدث وأسهب عن مراكز صنع القرار في كل من لندن وباريس، وبما أنه قام بزيارتها، فيصبح بالتالي في حكم من جاء "بالذئب من ذيله"، وعرف أين يُخبئ القرد ابنه. وعندما يقول أن الموقف الغربي من السلطة الحالية في مصر، لم يتغير فإن على أنصار الانقلاب أن يطمئنوا ويضعوا "شادراً" من البطيخ الصيفي في بطونهم.. كناية عن الاطمئنان الشديد!.

لي أنا صولات وجولات مع "الأستاذ" فعندما كان أوباما مرشحاً لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في المرة الأولى قال هيكل بثقة العالم ببواطن الأمور: "البيت الأبيض ليس مستعداً لاستقبال رئيس اسود"، وكتبت أنا رداً بنفس الدرجة من الثقة بأن البيت الأبيض مستعد لاستقبال أوباما. وبعد هذا قال ان المسرح الآن تتم تهيئته لاستقبال جمال مبارك في سبتمبر القادم، وكان هذا بعد ثلاثة شهور، من تأكيداته. وكتبت أنا أن المسرح لا يعد لأي شئ!.

وفي المرتين صدقت توقعاتي ، وقلت أن الأستاذ يتصرف على طريقة "ضاربي الودع"، و"قارئي الكف"، وأنا أقلده!.
فهل صحيح أن الموقف الغربي لم يتغير من السلطة الحالية في مصر؟!

من الخطأ بمكان، أن يكون قياس هيكل على دوائر الانقلاب البعيدة، وغير المؤثرة كثيراً في باريس ولندن، مع علمه أن "عقدة النكاح" بيد من هم في البيت الأبيض!.

وفي تقديري أن فشل الانقلاب إلى الآن في تحقيق الاستقرار والنجاح، صار عبئاُ على كل دوائره الخارجية والإقليمية، إن شئت فقل إنهم لم يكونوا يتوقعون كل هذا الفشل وعلى كافة المسارات!.

صحيح أن السيسي حصل على "التقدير" الإسرائيلي اللازم للحصول على الشرعية الدولية، إذ فعل لإسرائيل وخدمة لمصالحها، ما لم يفعله كنزها الاستراتيجي مبارك، وقاد حرباً على شعبه في سيناء، من أجل ضمان أمن إسرائيل من كل ما يكدر صفوه، لكن هذا الأداء كان سيقدر لو أنه تمكن من أن يكون الأمر قبضته، ولو بالاستبداد والقهر!.

لقد مارس عبد الفتاح السيسي جرائم ضد الشعب المصري أرقت الضمير الانساني، وهو أمر لا يؤذي المشاعر "الجياشة" لمن يشكلون الإدارة الأمريكية، فواشنطن هي الراعي الرسمي للاستبداد في الشرق الأوسط!  لكن تبدو أزمتهم داخلية، وبسبب فشل السيسي نفسه. 

أوباما، والديمقراطيون عموماً، "سيحاسبون على المشاريب"، فقد رعوا انقلاباً عسكرياً فاشلا، وساعدوا في كسر المسار الديمقراطي، وفي عزل رئيس منتخب في مصر أفرزته واحدة من أهم الانتخابات في العالم وفق المعايير الدولية، وكان العزل بقوة السلاح، ثم ارتكب النظام الانقلابي مجازر ضد الإنسانية، كان فضح منظمة "هيومان رايس" لها مؤخراً قد أحرج حلفاء هذا الانقلاب، وسيمثل كل هذا دعاية للجمهوريين في أي انتخابات مقبلة!.

السيسي فقد بإقالة وزير الدفاع الأمريكي "الصدر الحنون"، وفي الأسابيع الأولى للانقلاب قال في مقابلة مع إحدى الصحف الأمريكية أنه عاتب على أوباما لأنه لم يتصل به ولو مرة واحدة، أما وزير الدفاع فعلى اتصال يومي به. ولم يفهم الرسالة فهو ليس رئيس دولة ليخاطبه أوباما، فبما أنه لا يزال رسمياً مجرد وزير دفاع فإن المخول له الاتصال به هو وزير الدفاع الأمريكي والذي كان متحمساً للانقلاب، وموقنا في نجاحه!.

اتصال أوباما بالسيسي كان سيؤكد الاعتراف بأن ما جرى هو انقلاب عسكري، وكانت الإدارة الأمريكية تستر عوراتها التي تبدت للناظرين بالقول أن ما حدث في مصر ثورة شعبية، انحاز لها الجيش، قبل أن يستقر في وجدان العالم أنه انقلاب، وذلك بعد ترشح السيسي في انتخابات أقرب للاستفتاء، وكشف العزوف الجماهيري عن صناديق الانتخاب، أنه لا يتمتع بالشعبية التي ادعاها!.

للدقة فإن القوم في البيت الأبيض فقدوا حماسهم للسيسي، وإن كان حماسهم لم يفتر للانقلاب، وهو نفس الأمر بالنسبة للسعودية والإمارات!.

ولم يكن عبد الفتاح السيسي هو الخيار الاستراتيجي لدوائر الانقلاب خليجياً، فهذه الدول دعمت الانقلاب على حكم الإخوان، وتدخلت ضمن مخططها لإفشال الربيع العربي، لكنها كانت تدرك أن نجاح الانقلاب لن يكون على يد السيسي، وجاءت الإشارات من هنا وهناك لكن جهاز الاستقبال كان معطلاً!.

قال قادة خليجيون أنهم يتمنون أن يستمر "المشير" السيسي وزيرا للدفاع ليحمي كل العرب. وقال آخرون أنهم لن يدعموا مصر اقتصادياً للأبد. لكنها أزمة "شر الدواب" في كل زمان ومكان!.

السعودية قامت بتزكية سامي عنان، بينما كان للإمارات بديلها المختار وهو أحمد شقيق، وكلاهما منتم للمؤسسة العسكرية، ويمثل الامتداد بدرجة أو بأخرى لنظام ما قبل ثورة يناير، فضلاً عن أنه بديل ليس في أزمة ثأرية مع القوى الثورية، فأيديهما ليست ملوثة بدماء المعتصمين السلميين في "رابعة واخواتها"، ولم ينقلبا على الرئيس المنتخب، ولم يعتقلوا أنصاره، مما يجعل منه خياراً أفضل على قاعدة الوفاق ولو في حد الأدنى!.

وناور السيسي، ولأنه يفتقد لمهارات المناور، فقد بدا أٌقرب للمقامر، وصار يتصرف الذي يتخبطه الشيطان من المس!.

لقد ظن، لأنه باعترافه ليس رجل سياسة، أن العالم لا يزال محكوما بقوتين عظميتين، وأنه يمكنه أن يكون عبد الناصر، فلما سأل عن الاتحاد السوفيتي فقيل له "البقاء لله"، ذهب لموسكو، فبوتين فيه من "رائحة الحبايب".."خرشوف" و"بريجنيف"!.

كان يظن لخطأ في الحساب، ولقلة الإدراك والوعي، أن بقاء الأسد الى الآن في السلطة راجع لتحالفه مع الرئيس الروسي. فاته أن بوتين كان يتبني القذافي ومع ذلك سقط، أما الرئيس السوري فله وضع خاص به، لأن واشنطن لم تعثر إلى الآن على البديل المناسب، وإذا سقط فسوف يحل محله الإسلام السياسي، وهو ما لا تريده واشنطن وتل أبيب وضواحيهما!.

ترشح السيسي رئيسا، وفاز في انتخابات شهدت عزوفا جماهيرياً اعترف به أنصاره قبل خصومه، وانتظر دعماً من دوائر الانقلاب فلم يجده، فعاد الكرة زائرا لبوتين، ثم زار باريس والصين!.

 إنه في مواجهة فتور، "كفيله" الحالي يبحث عن "كفيل" آخر، وربما يستهدف لفت انتباه "كفيله" في البيت الأبيض الى أنه يمكن أن يستبدل كفيلاً بكفيل!.

فات عبد الفتاح السيسي أن فاتورة كفالته وتبنيه باتت باهظة، وأنه إذا استمر الفشل فسوف تتحرك الدول الراعية للانقلاب، إنقاذاً له من الفشل، لأنه في حال سقوطه، فسوف تذهب مصر في عهد الثورة الكاملة بعيداً، كما ذهبت إيران بعد ثورة الإمام الخوميني.

والموقف من السيسي يحدده الثوار على الأرض وقدرتهم على الانجاز، وقد تسبقهم دوائر الانقلاب بخطوة، ليكون تجديد شباب الانقلاب، وتدويره، إما وفق ما جري في باكستان عندما تأكد القوم في واشنطن أن الشعب الباكستاني قرر طي صفحة عاملهم على اسلام اباد برويز مشرف. واما ان يكون الحل وفق نموذج بوركينا فاسو.. انقلاب عسكري، برأس مدني، أو برأس عسكري.
لهم خياراتهم وللثورة خيارتها، والرئيس الشرعي للثوار، غير المتقاعدين، معروف بالاسم والرسم.