في الساعة العاشرة من صباح يوم أمس الأربعاء 3-9-2014 صدر عن وزير "الدفاع" الصهيوني موشيه يعالون باعتبار هذه المؤسسة -العاملة في الأراضي المحتلة عام 1948 بترخيص
إسرائيلي- مصدر خطر على الدولة، واعتبارها محظورة بجميع أنشطتها وفروعها. لقد جاء هذا القرار ليصدر عن وزير الدفاع وليس وزير الأمن الداخلي كما جرت العادة فيما سبق مع تجارب حظر مؤسسات الحركة الإسلامية في السابق، كما أن توقيت هذا القرار وتداعياته تستحق التوقف لفهم ما بعدها:
أولاً: هناك تحرك نشط داخل القيادة السياسية الإسرائيلية منذ سنتين تقريباً يسعى لإخراج الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة عام 1948 عن القانون، والمدخل الأساسي الذي يستخدم لإخراجها عن القانون هو ربطها بحركة
حماس، ومن هذا الباب فإن السلطات الإسرائيلية تسعى لتكريس سوابق تسمح لها بالوصول تدريجياً إلى قرار حظر الحركة وأنشطتها، وقد جاء حظر مؤسسة عمارة الأقصى بقرار من وزير الدفاع ليبني سابقة جديدة للقول بأن الحركة الإسلامية تشكل خطراً وجودياً على الدولة.
لقد كانت التجارب السابقة بحظر أنشطة مؤسسات الحركة بقرارات أمنية من وزير الأمن الداخلي والادعاء العام الإسرائيلي تعني بأن لهذه الحركة أنشطة محددة خارجة عن القانون، وأن المطلوب هو تحجيمها و"قصقصة أجنحتها"، أما اليوم فالاتجاه هو لاعتبار أنشطتها بمثابة "خطر وجودي" مرتبط بفصائل
فلسطينية تُعتبر "إرهابية" بمنظور القانون الإسرائيلي.
ثانياً: يوضح قرار الحظر هذا بأن حركة المرابطات في
المسجد الأقصى قد أزعجت الاحتلال بشكلٍ حقيقي، وبأن سلطات الاحتلال باتت تسعى لتطويق حركة الرباط في المسجد للرجال والنساء، بتجفيف منابعها وحظر الجهات الراعية لها، وهو انتقال لمستوى جديد من تهويد المسجد الأقصى، فبعد عزله عن جمهور المصلين العام في غزة ثم في الضفة ومن ثم في القدس، يهدف التحرك الحالي لعزله عن جمهور المرابطين الخاص وتكريس استفراد "جماعات المعبد" اليهودية المتطرفة به.
ثالثاً: جاء القرار في وقت لا تزال الإدارة الإسرائيلية فيه تتعامل مع تداعيات عدوان "الجرف الصامد" على غزة والفشل الذي منيت به هناك، وهذا يؤشر إلى أن القيادة الصهيونية ستسعى للتعويض عن إخفاقاتها في غزة بمزيد من التهويد في القدس ومحيطها، وقد جاءت مصادرات جنوب القدس ضمن كتلة "غوش عتصيون"، وحظر مؤسسة عمارة الأقصى اليوم لتؤكد هذا التوجه.
وبناء على ذلك، فلا بد من قراءة الأخطار المترتبة على هذا التحرك انطلاقاً من فهم سياقه وعدم الاكتفاء بالتوقف بدلالته المباشرة على مؤسسة عمارة الأقصى:
1. هناك حملة تصعيد جديدة مقروءة تجاه المسجد الأقصى، باتت تحظى بمزيد من الاحتضان الحكومي بعد حرب غزة.
2. هناك اتجاه إسرائيلي واضح لاعتبار القدس "ساحة تنفيس" عن إخفاقات غزة، ولا بد بالتالي من اعتبار القدس أولوية العمل والدعم الأولى وليس أولوية الخطاب والنشيد فقط.
3. هناك اتجاه إسرائيلي للتضييق أكثر على الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة عام 1948 قد ينتهي بحظرها وإخراجها عن القانون، وهذا يفتح مرحلة جديدة من الصراع لفلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 لحماية وجودهم وهويتهم، كما يفتح الصراع في القدس على مرحلة جديدة لا بد أن يتراحع فيها سلوك انتظار جهود فلسطينيي 1948، وأن يجري العمل على استعادة جزء من حيوية المجتمع المقدسي ليستعيد طاقته وحركته واحتضانه للمقدسات، ولا بد من البناء على هبة رمضان المحدودة التي سبقت حرب غزة وفقدت وهجها مع اندلاع حرب الصواريخ والطائرات.