كتاب عربي 21

السيسي حامي " الأخلاق النبيلة".. ويسألونك عن "نبيلة عبيد"؟!

1300x600
عندما يعلن عبد الفتاح السيسي أن دوره هو حماية الدين، والأخلاق، والقيم، فإنه بهذا يكون في محاولة لتقليد الرئيس السادات بتصرف، والذي أغرقنا في الحديث عن أنه المدافع الأول عن "أخلاق القرية"، والذي كان يتحدث كثيرا عن هذه الأخلاق، ويدين أي خروج عليها!.

السادات كان يرى في هجوم المعارضة عليه، إساءة للأدب وخروجا على "أخلاق القرية" التي تحتم احترام الكبير وتوقيره. وكان يعلن بأنه "كبير العائلة المصرية"، التي لا يجوز لأحد أن يتطاول على مقامه. ومن يفعل، فقد أثبت عدم التزامه بمدونة "أخلاق القرية". وقد مات وفي نفسه يء، لأن المعارضين لم يلتزموا بأخلاق القرية، ولم يتعاملوا معه على أنه " كبير العائلة". وقبيل وفاته أصدر قانون حماية الجبهة الداخلية من "العيب"!.

السيسي الذي يقدمه الناصريون على أنه خليفة جمال عبد الناصر في الملاعب، لم يعلن حتى الآن ماذا يمثل له عبد الناصر؟، وعندما سئل إن كان قد علق صورة جمال عبد الناصر على جدران منزله في حياته؟، وهو التصرف الشائع في هذه المرحلة، وقد رسم له السؤال خريطة الطريق ليجيب في هذا الاتجاه. فغاب عن الوعي فترة، كعادته، ثم عاد ليتحدث في العموم، ربما لإدراكه أنه إذا قام بمسايرة عملية الجذب الناصري له لتبرير انحيازهم له، فسوف يخسر تأييد دوائر الانقلاب.

وقد كان بين السعودية وعبد الناصر ما صنع الحدادون في مصر والشرق الأوسط. ثم إن إسرائيل المحتفية به، ستغضب عليه إن قال أن ناصر يمثل له قيمة في حياته.

واللافت، أن السيسي لم يحمل في ذاكرته أي ذكريات عن زمن عبد الناصر، ولو في الجانب الإنساني، كأن يكون قد خرج يوم التنحي، ليهتف مع الجموع الهادرة: "لا تتنحى". وما أظن أن دوائر الانقلاب الإقليمية، والدولية، ستغضب إذا تحدث عن مشاعره الإنسانية "النبيلة"، لكن من الواضح أن ميول عبد الفتاح السيسي هي تجاه أنور السادات، ويمكنا أن نقرأ هذا من بين ثنايا الكلمات القليلة البائسة، التي تخرج من فمه منذ أن وقع الانقلاب.

السيسي الذي يقدمونه على أنه خليفة عبد الناصر، عندما ينام يحلم بالسادات، وعندما يتكلم فإن قدوته هو السادات. مع فارق بطبيعة الحال، هو لصالح السادات. فالرئيس الراحل كان صاحب قدرات متميزة، في حين أن صاحبنا لا يمتلك الكفاءة، لأن يكون مثله.

السادات تحدث عن "أخلاق القرية" التي هو الراعي الرسمي لها، والسيسي يأتي الآن ليقول إنه هو "راعي الدين والقيم والأخلاق"، ولم يبق إلا أن يقول "وراعي الفنون والآداب"، لنصبح أمام إمبراطور لا رئيس دولة في القرن الواحد والعشرين، على نحو يخشى المرء معه أن "تأخذه الجلالة"، فيتصرف كما "الحاكم بأمر الله"، عندما حرم على المصريين "أكل الملوخية".

وأنا يمكنني أن أقبل أي قرار من مولانا العارف بالله عبد الفتاح السيسي إلا أن يحرمنا من أكل "الملوخية". فيمكنه أن يحرمنا من "البامية"، أو "المكرونة بالبشاميل".

الجدير بالذكر، أن دستور عام 2013، في عهد مرسي، كان قد جاء فيه نص يؤكد على أن "الدولة" ترعى الآداب والأخلاق. فهب المثقفون، من نخبة مبارك، الذين التحقوا بالثورة في أواخر أيامها، هبة رجل واحد، ليؤكدوا أن قيام الدولة بهذه الرعاية، إنما يمثل وصاية على العقول والنفوس، وهو أمر لا يتسق مع التقدم الحضاري الذي وصلت إليه البشرية. ونفروا خفافا وثقالا، لكنهم فيما يختص بالسيسي فقد التزموا الصمت، مع أن الدستور كان يقر وصاية "الدولة"، أما السيسي فهو يقرر أن يكون هو وصيا على الشعب، وراع للقيم "النبيلة".

على ذكر " النبيلة"، فقد تذكرت الآن الفنانة "نبيلة عبيد"، ولا أعرف ما إذا كانت حضرت لقاء المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي مع الفنانين؟، عندما بدا مبتهجا لأن الفنانين الذين كان يراهم عبر الشاشة الصغيرة، كانوا في حضرته، ولدى العسكر إذا حكموا حالة من التهافت على النجوم. وعسكر 1952 تروي عنهم قصص وحواديت عن العلاقات التي ربطت بعضهم بنجمات الفن، وبعض هذه العلاقات كانت خضوعا من الفنانات للقوة الغاشمة. ونبيلة عبيد، تحب دائما أن تكون في دوائر السلطة، وقد ذكرت مريم فخر الدين عنها، أنها سعت من أجل الزواج من الرجل القوي في دولة مبارك، حبيب العادلي وزير الداخلية. لكنها لم توفق. وهي منذ فيلمها "الراقصة والسياسي" لديها تطلعات سياسية!.

ما علينا، فصمت المثقفين، على إعلان عبد الفتاح السيسي أنه سيكون مسؤولا عن "الدين والأخلاق والقيم"، كاشف عن أننا أمام مثقفين ليست لهم قضية، والدليل على ذلك أنهم وإن كانوا قد هاجموا الإخوان، بتهمة الخلط بين الدين والسياسة، فالدين كان حاضرا في المشهد الانقلابي منذ اليوم الأول، عندما حضر البابا وشيخ الأزهر المشهد الانقلابي، ثم جرى الترويج للسيسي على أنه رسول، وأنه المسيح، وأنه نبي. فلم ينطق احد من هؤلاء الذين انحازوا للسيسي، ولم يقولوا أن هذا يمثل توظيفا للدين لصالح أهداف سياسية. 

إن السيسي عندما يقول إنه سيكون المسؤول عن الدين والقيم والأخلاق، إنما يتجاوز مفهوم رئيس الدولة الحديثة ليعيدنا إلى عصور الظلام الأوربي.

وهذا ليس مهما فالمهم ألا تصبح " الملوخية" أكلتي المفضلة خاضعة لسلطانه.