قضايا وآراء

مفارقة دبلوماسية ترامب.. بين الأهداف والأساليب

"كانت نتيجة هذا الأسلوب الدبلوماسي تآكلا كبيرا في الثقة بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين"- عربي21/ علاء اللقطة
مثّل نهج دونالد ترامب في العلاقات الدولية قطيعة جذرية مع الدبلوماسية الأمريكية التقليدية. فقد قامت طريقته على الحدس الشخصي، وعقلية عقد الصفقات، والتشكيك العميق في التحالفات الراسخة والاتفاقيات متعددة الأطراف. وغالبا ما وضعه هذا النهج في خلاف مع الأعراف الدبلوماسية المستقرة. ويتمثل أحد الانتقادات المحورية لسياسته الخارجية في أنه حتى عندما كان يُشخّص قضايا مشروعة، فإن أساليبه الصدامية والمتقلبة كثيرا ما قوّضت أهدافه وخلقت حالة أكبر من عدم الاستقرار.

بين الشخصي ومنطق الصفقات

في جوهر دبلوماسية ترامب، كان هناك إيمان بقوة العلاقات الشخصية مع قادة العالم، فقد فضّل المفاوضات المباشرة بين القادة على حساب العمليات المؤسسية المعقدة التي يديرها الدبلوماسيون وخبراء السياسة الخارجية. وقد تجلّى ذلك بوضوح في تفاعلاته مع شخصيات مثل زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني شي جين بينغ.

تعاملت سياسة "أمريكا أولا" مع العلاقات الخارجية كسلسلة من الصفقات التجارية. فقد نظر إلى الاتفاقيات والتحالفات الدولية من منظور التكلفة والفائدة، وكثيرا ما خلص إلى أن الولايات المتحدة تحصل على "صفقة سيئة". هذه الرؤية هي التي دفعت قراراته بفرض رسوم جمركية على الحلفاء والخصوم على حد سواء

وتُعد القمة التي عقدها مع كيم جونغ أون مثالا رئيسيا على ذلك. كان هذا اللقاء تاريخيا ومثيرا بصريا، مما خلق انطباعا بوجود تقدم دبلوماسي. بيد أن العلاقة الشخصية بين الزعيمين لم تُترجَم إلى خطوات جوهرية وملموسة يمكن التحقق منها نحو نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية. إن غياب التحضير التفصيلي والمتابعة من قبل الطواقم الدبلوماسية يعنى أن هذه اللفتات الكبرى فشلت في تحقيق نتائج دائمة.

وبالمثل، تعاملت سياسة "أمريكا أولا" مع العلاقات الخارجية كسلسلة من الصفقات التجارية. فقد نظر إلى الاتفاقيات والتحالفات الدولية من منظور التكلفة والفائدة، وكثيرا ما خلص إلى أن الولايات المتحدة تحصل على "صفقة سيئة". هذه الرؤية هي التي دفعت قراراته بفرض رسوم جمركية على الحلفاء والخصوم على حد سواء، من الصين إلى الاتحاد الأوروبي وكندا. وكان الهدف هو استغلال القوة الاقتصادية الأمريكية لانتزاع تنازلات، لكن هذا النهج القائم على الصفقات غالبا ما تجاهل القيمة الاستراتيجية للتحالفات، التي تقوم على القيم المشتركة والأمن المتبادل، وليس فقط على الموازين الاقتصادية.

تشخيص المشاكل وتفاقم النتائج

كان هناك نمط متكرر في سياسة ترامب الخارجية، يتمثل في التحديد الصحيح لمشكلة قائمة، تتبعه حلول أثبتت أنها ذات نتائج عكسية، فغالبا ما أدت طريقته إلى تنفير الحلفاء الذين كان تعاونهم ضروريا لتحقيق نتيجة ناجحة.

الإنفاق الدفاعي لحلف الناتو

كان الرئيس ترامب محقا في تأكيده أن العديد من أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) لم يكونوا يفون بالتزامهم بإنفاق 2 في المئة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، لقد كانت هذه نقطة إحباط للإدارات الأمريكية السابقة، وإثارة هذه القضية كان أمرا مشروعا. ولكن، كانت طريقته إشكالية للغاية بالنسبة للحلف. فقد انتقد علنا ووبّخ قادة الحلف، وشكك في المبدأ الأساسي للدفاع المشترك بموجب المادة الخامسة من ميثاق الحلف، وهدد مرارا بانسحاب الولايات المتحدة من الحلف. وبدلا من بناء إجماع لتقوية الناتو، زرعت أفعاله الانقسام وأثارت الشكوك حول التزام أمريكا بضماناتها الأمنية. لقد قوّض هذا النهج التضامن ذاته الذي يمثل أعظم نقاط قوة الناتو في مواجهة الخصوم المحتملين. كان محقا بشأن قضية الإنفاق، لكنه كان مخطئا في الطريقة التي حاول بها حلها.

الممارسات الاقتصادية للصين

شخّصت إدارة ترامب بشكل صحيح التحديات الكبيرة التي تفرضها سياسات الصين الاقتصادية. فقضايا مثل سرقة الملكية الفكرية، والنقل القسري للتكنولوجيا، والعلاقة التجارية غير المتوازنة كانت، ولا تزال، مخاوف جدية للاقتصاد العالمي. وهذه رؤية مشتركة على نطاق واسع عبر الطيف السياسي في الولايات المتحدة. لكن الأداة التي اختارها كانت حربا تجارية أحادية الجانب. فقد فرض رسوما جمركية كاسحة على البضائع الصينية دون أن يبني أولا تحالفا واسعا من الدول الأخرى المتضررة، مثل الاتحاد الأوروبي واليابان وأستراليا. كان من الممكن لجبهة موحدة أن تمارس ضغطا أكثر فعالية وتحديدا على بكين، وبدلا من ذلك، أدت استراتيجية العمل المنفرد إلى معركة رسوم جمركية مكلفة عطلت سلاسل التوريد، وألحقت الضرر بالمزارعين والمستهلكين الأمريكيين، وفشلت في حل القضايا الهيكلية الأساسية في العلاقة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين. كان تشخيص المشكلة دقيقا، لكن العلاج الأحادي كان معيبا.

الاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة)
خلق هذا النهج بيئة دولية أكثر تقلبا وصعوبة في التنبؤ، وفي حين كان القصد منه إظهار القوة وتأمين نتائج أفضل لأمريكا، إلا أنه أسفر في كثير من الأحيان عن عزلة الولايات المتحدة وتضاؤل قدرتها على القيادة في مواجهة التحديات العالمية

مثال آخر هو الاتفاق النووي الإيراني، المعروف رسميا بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة". جادل ترامب ومنتقدون آخرون بأن الاتفاق كان محدود النطاق، وأنه لم يعالج برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني أو أنشطتها المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، وأن "بنود الانتهاء التدريجي" فيه ستسمح لإيران في النهاية باستئناف أنشطتها النووية. هذه نقاط جدلية، ومع ذلك، فإن قراره بالانسحاب الأحادي للولايات المتحدة من الاتفاق في عام 2018 أدى إلى عزل واشنطن، وليس طهران. فقد ظل الموقعون الآخرون (المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا) ملتزمين بالاتفاق وانتقدوا الانسحاب الأمريكي. كما أن حملة "الضغط الأقصى" اللاحقة من العقوبات، رغم أنها شلت الاقتصاد الإيراني، إلا أنها فشلت في إجبار قادته على العودة إلى طاولة المفاوضات من أجل "صفقة أفضل". وبدلا من ذلك، سرّعت إيران أنشطتها لتخصيب اليورانيوم، مما جعلها أقرب إلى سلاح نووي محتمل مما كانت عليه في ظل الاتفاق. لقد هدم هيكلا قائما، وإن كان غير مثالي، دون تقديم بديل قابل للتطبيق، مما خلق وضعا صعبا أكثر خطورة.

تركة زعزعة الاستقرار

كانت نتيجة هذا الأسلوب الدبلوماسي تآكلا كبيرا في الثقة بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين. فالتحالفات التي شكلت حجر الزاوية في الاستقرار الدولي لعقود من الزمن، توترت بسبب عدم القدرة على التنبؤ والعداء الملموس من أقوى أعضائها. كما أُضعِفت المؤسسات متعددة الأطراف، من منظمة الصحة العالمية إلى منظمة التجارة العالمية، بسبب التشكيك والانسحاب الأمريكي.

خلق هذا النهج بيئة دولية أكثر تقلبا وصعوبة في التنبؤ، وفي حين كان القصد منه إظهار القوة وتأمين نتائج أفضل لأمريكا، إلا أنه أسفر في كثير من الأحيان عن عزلة الولايات المتحدة وتضاؤل قدرتها على القيادة في مواجهة التحديات العالمية. إن الدبلوماسية ليست مجرد مواجهة أو الفوز في مفاوضات فردية، بل هي عملية صبورة لبناء التحالفات، وتعزيز الثقة، وإدارة العلاقات المعقدة لخدمة المصالح طويلة الأمد. ومن خلال إعطاء الأولوية للمكاسب القصيرة الأمد القائمة على الصفقات على حساب الاستراتيجية المستدامة القائمة على التحالفات، أثبتت دبلوماسية ترامب أنه حتى عندما تكون الفرضية الأولية صحيحة، فإن التنفيذ الخاطئ يمكن أن يؤدي إلى الفشل.