أطلق الملياردير
المصري، نجيب
ساويرس، دعوة، طالب فيها برفع صفة "العربية" من اسم "جمهورية مصر العربية" والاكتفاء فقط بـ"جمهورية مصر"، وهو الحديث الذي تطوّر ليُصبح توجّها يتبناه شخصيات ليبرالية وعلمانية؛ ما أغضب كثيرين من الدعوة وأصحابها، ودفع للتساؤل حول الهدف منها في مثل هذا التوقيت.
الأخ الأكبر لعائلة ساويرس، الأسرة الأغنى عربيا وإفريقيا بـ11.6 مليار دولار، بحسب إحصاءات "فوربس" مطلع العام الجاري، وفي عبارة من 17 كلمة، كتب عبر موقع التواصل الاجتماعي "إكس"، 26 شباط/ فبراير الماضي: "أنا مصري أولا، وعربى ثانيا، لا خلاف على عروبتنا، وبالتالي لا داعي للإضافة، لأنها لغتنا وتجمعنا جميعا".
ورغم أن حديث ساويرس، لاقى الكثير من الرد عليه والرفض له والانتقادات حوله، إلا أنه سار على خطاه البعض في حملة تتصاعد ويتزايد مؤيدوها، وبينهم السياسي المصري، أسامة الغزالي حرب، الذي أكّد أنه مع دعوة ساويرس "مائة في المائة، بل مليون في المائة".
وحرب، هو، أحد أقطاب الحزب الوطني في عهد حسني مبارك، والمؤيد بشدة لنظام عبد الفتاح السيسي، والذي يحمل أفكارا داعمة للتطبيع مع
الاحتلال ويرى أن "الذهاب لإسرائيل حق شرعي لأي مواطن".
وكتب حرب عبر مقال له بصحيفة "الأهرام" الحكومية، الأحد الماضي: "أيها السادة بلدنا اسمه (مصر) وكفى"، مضيفا: "مصر سابقة للأديان كلها، وسابقة بكثير جدا لفكرة العروبة".
وقال إنّ: "السيسي عودنا على هتاف موجز ومعبر في خطبه العامة، في الداخل وفي الخارج: (تحيا مصر) ولم يهتف أبدا (تحيا جمهورية مصر العربية)".
كما طالب الغزالي حرب، بتغيير المادة الأولى من دستور 2014 المعدل عام 2019، ليصبح "تسمية بلدنا من (جمهورية مصر العربية)، إلى مصر فقط"، خاتما بالقول: "أيها السادة بلدنا اسمه منذ الأزل وإلى الأبد (مصر) وكفى".
وتنص ديباجة دستور 2014، على أن "مصر العربية بعبقرية موقعها وتاريخها قلب العالم كله، فهي ملتقى حضاراته وثقافاته، ومفترق طرق مواصلاته البحرية واتصالاته"، فيما تقول مادته الأولى إن "الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها، ومصر جزء من العالم الإسلامي".
وعلى غرار ساويرس وحرب، تبنّى الاقتصادي الشهير هاني توفيق، عبر صفحته بـ"فيسبوك"، هذا التوجه، مطالبا، الأربعاء، بالعودة لاسم مصر، قائلا: "بمناسبة الموقف العربي المخجل، ياريت بالمرة نرجع تاني لاسم: دولة مصر"، مضيفا: "مصر جاءت أولا، ثم جاء بعدها التاريخ".
وكعادة المصريين في السخرية من أغلب أزماتهم، سخر متابعون من تلك الدعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن البعض حذر من أن هدف تلك الدعوات تقزيم مصر لصالح الاحتلال الإسرائيلي.
وعاب البعض على أصحاب تلك الدعاوى إطلاقها في توقيت تواجه فيه المنطقة العربية وفي القلب منها فلسطين، ومصر، والأردن، ولبنان، وسوريا، الكثير من التهديدات الوجودية، إثر حرب الإبادة الدموية للاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة، وخطة الرئيس الأمريكي، دونالد
ترامب، بتهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن.
وأكد متحدثون لـ"عربي21"، أنّ: "تتابع دعوات المطالبة بنزع صفة العربية عن مصر، يحمل دلالات خطيرة، وفي مضمونها التوجه نحو تخلي مصر عن دورها العربي والإسلامي بالتبعية في ملفات فلسطين وغزة والمسجد الأقصى والقدس الشريف".
أيضا، أعربوا عن تعجّبهم من أن تلك الدعوات تأتي في وقت يحاول فيه العالم خلق تكتلات سياسية واقتصادية وأمنية للحماية والدعم والتكاتف.
"محو هويتها وتحطيم عروبتها"
في تعليقه، قال السياسي المصري، خالد الشريف، إنّ: "هذه دعوات مغرضة تريد أن تنزع عن مصر عروبتها وإسلامها؛ وهؤلاء كارهون للإسلام والعروبة ومن يكره العرب يكره الإسلام، ومصر هويتها إسلامية، ولسانها عربي مبين وهي قلب الإسلام، وهي حصن العروبة، تكسر على أعتابها أعداء الإسلام والطامعون من تتار وصليبين".
القيادي بحزب "البناء والتنمية" المصري، أضاف لـ"عربي21": "والآن يريدون محو هويتها وتحطيم عروبتها في تداع على العرب وفلسطين، الأعداء من كل جانب وهو ما يحتم على مصر أن تقوم بواجبها".
وأوضح أنه في المقابل "نحن في زمن التحالفات والتكتلات الذي يجب فيه الوحدة والتعاون، وما يجمع العرب أكثر بكثير مما يجمع الآخرين من أوروبيين وغربيين تحت مظلة الاتحاد الأوروبي؛ فالعرب وعلى رأسهم مصر يجمعهم الدين واللغة والحضارة والعادات والتقاليد والتاريخ، فلا قيمة لمصر دون الإسلام ودون العروبة".
وختم بالقول: "هذه الدعوات التي تسعى لفصل مصر عن عروبتها دعوات خبيثة تريد إضعاف مصر وتفتيت أمتنا العربية".
"الفناء في انتظارها"
في رؤيته، قال الكاتب والباحث الإعلامي، خالد الأصور، إنّ: "هذه الدعوات المشبوهة ليست جديدة، فقد أثارتها أبواق إعلامية شبيهة قبل نحو نصف قرن، في عهد أنور السادات عقب زيارته للكيان الصهيوني عام 1977، وقيام أغلب الدول العربية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "ونكاية في الدول العربية، انطلقت مثل هذه الدعوات بنفي عروبة مصر والترويج للفرعونية"، مؤكدا أنه "كما كان مصير الدعوة السابقة قبل 5 عقود إلى الفناء، فإن الفناء أيضا في انتظار هذه الدعوة".
وبيّن أن "مصر ليست فقط عربية اللسان، بل هي كبيرة العرب، وثقافتها باللسان العربي، ولا يمكن فصلها عن موقعها في قلب المحيط العربي، بالتاريخ والجغرافيا والحضارة على مدى 15 قرنا من الزمان".
ويعتقد أنه "إذا كانت هذه الدعوة متوقعة من شخص مثل ساويرس، لاعتبارات لا تخفى على فطنة القارئ، فكيف تصدر عن شخص مثل أسامة الغزالي حرب وهو محلل سياسي، ويعلم أهمية العمق العربي الاستراتيجي لمصر، وأن مصر بغير العرب تصبح أكثر ضعفا، والعكس صحيح".
وخلص للقول: "لكن تزول الدهشة لأن من عاش في كنف السلطة كبوق لها لسنوات طويلة، من الصعب أن ينفصل عنها وعن البوصلة التي تتوجه لها، وليس شرطا أن يكون هذا التوجه معلنا ورسميا، يكفي أن يتم توجيه الأبواق والأذرع لإثارته والترويج له".
"كيد للدين والهوية"
في حديثه لـ"عربي21"، أعرب الكاتب الصحفي، محمد عبد الشكور، عن أسفه من أنه "في الوقت الذي نرى فيه العالم من حولنا يقوم بعمل تحالفات وتكتلات نجد من بني جلدتنا من يحاول الفرقة".
وأضاف: "ومنذ فترة وجدنا في مصر أشخاصا يتبرأون من عربية مصر وارتباطها بالعروبة، وخاصة من المسيحيين الذين يربطون بين العروبة والإسلام وكأنهما واحد".
وتابع: "لذا تراهم يحاولون الرجوع للماضي ويمجدون مصر القديمة ويلقبون أنفسهم بالفراعنة، وأن مصر فرعونية وليست عربية، وأن العرب غزاة، وللأسف جاء ذلك في مقولات كثير من العلمانيين والمسيحيين".
عبد الشكور، أكّد أنه: "في الوقت الذي يجب فيه أن نتمسك بعروبتنا حيث تجمعنا ديانة واحدة وهي الديانة الإسلامية، ولغة واحدة هي اللغة العربية، وقضية مصيرية وهي القضية الفلسطينية؛ نجد من يعمل على الفرقة سواء بمحاولة الانسلاخ عن العروبة أو بهذه الدعاوى".
ولفت إلى أنها "تجد أحيانا من يتبناها خاصة مع تراجع الدور المصري في الإقليم سواء بقصد أو بدون قصد، من خلال تقدم بعض الدول العربية في الإقليم لتكون بديلا عن مصر، وللأسف لن تستطيع دولة ما أن تحل محل مصر ولكنها مجرد أوهام تعمل عليها بعض الدول".
وفي نهاية حديثه يرى أن "دعوة نجيب ساويرس، وغيره، هي دعاوى من باب الكيد للإسلام كدين، والعروبة كهوية، وكذلك هذه الدعاوى يتبناها بعض العلمانيين وغيرهم، وهي دعاوى تهدف إلى عزل مصر عن محيطها".
وحول ذات القضية، وفي مقال له، قال الكاتب سيد أمين، إنّ: "دعوات اعتبار العودة لما قبل الفتح العربي لمصر بوصفه عودة للأصل هو التدليس ذاته، فالرومان الذين كانوا يحكمون مصر قبل الفتح ليسوا هم الفراعنة، وكذلك أجناس عديدة حكمت مصر لآلاف السنين كالبطالمة واليونانيين والبيزنطيين والهكسوس والفرس والأحباش".
وأوضح أنه: "وبالتالي فإن دعوات فرعنة مصر تشبه تماما دعوات تسليم أمريكا وكندا وأستراليا للهنود الحمر، ناهيك عن سؤال مهم هو أين نجد الهنود الحمر في هذه البلدان؟ وأين نجد الفراعنة في مصر؟".
"دعوات سابقة وردود"
خلال السنوات السابقة تبنى بعض العلمانيين والليبراليين والملحدين المصريين الدعوات لانسلاخ مصر عن الدين الإسلامي والتبرؤ من العروبة واعتبارها احتلالا، والرجوع بمصر إلى أصلها الفرعوني قبل 5 آلاف عام، وهو ما رد عليه البعض بأنها دعوات تتجاوز نحو 15 قرنا من الزمان.
أشهر أصحاب هذا التوجه، كان المصري سيد القمني، الذي كان قد قال في حوار لموقع "إيلاف"، كانون الثاني/ يناير 2004، إنّ: "عروبة مصر عبودية لاحتلال طال أمده أكثر مما ينبغي"، زاعما أن المصريين "ليسوا عربا بل مصريون"، مدعيا أن "الفتح العربي لمصر لم يكن سوى احتلال"، فيما اتّهم ارتباط مصر بالعرب بأنه أدى لـ"تراجعها ونسيانها لقيمها الحضارية".
أيضا، عالم المصريات، وسيم السيسي، أحد الذين طالبوا بتغيير الهوية المصرية من العربية إلى الفرعونية، حيث كتب في 25 تموز/ يوليو 2009، في مقال بموقع "المصري اليوم": "أنا مصري أتحدث العربية، والعامية، أؤمن بالوحدة العالمية مع بني الإنسان، ومن يقول لي: عيب أن نتخلى عن عروبتنا، أقول له: بل عار أن نتخلى عن مصريتنا، ومن ليس له خير في مصريته ليس له خير حتى في نفسه".
وفي مقال له بذات الموقع 8 كانون الأول/ ديسمبر 2021، وضع الفتح العربي لمصر من بين فترات الاحتلال التي طالت البلاد على يد الهكسوس، والفرس، والرومان، واليونانيين، ودعا إلى إحياء اللغة الهيروغليفية وتعليمها في مصر.
ويرى كتاب مصريون وعرب أن بداية النزعات إلى الفرعونية وغيرها ودعوات الانسلاخ عن العروبة وحتى عن الإسلام جاءت عقب الاحتلال الأوروبي الذي قطع أوصال البلدان العربية، والذي بدأ بالاحتلال الفرنسي لمصر والشام نهاية القرن الـ18، ثم الاحتلال الإنجليزي والفرنسي والإيطالي لأغلب البلدان العربية في القرنين الـ19 والـ20.
وفي مقال له منشور 17 آذار/ مارس 2021، أشار الكاتب العماني عبد الله العليان، إلى أنّ: "الاحتلال الأوروبي غذى النزعة الفرعونية في مصر، والقومية في سوريا، والفينيقية بلبنان، والبربرية في المغرب العربي".
وأكد أنّ: "جميعها كان بهدف التخلص من العروبة والإسلام، ملمحا إلى أن ذلك تجسد في تدمير اللغة الغريبة، لغة القرآن الكريم، وإحلال اللغات الأوروبية بعدها"، مبينا أنّ: "هذا تمثل في محاولات التغريب والتخريب لوحدة الأمة وتماسكها القومي والفكري والثقافي".
وإثر ما حمّله الاحتلال الفرنسي لمصر (1798-1801) من أفكار خلال 3 سنوات فقط وأثناء الاحتلال الإنجليزي لها (1882- 1956) ولمدة 74 عاما ظهرت أجيال من تلك البلدان تتبنى أفكار الانسلاخ عن العروبة والإسلام.
ورفعت "ثورة 1919"، في وجه الاحتلال شعار "مصر للمصريين"، لتسري لاحقا كلمة "الأمة المصرية"، ويصبح التوجه الليبرالي شعار أغلب الساسة والكتاب مثل طه حسين، بالنصف الأول من القرن العشرين.
وفي هذه النقطة كان الدبلوماسي المصري، مصطفى الفقي، قد أشار في مقال له بصحيفة "الحياة" اللندنية، 5 نيسان/ أبريل 2016، إلى أنّ: "طموحات الدولة المصرية خلال العصر الملكي كانت طموحات إسلامية وجرت محاولة لتنصيب الملك فاروق على العرش بقلعة صلاح الدين، لكن مصطفى النحاس باشا ووراءه حزب الغالبية (الوفد) رفض مثل هذا النهج نحو الخلافة الإسلامية".
وأوضح الفقي أنه: "في المقابل فإن حزب الوفد، المتمسّك بالوحدة الوطنية المصرية وداعية الليبرالية والذي يتمتع بمسحة علمانية غير دينية، اعترف بعروبة مصر ودورها كدولة مركزية محورية تستحق أن تكون عاصمتها مقرا لجامعة الدول العربية"، مشيرا لـ"تأسيس الجامعة عام 1945".
ولفت إلى: "انخراط جمال عبد الناصر بكل مشاعره وطموحاته وغاياته في أتون الحركة القومية العربية وأصبح النداء المتكرر من إذاعة (صوت العرب) هو: (أمجاد يا عرب أمجاد)..".
وخلص الفقي، للقول إنّ: "العروبة المصرية بدأت دينية ثم أصبحت عروبة ثقافية إلى أن استقرت لكي تكون عروبة سياسية لا يختلف المصريون حولها وإن لم يتحمس بعضهم للإيمان بها، خصوصا مع توالي النكبات والنكسات وشيوع أسباب الإحباط... ".
ونقل البعض ردود الكاتب المصري، محمد حسنين هيكل، على تلك الدعوات بقوله، إنّ: "مكانة مصر عبر التاريخ، كونها قائدة ورائدة في محيطها العربي وليس بغير ذلك"، مضيفا: "ولذلك فخروج مصر من مجالها الحيوي، هو انتحار لكونها الدولة الأهم في محيطها العربي ومؤثرة فيه".