أثار حضور رجل الأعمال والمطور العقاري
المصري هشام طلعت مصطفى ببرنامج الإعلامي عمرو أديب عبر فضائية "إم بي سي مصر"، السعودية، مساء السبت، الكثير من الجدل.
طلعت مصطفى، صاحب السجل الجنائي السابق، ورجل النظام المصري الحالي، أكد أن حل أزمة قطاع
غزة في عمل مشروع تطوير عقاري ببناء مدن سكنية خلال 3 سنوات تتكلف نحو 27 مليار دولار، على غرار مشروعي "مدينتي" و"الرحاب" التي بناهما شرق القاهرة، قبل سنوات.
ومنذ 25 كانون الثاني/ يناير الماضي، يطالب الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب، القاهرة وعمان، وعواصم أخرى باستقبال فلسطينيي القطاع المهدمة مبانيه وبناه التحتية، نتيجة لحرب الإبادة الدموية الإسرائيلية التي امتدت 15 شهرا، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والتي وصفتها الأمم المتحدة بأنها "الأكثر تدميرا بالتاريخ الحديث".
وقدم الرئيس التنفيذي لمجموعة طلعت مصطفى، ما رأى أنه فكرة بديلة لخطة دونالد ترامب لتهجير 1.5 مليون فلسطيني لمصر والأردن، طرح خلالها أرقاما تقل بكثير عما جرى طرحه من جهات دولية عديدة، بجانب طرحه حلا يجيب عن سؤال تسأله الجهات المحتملة أن تمول إعادة الإعمار، وهو: من سيحكم القطاع مستقبلا؟.
"أرقام ومدد أقل"
في جانب الأرقام، قال طلعت مصطفى، إن إحدى واجهات مصر العقارية في الخارج، ستقوم ببناء مدن سكنية تضم 200 ألف وحدة في 20 مليون متر مسطح، بتكلفة إجمالية 20 مليار دولار، يتم تنفيذها في 6 مراحل خلال 3 سنوات عبر 40 إلى 50 شركة مقاولات، مع تأسيس البنية التحتية وخدمات صحية وتعليمية ورياضية وتجارية وترفيهية بتكلفة 7 مليارات دولار.
ولفت إلى أن كل وحدة سكنية بمساحة 100 متر مربع تستوعب 6 أشخاص كمعدل متوسط للعائلة الواحدة، ما يوفر سكنا لنحو 1.2 مليون فلسطيني، مع تسليم الوحدات بين 14 إلى 24 شهرا، ملمحا إلى إعادة استخدام جزء من الركام بعد تكسيره، دون الحاجة لنقله بالكامل.
وهي الأرقام التي تختلف عن أرقام دراسة أعدتها "مؤسسة راند" البحثية الأمريكية في آب/ أغسطس الماضي، عن تكلفة إعادة إعمار غزة بعد 10 شهور من الحرب، حيث قدرتها بأكثر من 80 مليار دولار.
بجانب 700 مليون دولار لإزالة 42 مليون طن من الأنقاض، ما يشير لزيادة التكلفة بعد نحو 15 شهرا من التدمير الذي أصاب نحو 90 بالمئة من البنية التحتية للقطاع.
وتحدث تقييم للأمم المتحدة عن تدمير 245 ألف وحدة سكنية وتضرر 69 بالمئة من مباني القطاع، لكن حكومة غزة أكدت أن نسبة الدمار 88 بالمئة، وهو الوضع الذي جعل تقديرات الأمم المتحدة لإتمام إعادة إعمار تصل 15 عاما، وبتكلفة 50 مليار يورو، وإزالة 50 مليون طن ركام في 21 عاما وبتكلفة 1.2 مليار دولار، وفق وكالة رويترز.
وكان الرئيس الأمريكي قد ذهب الأسبوع الماضي للقول إن واشنطن سوف تتولى السيطرة طويلة الأمد على قطاع غزة وإعادة بناء المنطقة المدمرة وجعلها مثل شواطئ الريفييرا على البحر المتوسط في وقت يستغرق بين 10 و15 عاما، ونقل مليوني فلسطيني لمكان آخر.
"الإعمار مقابل التخلي عن المقاومة"
وأثار الجانب السياسي، في حديث هشام طلعت مصطفى، جدلا آخر، وتساؤلات حول ما وراء تصريحاته حول يوم ما بعد الإعمار وإغراء الفلسطينيين بالوحدات السكنية مقابل التخلي عن فكرة مقاومة الاحتلال.
إذ قال إن "الأساس في الموضوع أنه لو خلقت حياة كريمة للفلسطينيين ووجد الفلسطيني مأوى، ومصدر رزق، ومستشفى يُعالج فيه، ومدرسة لابنه، هل سيضحي بهذا الوضع، لو خلقت له هذا الكلام؟".
وأضاف: "حين يجد الإنسان الفلسطيني استقرارا وأريحية وهدوءا؛ ماذا سيفعل الفلسطيني الغزاوي؟"، مؤكدا أنه "سيحارب أي بديل آخر، حتى لو داخليا عنده، ليحافظ على هذا الاستقرار".
وفي سؤال عمرو أديب، له حول مصادر تمويل مشروع الإعمار، أكد أن التمويل مؤكد سيكون عربيا، مشيرا إلى أن "العرب يريدون معرفة الوضع في اليوم التالي، ومن سيحكم غزة؟".
وعاد ليؤكد مرة ثانية، رؤيته السابقة، قائلا: "لو قدمت له (فلسطيني القطاع) البديل بوضوح، وعدالة، وسأعمل له كذا، وعملت له انتخابات حقيقية، فإن الإفراز سيكون انتخابه الفصيل الذي سيحقق له الاستقرار"، مضيفا: "بالتأكيد سيفعل ذلك".
وعرج طلعت مصطفى على التجربة المصرية، قائلا: "حين مررت في مصر بتجربة ما (حكم الرئيس الراحل محمد مرسي) المجتمع الدولي رفض بالكامل هذا الفصيل (جماعة الإخوان المسلمين) لأنه شاف (رأى) استقراره وأمانه مع البديل الذي جاء (رئيس النظام عبدالفتاح السيسي)".
وخلص للقول: "هذه طبيعة الشعوب، لو خلقت هذا الكلام بمنطقية، وعدالة، فالإفراز سيأتي لصالح الاستقرار".
وانتقدت الكاتبة الصحفية مي عزام، الجانب السياسي من حديث هشام طلعت مصطفى، قائلة: "وكأن الموضوع مجرد قطعة أرض تحتاج مطورا عقاريا، والموضوع يتكلف 27 مليار دولار والحياة تبقى بمبي"، مضيفة أنه "يتكلم بيقين أن مجرد الفلسطيني ما يبقى عنده بيت وحياة مستقرة ينسى حماس والمقاومة، وكأن سكان غزة لم يكن لديهم بيوت قبل 15 شهرا"، واصفة الأمر بأنه "ظهور غريب وعجيب".
ذلك الحديث أثار لغطا وتساؤلات مراقبين، كون هشام طلعت مصطفى، أحد أهم شركاء الإمارات في مصر، وأحد أهم شركاء الجيش المصري في مشروعات عديدة، وأحد شركاء السيسي في بناء العاصمة الإدارية الجديدة.
كما أن طرح مشروع مماثل لفكرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في غزة بالتزامن مع خطته لتهجير الغزيين، أثار تساؤلات البعض حول احتمال أن يكون الحوار تمهيدا شعبيا لتنفيذ فكرة ترامب على يد طلعت مصطفى، كواجهة ومن خلفه شركائه الإمارات والجيش المصري والإدارة الأمريكية.
وتتشابه فكرة طلعت مصطفى مع فكرة ترامب في تجاهل أسباب أزمة قطاع غزة، وهي جرائم الاحتلال، وكذلك تتشابه الفكرتان في تحييد المقاومة وتنحيتها عن الواجهة في أية أعمال تعمير قادمة، وفق مراقبين.
"كعكة الإعمار ومغازلة إسرائيل الغاضبة"
كما يرى البعض أن ظهور طلعت مصطفى، الآن، فيه مغازلة لأمريكا وإسرائيل وفي الوقت ذاته هو محاولة للحصول على جزء من كعكة الإعمار.
ويأتي حديث طلعت مصطفى، بالتزامن مع تحليل لموقع "Jns"، العبري، عن حشد مصر قواتها في سيناء بطريقة غير معتادة، مشيرا إلى أنهم يتوقعون أن جيش مصر قد ينظر لإسرائيل كخصم محتمل مستقبلا، وهو ما يدعو للتساؤل: هل تقبل إسرائيل بدور مصري في إعمار غزة، يكون للجيش المصري وشركات لها ارتباطات بالمخابرات المصرية دور فيه؟.
وتشير تصريحات متتابعة من مسؤولين مصريين إلى أن القاهرة راغبة بشدة في الحضور لإعادة إعمار غزة، عبر شركاتها ومنتجاتها من الحديد والأسمنت وغيرها، ما يمثل انتعاشة لاقتصاد يعاني أزمات هيكلية وبنيوية خطيرة وخسر دخله مبالغ طائلة بسبب حرب غزة.
وفي 11 كانون الثاني/ يناير الماضي، أعلن السيسي، أن إيرادات قناة السويس تراجعت بنحو 7 مليارات دولار في 11 شهرا، بسبب حرب غزة.
ورصد مراقبون ومتحدثون لـ"عربي21"، بعض المؤشرات التي تشير لمحاولات القاهرة تحويل تلك الخسائر إلى مكاسب كبيرة، ملمحين إلى دعوة وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي، لاستضافة بلاده مؤتمرا دوليا لإعادة الإعمار في غزة، تمهيدا لمشاركة مصر في إعادة الإعمار عبر شركات وعمالة ومهندسين وخامات مصرية.
وفي 2 شباط/ فبراير الجاري، قال عبدالعاطي إن القاهرة لديها رؤية واضحة لإعادة إعمار غزة "دون خروج أي مواطن من أرضه"، مبينا أن "هذه العملية مرحلة أولى تقود لبدء عملية سياسية ذات مصداقية تؤدي لقيام الدولة الفلسطينية لمنع تكرار حلقات العنف والعدوان".
"للاستهلاك المحلي ومغازلة ترامب"
وفي حديثه لـ"عربي21"، قال أستاذ إدارة المشاريع والبنية التحتية بجامعة "بورديو" الأمريكية، والخبير المصري في اقتصاديات البنية التحتية، الدكتور عماد الوكيل: "مبدئيا من يقرر مصير غزة أهلها، لا طلعت مصطفى ولا ترامب، وأعتقد أنه لن يتم التهجير لأن ترامب تعود على التصريحات الرنانة ويعود عنها، وأهل غزة لأنهم شجعان وأقوياء لن يتركوها".
وأوضح أن "في التطوير العقاري لا يوجد شيء اسمه مطور يأخذ مدينة أو منطقة سكانية وينفذ مشروع تطوير عقاري كالريفيريا أو غيرها، لكن هناك شيء اسمه إعادة الإعمار، وهذا يفرق كثيرا عن التطوير العقاري فلا يمكن أخذ مدينة لعمل فيلل فيها، فأين سيذهب الناس؟".
الأكاديمي المصري، أضاف: "عندي حسن ظن في الله تعالى أنه لن يتم التهجير؛ ولكن بفرض أن هذا وقع فإنه لكي تختار مكانا لعمل استثمار عقاري لا بد من توفر بعض الشروط أهمها، الأمان".
وأشار إلى أنه "يختار منطقة ساخنة جدا من العالم، ولو تم تهجير أهلها منها قسريا وتريدها كالريفيرا؛ فلن يتركها الفلسطينيون لأن المهجرين منذ 1948 يحتفظون إلى اليوم بمفاتيح بيوتهم"، مؤكدا أن "هذا الكلام غير منطقي وأي دراسة جدوى تقول بأن هذا الوضع سليم".
ويرى الوكيل، أن "كلام طلعت مصطفى فيه مغازلة بالطبع للأمريكان، لأنه يعيد نفس فكرة ترامب بالضبط حيث يقول الأول بتطوير عقاري واستثمارات، وكله كلام غير عملي، ويمكنك الاستثمار بأي منطقة من العالم ومنها مصر لكن لا يمكن تهجير أهل غزة لتستثمر بها؛ خاصة وأن لديهم قضية راسخة ومتجذرة لدى المسلمين بالعالم".
وأوضح أن "حديث طلعت مصطفى عن تطوير عقاري بغزة يتكلف 27 مليار دولار فهو رقم غير منطقي بالمرة؛ وكأستاذ في التخصص وفي المشروعات أقول إنه رقم مستحيل، وكيف درس الأمر والمبيعات والتكاليف والمواد، لذا أراه كلاما للاستهلاك المحلي ومغازلة أمريكا".
وقال إن "طلعت مصطفى والعرجاني كلاهما يأكلان في كعكة الوطن بأمر من النظام، وكلاهما يأكلون مصر، وفي النهاية هذا الكلام لن يتحقق على الأرض وهو غير فني أو هندسي بالمرة، وخطأ تماما، كما أن من يتحدث عن ريفيرا في غزة فلن يمكنه بيع وحدة واحدة، وكلامه عار عن الصحة تماما".
وأوضح أن "هناك إعادة إعمار يمكن عمل بيزنس من خلاله، ولا أقول دعم الفلسطينيين بشكل إنساني وأخلاقي، وهناك إعادة إعمار في ليبيا وسوريا وغزة يمكن لمصر الاستثمار والمشاركة بها".
وخلص للقول: "مصر تخسر من مثل هذه التصريحات كل المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، خاصة مع محاولة الظهور أننا مع المستعمر، رغم ما يقابله من تصريحات إسرائيلية مثل قول نتنياهو إن مصر حشرت الغزيين في الزاوية ومن جوعتهم وأنه لم يفعل ذلك، والخارجية المصرية ردت ردا ضعيفا".
وختم مؤكدا أن "الوضع سيء اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وكل من في البلد لا يؤدي دوره".
"تنفيذ خطة ترامب (O2)"
وفي رؤيته، قال الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى يوسف، إن "حديث طلعت مصطفى، يشابه تماما حديثا سابقا لرجل الأعمال الإماراتي محمد العبار، مدير دائرة التنمية الاقتصادية في حكومة دبي وتأسيس (إعمار فلسطين) عام 2005، لشراء الأراضي بعد تفكيك مستوطنات وتخطيط وتصميم مشروعات عقارية وتجارية".
الباحث في الاقتصاد السياسي والتنمية والعلاقات الدولية، في حديثه لـ"عربي21"، أضاف، أن "طلعت مصطفى ومعه بلا شك إبراهيم العرجاني يريدان جزءا من كعكة الإعمار في غزة، عبر مبادرة أو تفكير خارج الصندوق بأخذ مقترح ترامب وتنفيذ فكرته بطريقة أخف وأقل وطأة لتمتص غضب الرأي العام ولا تعصف في الوقت نفسه بحكومات المنطقة".
ويرى أن "الهدف الرئيسي لبعض الحكومات الأجنبية والعربية هو تحييد المقاومة، وتنفيذ أجندة تصفية الإسلام السياسي، وتصفية حركة حماس، وأي فصيل سياسي وطني مقاوم حتى ولو غير إسلامي".
وأكد أن "المقاومة بالنسبة لهم معناها ألا يكون هناك سيادة لإسرائيل ولا شركات السلاح ولا الشركات المهيمنة على مقدرات المنطقة، ومعناها أن يكون للشعوب قيمة ورأي، وتتحدث بعد ذلك عن استغلال الثروات، وعن الفصل بين السلطات أو ما يُعرف بالديمقراطية التشاركية، وهو ما يصب ضد مصلحة جنرالات الديكتاتوريات العسكرية والحكومات المستبدة".
الخبير المصري، لفت إلى أن "صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر، تحدث عن موضوع التطوير العقاري منذ 6 شهور، قبل أن يكسب ترامب الانتخابات الرئاسية، وعرض الفكرة عن طريق منصة الاستثمار الخاصة به (أفينيتي بارتنرز) والتي تستثمر في 4.7 مليار دولار وأكثر من 90 بالمئة منها أموال عربية".
وخلص للقول إن "نظام السيسي، وعن طريق هشام طلعت مصطفى، وإبراهيم العرجاني، كمطورين عقاريين، يحاول الحصول على قطعة من كعكة إعمار غزة، بمحاولة للتفكير خارج الصندوق وتنفيذ فكرة ترامب بشكل غير مستفز للشعوب يطيح بحكومات المنطقة، هو في النهاية جميعه مخطط صهيوني عبر هذا النموذج الثاني من ترامب (O2) المعدل المحسن والمطور من عمل جاريد كوشنر".
"هذا دور مصر"
من جانبه، أكد المتحدث الرسمي لمجموعة تكنوقراط مصر المهندس هشام الجعراني، أنه "يجب الدفاع عن السيادة المصرية على كل أراضي مصر؛ وخاصة سيناء مفتاح بوابة مصر الشرقية، والطريق الاستراتيجي للحرب والتجارة، كما ذكر المؤرخ المصري الراحل الدكتور جمال حمدان".
وأوضح لـ"عربي21"، أن المجموعة المعارضة تؤكد على ضرورة "الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في البقاء حيا، والحفاظ على حقوقه الإنسانية المشروعة في أرضه ووطنه".
ودعا لأن "يشارك بالوفد المرافق لرئيس النظام إلى واشنطن، مطورون عقاريون محترمون لديهم خطط واضحة المعالم والتوقيت وقابلة للتنفيذ فورا لإعادة إعمار غزة على أن يتم البدء ببناء المستشفيات والمدارس".
وطالب "الجيش المصري بالإعلان عن بداية تجهيز مراكز إيواء سهلة الفك والتركيب داخل القطاع، وبناء مراكز طبية متنقلة داخل القطاع، وطلب مساندة دولية لهذا الغرض".
ولفت إلى ضرورة أن "تشارك أمريكا ماليا في صندوق إعادة إعمار غزة مع الدول الغنية الأخرى بمقدار مناسب لما قدمته من أسلحة دمار لإسرائيل".