حذر الكاتب الإسرائيلي تسفي برئيل من أن أي خطة لاقتلاع سكان قطاع غزة يمكن أن تؤدي إلى مواجهة مباشرة بين
الاحتلال وكل من
مصر والأردن، مشيرا إلى أن الدول العربية تعتبر خطة التهجير تهديدا وجوديا لأمنها واستقرارها الداخلي.
وقال برئيل في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية، إن "الرئيس الأمريكي السابق دونالد
ترامب، بغطرسته وتصريحاته، أعاد القضية الفلسطينية إلى مركز الخطاب الدولي، وحوّل غزة من مجرد كارثة إنسانية إلى رمز للصمود الوطني، مما أدى إلى توحيد الموقف العربي ليس فقط دفاعا عن الفلسطينيين، بل أيضا لحماية الدول العربية من تداعيات الخطة".
وأضاف الكاتب الإسرائيلي أن "ترامب خلق محورا جديدا في الشرق الأوسط، محور الدول المذعورة، الذي يضم دولا عربية تخشى أن تتحول المشكلة الفلسطينية إلى أزمة داخل أراضيها".
وأشار الكاتب إلى أنه "بعد وقت قصير من إعلان ترامب عن خطته المتعلقة بتهجير سكان غزة، سارعت وزارة الخارجية السعودية إلى إصدار بيان واضح وحاد باسم ولي العهد محمد بن سلمان، أكدت فيه أن إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل لن تتم دون إقامة الدولة الفلسطينية، وأن هذا الموقف ثابت وغير قابل للتفاوض أو المساومة".
ولفت إلى أن "التصريحات السعودية أدت إلى سلسلة من التحركات السياسية في المنطقة، حيث التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالملك الأردني عبد الله الثاني لتنسيق المواقف، فيما اعتبرت عمان أن الخطة تشكل تهديدا وجوديا للمملكة".
وأكد برئيل أن "الأردن، الذي يشكل الفلسطينيون غالبية سكانه، يرى في استقبال مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين تهديدًا ديمغرافيًا يمكن أن يؤدي إلى زعزعة استقراره الداخلي". وذكّر بأن "الأردن ما زال يحمل في ذاكرته أحداث أيلول 1970، أو ما يُعرف بأحداث أيلول الأسود، عندما كادت منظمة التحرير الفلسطينية أن تسقط النظام الأردني".
وأشار الكاتب الإسرائيلي إلى أن "وجود عدد كبير من الفلسطينيين الذين خدموا في صفوف حماس داخل المملكة قد يحولها إلى ساحة مواجهة مع إسرائيل على غرار ما حدث في لبنان خلال السبعينيات".
أما مصر، فيواجهها تحدٍّ مماثل، إذ قال برئيل إن "الحرب التي تخوضها القاهرة ضد التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة في سيناء قد تصبح أكثر تعقيدًا إذا انتقل آلاف من نشطاء حماس إلى أراضيها".
وأضاف أن "إدخال عناصر حماس إلى سيناء قد يعزز نفوذ الإخوان المسلمين في مصر، ويؤدي إلى إقامة ذراع عسكرية جديدة تشكل تهديدا ليس فقط على مصر، بل على إسرائيل أيضا".
وأشار الكاتب إلى أن "إدارة ترامب كانت تراهن على أن سكان غزة سيقبلون بفكرة مغادرة القطاع طوعا بحثا عن حياة أفضل، لكن الخطة في الوقت ذاته تُدخل الدول العربية المجاورة في معضلة أمنية وسياسية خطيرة”. وأوضح أن "المعضلة التي تواجهها مصر والأردن لا تقتصر فقط على التهديدات الأمنية، بل تشمل أيضًا التبعات الاقتصادية لاستيعاب هذا العدد الكبير من اللاجئين".
وأضاف أن "الضغوط الاقتصادية التي تمارسها الولايات المتحدة على مصر والأردن قد تكون عاملا حاسما في موقفهما من الخطة، خاصة أن البلدين يعتمدان بشكل كبير على المساعدات الاقتصادية الأمريكية، التي تشمل دعما ماليا وعسكريا، بالإضافة إلى تسهيلات تجارية واتفاقيات مع مؤسسات التمويل الدولية".
لكن الكاتب الإسرائيلي أشار إلى أن "الدول العربية، وعلى رأسها السعودية والإمارات، يمكن أن تلعب دورًا في مواجهة هذه الضغوط، حيث استثمرت هذه الدول في السنوات الأخيرة مليارات الدولارات في مصر، وقد تلجأ إلى زيادة دعمها الاقتصادي للأردن ومصر لمساعدتهما على مقاومة الضغوط الأمريكية".
وأكد برئيل أن "السعودية قد تستخدم نفوذها الاقتصادي لإحباط خطة التهجير، خاصة أنها أعلنت مؤخرا عن نيتها استثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال السنوات المقبلة، وهو ما يجعل ترامب مضطرا إلى موازنة حساباته الاقتصادية قبل الضغط على الدول العربية".
وفيما يتعلق بعملية التطبيع بين السعودية والاحتلال الإسرائيلي، قال الكاتب إن "خطة ترامب قد تؤدي إلى تأجيل أي خطوات في هذا الاتجاه، حيث تصر الرياض على ضرورة التوصل إلى حل يضمن إقامة دولة فلسطينية قبل إتمام التطبيع”.
وأوضح أن "الإدارة الأمريكية قد تحاول التوصل إلى صيغة توافقية تُرضي السعودية من جهة، وتحافظ على استقرار حكومة نتنياهو من جهة أخرى".
وختم برئيل مقاله بالإشارة إلى أن "ترامب تعهد بالإعلان عن موقفه بشأن ضم الضفة الغربية خلال الأسابيع المقبلة"، معتبرا أن "هذا الملف قد يصبح ورقة مساومة تستخدمها الولايات المتحدة في المفاوضات مع الدول العربية".
كما دعا إلى "عدم التسرع في الحكم على تطورات التطبيع، إذ قد تلجأ الإدارة الأمريكية إلى إيجاد صيغة ملتوية ترضي جميع الأطراف، وتضمن استمرار التحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط".