قضايا وآراء

الدماء والأشلاء في سوريا.. واللطم والنواح في مصر

قطب العربي
- الأناضول
- الأناضول
سالت الدماء في سوريا يومي الخميس والجمعة الماضيين فسالت الدموع وتصاعد النواح واللطميات في مصر، ومع الإدانة لقتل أبرياء في سوريا أخذا بالشبهة فإن ذلك لا يلهينا عن حقيقة ما جرى، لقد كانت الثورة السورية قاب قوسين أو أدنى أن من السقوط كسابقاتها في مصر وتونس واليمن، كانت المؤامرة مدبرة بليل للانقضاض على الثورة، واستعادة الحكم الأسدي، وكان بشار الأسد يدير المعركة من منفاه في روسيا، ويساعده في إدارتها شقيقه الهارب أيضا ماهر، وعدد من رجاله سوء داخل سوريا أو خراجها. كان المستهدف إثارة حالة من الفوضى تنتهي إما باقتحام القصر الجمهوري، أو استدعاء تدخل إسرائيلي أو إيراني أو حتى روسي مباشر بدعوى حماية الأقليات.

كانت رصاصات البداية من المتمردين ضد منسوبي القوى الأمنية فقتلت أو أصابت العشرات، وأسرت أضعافهم، ونزعت سلاحهم قبل أن تتحرك القوى الأمنية بشكل منظم ومعها الجيش حديث التكوين لمواجهة هذه المؤامرة، فقتلت بدورها وأسرت العشرات من ضباط وجنود وشبيحة النظام السابق، ونجحت في وأد المؤامرة، لكن المشكلة التي صاحبت ذلك هي قتل آخرين من المدنيين إما بطريقة عشوائية، أو بطريقة متعمدة بناء على هوياتهم الطائفية، وهذا محل استنكار،
نشاهد صورة مغايرة تنتشر في مصر، ويتنافس في نشرها أنصار النظام وبعض القوى السياسية المعارضة، ناهيك عن أصوات طائفية أيضا.. نواح ولطميات حول مجازر مروعة في سوريا، وقتل على الهوية، ومحاولة للإجهاز على طوائف بأكملها وخاصة الطائفة العلوية. صحيح أن المعركة الكبرى كانت ضد متآمرين ينتمون أساسا لهذه الطائفة التي لا تزال ترى أن حكم سوريا حق حصري لها، لكن الصحيح أيضا أن الجسم الأكبر من هذه الطائفة أعلن قبوله للنظام الجديد
وكان أول من استنكر ذلك رئيس الدولة أحمد الشرع، الذي دعا المجموعات الشعبية المتطوعة لمساندة قوى الأمن والجيش لمغادرة أماكن التوتر، والالتزام بتعليمات القادة العسكريين الميدانيين، ثم شكلت وزارة الدفاع لجان تحقيق لمحاسبة المسئولين عن هذه الجرائم.

حين تعرضت الثورة المضادة للهزيمة في هذه الجولة، تحولت إلى معركة أخرى وهي تضخيم الجرائم التي وقعت، كمّا وكيفا، وتسويقها عالميا بهدف تقليب العالم ضد النظام الجديد، وهي لم تستح خلال المواجهات من إصدار نداءات لروسيا وإسرائيل بالتدخل المسلح لحماية بعض الطوائف، وشاركها في ذلك للأسف بعض زعماء هذه الطوائف الذين فقدوا امتيازاتهم التي خصصها لهم نظام الأسد. إذن المعركة الآن هي معركة إعلامية تستخدم فيها الصور الصحيحة والمفبركة، وتضخيم أعداد القتلى والمصابين، ويتم إعادة نشر بعض التدوينات بطريقة ملفتة بهدف صناعة رأي عام دولي ضد السلطة السورية الجدية بهدف نزع الشرعية عنها..

هذه هي الصورة المجملة لما حدث، لكننا نشاهد صورة مغايرة تنتشر في مصر، ويتنافس في نشرها أنصار النظام وبعض القوى السياسية المعارضة، ناهيك عن أصوات طائفية أيضا.. نواح ولطميات حول مجازر مروعة في سوريا، وقتل على الهوية، ومحاولة للإجهاز على طوائف بأكملها وخاصة الطائفة العلوية. صحيح أن المعركة الكبرى كانت ضد متآمرين ينتمون أساسا لهذه الطائفة التي لا تزال ترى أن حكم سوريا حق حصري لها، لكن الصحيح أيضا أن الجسم الأكبر من هذه الطائفة أعلن قبوله للنظام الجديد، ولو على مضض، بل إن بعض أبنائها كانوا ضمن المعارضين لنظام الأسد، وكان غريبا ومريبا قتل بعض أقاربهم في المواجهات الأخيرة ما يثير شكوكا حول من المستفيد بقتلهم. كما أن التصريحات الرسمية لا تتوقف عن التأكيد على وحدة الشعب السوري بكل طوائفه، وعدم التمييز بينه على أساس طائفي أو عرقي أو جهوي، وقد شارك ممثلون لهذه الطوائف ومنها الطائفة العلوية في مؤتمر الحوار الوطني الذي شهدته سوريا مؤخرا.
المصريون الآن في فسحة من أمرهم، ويمكنهم إنجاز هذا الحوار المجتمعي بعيدا عن السلطة، وسواء داخل الوطن أو خارجه، وسواء عبر الحوار المباشر وجها لوجه، أو الحوار الافتراضي عبر تطبيقات التواصل الالكتروني، يمكن لمجموعة تحضيرية متطوعة وممثلة لأطياف متنوعة، أو حتى مجموعة محايدة لا تنتمي لتيارات سياسية أن تقود هذا الحوار

تنوعت خلفيات النائحين في مصر، فأنصار النظام منزعجون من انتصار الثورة السورية، وسقوط حكم الأسد، ويشعرون أن رياح التغيير ستنتقل إلى مصر، وأنهم سيتعرضون لما تعرض له أنصار النظام السوري، وبعض القوى السياسية المعارضة لديها عداء صريح مع التيار الإسلامي بشكل عام أيا كان، وفي إطار هذا العداء وجدت فرصتها فيما حدث في سوريا لكسب نقاط، وتشويه خصومها الإسلاميين عموما حتى وإن كانوا رافضين للعنف، أو منددين بالقتل على الهوية. والأصوات الطائفية لديها خوف من تكرار ما حدث في سوريا معها خاصة أنها لعبت دورا كبيرا في دعم الانقلاب على حكم الرئيس مرسي رحمه الله.

الموقف الصحيح بدلا من التنابذ، والمكايدة، هو أن يلتقي المصريون من كل الطوائف والتيارات لمناقشة مخاوف كل طرف، فليس صحيحا أن المخاوف تقتصر على طرف واحد بل تطال الجميع، والمواجهة الحقيقية لهذه المخاوف تكون بحوار مجتمعي صريح شفاف، يطرح فيه كل طرف هواجسه ومخاوفه، ومن خلال الحوار سيكتشف كل طرف أن جزءا كبيرا من مخاوفه متوهمة، وسيثبت أن بعضها صحيح، وقابل للعلاج، وهذا العلاج الذي يتم التوافق عليه، يتم تسجيله في وثيقة أساسية فوق دستورية، يلتزم بها الجميع..

المصريون الآن في فسحة من أمرهم، ويمكنهم إنجاز هذا الحوار المجتمعي بعيدا عن السلطة، وسواء داخل الوطن أو خارجه، وسواء عبر الحوار المباشر وجها لوجه، أو الحوار الافتراضي عبر تطبيقات التواصل الالكتروني، يمكن لمجموعة تحضيرية متطوعة وممثلة لأطياف متنوعة، أو حتى مجموعة محايدة لا تنتمي لتيارات سياسية أن تقود هذا الحوار، ويمكن للأزهر الشريف أو بيت العائلة المصرية أن يقود هذا الحوار، ويمكن للنقابات المهنية النشطة مثل الصحفيين والمحامين والمهندسين والأطباء أن تشكل لجنة مشتركة تقود هذا الحوار، فهل من مبادر؟!

x.com/kotbelaraby
التعليقات (0)

خبر عاجل