يشير مصطلح
التهجير القسري إلى نقل الأفراد أو المجموعات أو حتى الشعوب من أماكن إقامتهم الأصلية بالقوة أو تحت ضغوط شديدة، دون رغبتهم الشخصية، نتيجة ظروف أو أحداث خارجة عن إرادتهم بسبب الحروب والسياسات الإجرامية القمعية الممارسة من قبل طرف ما.
ومنذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع
غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، عاد الحديث بشكل واسع عن هذه الجريمة، بسبب ممارستها من قبل الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة طوال 15 شهرا، وحاليا بسبب تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب، بضرورة مغادرة سكان غزة أرضهم والعيش في دول وأماكن أخرى.
وسواء كان التهجير القسري بالضغط والاعتقال أو بممارسة الإبادة الجماعية والقتل الممنهج، طالما تمكنت الشعوب من النجاة والبقاء في أرضها والعودة إليها، أو العمل المستمر على تحقيق ذلك، وتكرر هذا الواقع في العديد من الحالات عبر التاريخ الحديث.
جزيرة كريت
تقع جزيرة كريت، في البحر الأبيض المتوسط، ومرت عليها العديد من الحضارات المختلفة، بدءًا من المينويين والإغريق والعثمانيين، وشهدت تغيرات سياسية وديموغرافية عديدة، من أبرزها التهجير القسري الذي تعرض له المسلمون في القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20.
حكمت الدولة العثمانية جزيرة كريت منذ عام 1669، إلا أنه خلال القرن التاسع عشر، بدأت بعض الحركات في اليونان تنشط، مطالبة بضم كريت إلى الدولة اليونانية الحديثة التي تأسست عام 1830.
وشهدت الجزيرة العديد من الاضطرابات خاصة في الفترة ما بين 1821 و 1897، حيث قامت الجماعات اليونانية بقتل أعداد كبيرة من المسلمين الكريتيين، ما تسبب في تصاعد العداء بين المسلمين والمسيحيين في الجزيرة.
وفي عام 1898، تم فرض حكم ذاتي على الجزيرة تحت إشراف دول أوروبية وهي بريطانيا وفرنسا وإيطاليا بالإضافة إلى روسيا، ما أدى إلى استهداف المسلمين بشكل أكبر، وبعد حروب البلقان (من بلغاريا واليونان والجبل الأسود وصربيا ضد الدولة العثمانية) في الفترة ما بين 1912 و1913 تم ضم كريت رسميا إلى اليونان.
ونتج عن هذا الضم تهجير قسري لما تبقى من المسلمين، واعتبرتهم السلطات اليونانية حينها "عناصر أجنبية"، ومع حلول عام 1923 تمت اتفاقية التبادل السكاني بين اليونان وتركيا، وبموجب
معاهدة لوزان عام 1923، تم تنفيذ تبادل سكاني بين الطرفين، ما أجبر المسلمين الكريتيين على مغادرة الجزيرة والاستقرار في تركيا.
وجاء ذلك رغم أن المعاهدة نصت على استقلال جمهورية تركيا وحماية الأقلية المسيحية الأرثوذكسية اليونانية في تركيا والأقلية المسلمة في اليونان، ومع ذلك، فقد تم بالفعل ترحيل معظم السكان المسلمين في اليونان بموجب اتفاقية تبادل السكان.
ونتيجة هذا التهجير تغيرت التركيبة السكانية في كريت، واختفى التواجد الإسلامي بالكامل تقريبا من الجزيرة، بعد أن كان المسلمون يشكلون نحو 45 بالمئة من السكان في القرن الـ19، وتحولت المساجد إلى كنائس أو هُدمت، وضاعت العديد من المعالم الإسلامية.
أجبر عشرات الآلاف من المسلمين الكريتيين على مغادرة وطنهم، وانتقل معظمهم إلى مدن مثل إزمير وآيدين وأنطاليا في تركيا، وتعرض المسلمون الكريتيون للاندماج القسري في المجتمع التركي، واضطر بعضهم لتغيير أسمائهم وعاداتهم.
ولم يحدث تهجير جماعي لسكان جزيرة كريت إلى فلسطين في أي فترة تاريخية موثقة، إلا أنه بعد سيطرة الدولة العثمانية على الجزيرة عام 1669، انتقل بعض سكانها المسلمين إلى أراضٍ عثمانية أخرى، منها فلسطين.
وتعود فكرة وجود سكان كريت في فلسطين إلى رواية توراتية تقول إن السكان العرب "تسللوا إلى فلسطين من جزيرة كريت اليونانية"، وأن الفلسطينيين شعوب جاءت من وراء البحر، وهو ما ينفيه الباحث والمؤرخ فاضل الربيعي.
النكبة الفلسطينية
عمليات تهجير قسري مستمرة بمختلف الأساليب يتعرض الشعب الفلسطيني منذ عام 1948 بعد قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث تم تدمير مئات القرى الفلسطينية وتهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني من ديارهم ليصبحوا لاجئين.
وخلال فترة الانتداب البريطاني الممتدة ما بين 1920 حتى 1948، دعمت بريطانيا المشروع الصهيوني وفقًا لوعد بلفور 1917، وتم تسهيل الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ما أدى إلى تصاعد عمليات التطهير العرقي ضد السكان الفلسطينيين.
وأصدرت الأمم المتحدة القرار 181، الذي يقضي بتقسيم فلسطين إلى "دولة يهودية" تقام على 55 بالمئة من مجمل أراضي فلسطين، ودولة عربية تقام على 45 بالمئة، مع تدويل القدس، وهو ما رفضه الفلسطينيون والعرب، بينما قبلته المنظمات الصهيونية.
بعد إعلان قيام "إسرائيل" في 14 أيار/ مايو 1948، اندلعت الحرب بين الجيوش العربية والقوات الصهيونية، وقامت عصابات مثل الهاغاناه والإيتسل، والشتيرن بتنفيذ مجازر بحق الفلسطينيين، مثل مجزرة دير ياسين، لإرهاب السكان ودفعهم إلى الفرار، وهو ما أدى إلى تدمير أكثر من 500 قرية فلسطينية وتهجير أهلها قسرا.
وفي الوقت الحالي زاد عدد اللاجئين وأجيالهم المختلفة من 750 ألف إلى حوالي 6 ملايين لاجئ مسجلين لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وهذه الأرقام لا تشمل الفلسطينيين الذين هُجِّروا أو نزحوا ولم يتم تسجيلهم لدى الوكالة.
ورغم ذلك فمازال العديد من الفلسطينيين يتواجدون في بيوتهم داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وأصبحوا "مواطنين في دولة إسرائيل" يُعرفون أيضًا بأسماء "فلسطينيي وعرب 48، أو فلسطينيي وعرب الداخل".
في الأمريكتين
منذ بداية القرن الخامس عشر، بدأ الأوروبيون سواء من إسبانيا أو البرتغال أو إنجلترا وفرنسا وغيرها بالوصول إلى الأمريكتين، وأدى ذلك إلى احتلال الأراضي التي كان يعيش عليها السكان الأصليون لآلاف السنين.
وساهم انتشار الأمراض المُستوردة من أوروبا مثل الجدري والإنفلونزا، في انخفاض عدد السكان الأصليين بشكل حاد، مما سهل عمليات السيطرة والاستغلال، إضافة إلى وقوع حروب وصراعات عسكرية بين القوات الاستعمارية والسكان الأصليين.
وفرضت القوى الاستعمارية نظاما اقتصاديا واجتماعيا جديدا أدى إلى استعباد السكان الأصليين، ونهب مواردهم الطبيعية، ما اضطر الكثير منهم إلى النزوح أو الترحيل من أراضيهم.
في
الولايات المتحدة، اعتمدت سياسات حكومية صريحة لطرد السكان الأصليين من أراضيهم، أبرزها ما يُعرف بـ"درب الدموع - Trail of Tears" في عشرينيات القرن التاسع عشر، حيث تم ترحيل آلاف الهنود إلى مناطق بعيدة عن أراضيهم التقليدية.
ودرب الدموع هو سلسلة من عمليات التهجير القسري لشعوب أمريكا الأصليين من وطنهم الأصلي في جنوب شرق الولايات المتحدة إلى المناطق الغربية (غربي نهر المسيسيبي) التي اعتبرت أراضي هندية، حيث قامت السلطات الحكومية بعد إقرار قانون إزالة الهنود في عام 1830 بتهجيرهم.
وعانت هذه الشعوب التي تم تهجيرها من العراء والمرض والجوع في طريقها إلى المحمية الجديدة التي تم تعيينها لهم وتوفي العديد قبل الوصول إلى وجهتهم، وشملت عمليات التهجير القسري أفراد قبائل وشعوب شيروكي ومسكوكي وسيمينول وتشيكاساو وتشوكتاو وبونكا، بحسب ما ذكر موقع "
شيروكي نيشين".
وفرضت الدول الناشئة في الأمريكيتين سياسات تهدف إلى دمج السكان الأصليين في المجتمعات الجديدة، وغالبا ما ترافقت هذه السياسات مع نهب الأراضي وفرض النظم الإدارية والتعليمية التي أدت إلى فقدان الهوية الثقافية واللغوية.
وسرقت الحكومات والمستعمرون أراضي السكان الأصليين، ما أثر بشكل مباشر على وسائل معيشتهم التقليدية مثل الصيد والزراعة، بينما انخفاض عدد السكان نتيجة للأمراض والحروب والتهجير القسري.
وأدى التهجير إلى تآكل الهوية الثقافية للسكان الأصليين، حيث فقد الكثير منهم ارتباطه بتراثه وتقاليده، ما أثر على نقل المعرفة والقيم عبر الأجيال، بينما لا تزال آثار التهجير والاستعمار تؤثر على السياسات والهوية والنزاعات الاجتماعية في العديد من دول الأمريكيتين، مع مطالب مستمرة بإعادة الحقوق والاعتراف بالأراضي التقليدية.
تهجير الأرمن
وهي أحداث جرت داخل الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، بدءًا من عام 1915، وقد تضمنت عمليات ترحيل قسرية ومذابح وممارسات عنيفة أدت إلى وفاة ما يقدر بنحو 1.5 مليون أرمني.
وكان الهدف من السياسات العثمانية تقليل النفوذ الأرمني الذي كان يُعتبر تهديدا داخليا للدولة العثمانية في ظروف الحرب العالمية الأولى، خاصة مع العلاقات القوية التي تربط الأرمن بالقوى المتحالفة مع روسيا.
وأدت هذه الأحداث إلى انخفاض حاد في عدد الأرمن داخل الأراضي التي كانت تخضع للحكم العثماني، مما تسبب في تراجع كبير للحياة الثقافية والدينية والاجتماعية للأرمن في المنطقة، واضطر الآلاف من الأرمن إلى الفرار من ديارهم، ما أدى إلى انتشار جاليات أرمنية كبيرة في دول أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية، وأماكن أخرى.
وعلى الرغم من التهجير والاضطرابات، تمكن الأرمن في الشتات من الحفاظ على لغتهم وثقافتهم وتراثهم عبر تأسيس جمعيات ومنظمات ومدارس كاثوليكية وأرمنية، وبعد عقود من التشتت والمعاناة، تمكن الأرمن من إقامة دولة مستقلة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، وهو ما ساهم في استعادة جزء من الهوية والسيادة الوطنية.
وأسس الأرمن قبل ذلك في الشتات مؤسسات وجمعيات تعنى بالحفاظ على تراثهم، وتنظيم فعاليات ثقافية، وتعزيز العلاقات مع الدول المضيفة، بحسب ما ذكرت مؤسسة التوثيق الأرمنية.
وتؤكد دولة تركيا الحالية رفضها الشديد لاتهامها بالمسؤولية عن الإبادة الجماعية للأرمن، وأن "المعاناة حدثت لكلا الجانبين الأرمني والتركي أثناء حرب عام 1915".
"آرداخ"
اللفظ الشيشاني للتهجير القسري الذي نفذته السلطات السوفييتية في عام 1944 خلال فترة حكم جوزيف ستالين، بالإضافة إلى أحداث النزاع الحديث التي أدت إلى نزوح جماعي من السكان خلال الحروب في التسعينات وأوائل القرن الحادي والعشرين.
وفي 23 شباط/ فبراير 1944، اتُهم الشيشانيون والإنغوش بارتكاب أعمال تعاون مع الأعداء (القوات النازية) خلال الحرب العالمية الثانية، واستُخدم هذا الاتهام لتبرير قرار القيادة السوفيتية بقيادة ستالين بنقلهم قسرًا من أراضي شمال القوقاز إلى مناطق أكثر بعدُمًا في آسيا الوسطى مثل كازاخستان وغيرها.
وخلال هذه الفترة تم اعتقال آلاف الشيشان والإنغوش وإجبارهم على المشي لمسافات طويلة تحت ظروف مناخية قاسية، مع قلة الموارد الغذائية والخدمات الطبية، وقد أدت هذه العملية إلى مقتل نسبة كبيرة من السكان خلال الرحلة أو في المعسكرات التي وُضعوا فيها.
وقُدر عدد الضحايا بعدد كبير، بينما جرى تدمير النسيج الاجتماعي والثقافي، وفقد الكثير من الأسر والقرى تاريخها وتراثها بسبب الفصل القسري والتهجير المفاجئ.
وبعد وفاة ستالين في أوائل الخمسينيات، سُمح لبعض الناجين بالعودة إلى القوقاز في عام 1957، لكن كثيرًا من العائلات فقدت ممتلكاتها وهويتها الأصلية.
وتكررت هذه العمليات خلال فترة التسعينيات في الفترات ما بين 1994 حتى 1996 و1999 حتى 2000، وشهدت جمهورية الشيشان حالة من الصراع المسلح مع الحكومة الفيدرالية الروسية، مما أسفر عن نزوح واسع للسكان داخليًا وخارجيًا.
ونتيجة هذه الأحداث قتل آلاف الأشخاص وتدمرت البنية التحتية، وجرى وتفكك النسيج الاجتماعي، مما أدى إلى أزمة إنسانية مع استمرار نزوح السكان حتى الوقت الحالي في بعض المناطق.
زلا يزال العديد من الشيشانيين يعانون من آثار التهجير سواء من ناحية فقدان الهوية أو النزاعات الاجتماعية والاقتصادية، في حين تسعى السلطات إلى إعادة إعمار المناطق المتضررة ومحاولة إعادة توطين السكان.
ورغم التهجير والمعاناة، حافظ الشعب الشيشاني على تقاليدهم ولغتهم وهويتهم الثقافية من خلال الأسر والمجتمعات في الشتات وحتى بعد العودة إلى وطنهم، بينما أصبحت أحداث التهجير جزءا من الذاكرة الوطنية والسياسية للشعب الشيشاني، حيث تُنظم فعاليات ومهرجانات ومؤتمرات لتوثيق هذه التجربة وتقديمها للعالم.
رغم بعض الجهود لإعادة بناء المناطق المتضررة، إلا أن العديد من الشيشان لا يزالون يواجهون تحديات اجتماعية واقتصادية تتعلق بفقدان الممتلكات والحقوق، مما يجعل قضية التهجير محور نقاش سياسي واجتماعي مستمر في المنطقة.
ميانمار
تُعتبر جماعة الروهينغيا المسلمة أقلية تواجه تمييزا منهجيا وعمليات واسعة من التهجير القسري في ميانمار، نظرا لأن قانون البلاد التي تقع في جنوب شرق آسيا لا يمنحهم الجنسية ويُشار إليهم غالبًا بأنهم لاجئون داخليون، مما يجعلهم محرومين من الحقوق الأساسية والمشاركة السياسية.
ومنذ عقود تتعرض جماعة الروهينغيا لحملات قتل وعنف ممنهجة من قبل القوات العسكرية والجهات المتطرفة ذات الطابع البوذي، والتي تُصوّرهم كعناصر تهدد الوحدة الوطنية. وقد بلغت حدة هذه الموجات ذروتها في حملات قمع شديدة، خاصة في عام 2017، ما أجبر الآلاف على الفرار من ديارهم.
وتُفاقم السياسات الحكومية والتمييز الاجتماعي من أزمات اقتصادية تعاني منها المناطق التي يعيش فيها الروهينغيا، ما يدفع الكثيرين إلى البحث عن حياة أفضل خارج حدود ميانمار.
واضطر آلاف الروهينغيا إلى الهروب من ميانمار بحثًا عن الأمان، مما أدى إلى تشكل جاليات كبيرة في دول مجاورة، خاصة في بنغلاديش ضمن في مخيمات كبيرة أبرزها مخيمات تُمسى "كوبان"، وأماكن أخرى في جنوب آسيا.
رغم الظروف الصعبة، حافظت الجاليات النازحة على تراثها الثقافي والديني من خلال إقامة مدارس ومراكز ثقافية ودينية تُعنى بنقل الهوية واللغة والتقاليد إلى الأجيال الجديدة، وقد ساهم هذا التماسك الاجتماعي في دعم الصمود النفسي والمعنوي للأفراد.
رواندا
تعرّضت جماعة التوتسي في رواندا لحدث مأسوي وغير مسبوق خلال الإبادة الجماعية عام 1994، حيث استهدفت حملات قتل ممنهجة أعدادًا كبيرة منها من قبل عناصر متطرفة من الجماعة "الهوتو".
واشتعلت التوترات العرقية بين التوتسي والهوتو منذ عقود نتيجة للصراعات السياسية والتفرقة التي كانت تمارسها الإدارة الاستعمارية السابقة، ما ساهم في تأجيج النزاعات بعد الاستقلال.
خلال فترة قصيرة من الزمن (حوالي 100 يوم)، شهدت رواندا خلال فترة التسعينيات عمليات قتل جماعي شملت استهداف التوتسي وعناصر من الهوتو المعتدلين الذين عارضوا التطرف، وقد أدت هذه الحملة إلى مقتل ما يقرب من 800 ألف شخص، حيث كانت الجماعة التوتسية هدفا رئيسيا.
ولم تنته عمليات القتل إلا بعد أن تمكن المتمردون التوتسي المسلحون، الذين غزوا البلاد من بلدان مجاورة، من هزيمة الهوتو ووقف الإبادة الجماعية في تموز/ يوليو 1994.
وكان لـ"إسرائيل" دورا كبيرا في هذه الإبادة، ففي عام 1994، رُصدت حركة طائرات مسجّلة لدى بلغاريا وأوكرانيا، في مطار عاصمة الكونغو جوما، الذي يقع على الحد الفاصل بين رواندا والكونغو (زائير سابقا)، حيث كانت تهبط في الليل لنقل السلاح والذخيرة لأيدي القوات المسلّحة في قبيلة الهوتو.
وكانت مخازن السلاح قد أقيمت على طول الحدود بهدف استيعاب مخزون الأسلحة، ومن ضمنها المخازن التي هبطت فيها أربع طائرات عام 1994 محمّلة بالقنابل اليدوية وبندقيات "عوزي" وذخائر من صنع الصين والاتحاد السوفييتي، وجلّ هذه الأسلحة استولى عليها جيش الاحتلال من حربه مع مصر في 1973، ثم تم نلقها إلى ألبانيا، ومن ألبانيا إلى جوما، بحسب تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" عام 2018.
واعترف أحد الطيارين الأربعة الذين كان لهم دور في هذه الرحلة الجوية أمام لجنة تحقيق "أمنستي إنترناشنال" أنه ضُلّل عندما نقل 35.6 طن من الأسلحة، واعتقد حينها أنها ستُعطى لجيش الكونغو، لكنها في الحقيقة نُقلت لقوات قبيلة الهوتو الرواندية المسلّحة على الحدود.
في أعقاب الإبادة، نجحت حركة تحرير رواندا بقيادة بول كاغامي، التي يتألف قاعدتها الأساسية من التوتسي والعديد من الهوتو المعتدلين، في السيطرة على البلاد. وقد أسفر ذلك عن إنهاء الفظائع وإرساء قواعد حكومة جديدة تركز على الوحدة الوطنية وإعادة البناء.
وعلى الرغم من المأساة التاريخية، فقد أصبح العديد من التوتسي جزءا من الجهاز الحكومي والسياسي في رواندا، وقد ساهم ذلك في إعادة بناء البلاد وتحقيق نمو اقتصادي ملحوظ خلال العقود الماضية.
الإيغور
تشهد منطقة شينجيانغ في الصين منذ عدة سنوات جرائم وممارسات قمعية تشمل اعتقالات جماعية وقيودا صارمة على الحريات الدينية والثقافية، إلى جانب تقارير عن أعمال عنف وقتل واستهداف ممنهج لأفراد من الأقلية الإيغورية.
وأكدت تقارير عدة من منظمات مثل "هيومن رايتس ووتش" و"أمنستي إنترناشنال" أن السلطات الصينية قامت باعتقال أعداد كبيرة من الإيغور، ويُقدَّر أن عددهم قد تجاوز المليون، وذلك في ما يُعرف بمعسكرات "التأهيل والتربية" أو "المعسكرات التعليمية التأهيلية".
وجاء ذلك ضمن "إشكالية صينية كبيرة" تتعلق بمنع ممارسة الشعائر الدينية واللغة والعادات الثقافية الخاصة بالإيغور، حيث تُفرض سياسات تفرض "الاستيعاب الثقافي" بهدف تغيير الهوية الدينية والثقافية.
وتركز معظم التقارير الحقوقية على الاعتقالات والتعذيب والضغط النفسي والاجتماعي، توجد أيضا تقارير وشهادات فردية تتحدث عن حالات قتل واسعة وظروف صعبة تعرض لها بعض الأسر والمجتمعات.
تُشير بعض التقارير إلى إجراءات إدارية صارمة، منها نقل أفراد من الأسر الإيغورية إلى مناطق أخرى داخل شينجيانغ، وهو ما يصفه الحقوقيون بعملية تهجير تساهم في تغيير التركيبة السكانية للمنطقة.
ونتيجة ذلك هرب عدد كبير من الإيغور من منطقة شينجيانغ بحثا عن حرية ممارسة دينهم وثقافتهم، فأسسوا مجتمعات شتاتية في بلدان عدة مثل تركيا وكندا والولايات المتحدة وأوروبا، وهذه الجاليات تعمل على تسليط الضوء على معاناتهم وتوثيق التجاوزات.
بالرغم من القيود الصارمة، يحاول بعض الإيغور الحفاظ على هويتهم من خلال ممارسات دينية وسرية ونقل تراثهم الشفهي والثقافي بين الأجيال، رغم المخاطر المترتبة على ذلك.
وساهمت الجهود الدبلوماسية والضغط من قبل منظمات حقوق الإنسان والجهات الدولية في تسليط الضوء على القضية، ما أسهم في وضع بعض الضغوط على السلطات الصينية، وإن كانت النتائج على الأرض لا تزال محدودة جدا.