ملفات وتقارير

هل يمكن أن تعرقل الصين خطة ترامب بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة؟

الصين تتجه نحو الصدام التجاري الحاد مع الولايات المتحدة- جيتي
تشير تقارير صحفية إلى إمكانية نشوب معركة تجارية جديدة بين أكبر اقتصادين في العالم، على خلفية الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الصين.

وتشهد العلاقات الأمريكية الصينية توترا جديدا مع إعلان الرئيس الأمريكي فرض رسوم إضافية 10 بالمئة على السلع المستوردة من الصين، ما دفع صحيفة "إل باييس" لتوقع نشوب معركة تجارية ثانية بين أكبر اقتصادين في العالم، بعد المعركة التجارية التي بدأت خلال ولاية ترامب الأولى في عام 2018.

تلك التقارير دفعت مراقبين لطرح التساؤل حول موقف بكين من خطة ترامب التي أعلنها 25 كانون الثاني/ يناير الماضي، بتهجير 1.5 مليون فلسطينيي لمصر والأردن، ومدى تعارض أهداف الجانب الاقتصادي لخطط التهجير وإحياء مشروع قناة "بن غوريون"، مع خطط الصين التجارية عبر "طريق الحرير"، وحجم قدرة بكين على عرقلة ملف إخلاء غزة.

"الجانب الخفي من خطة ترامب"
وقدمت الخبيرة المصرية بالشؤون السياسية الصينية والآسيوية، أستاذة العلوم السياسية بجامعة بنى سويف، الدكتورة نادية حلمي، تحليلا نُشر الاثنين، بموقع "Modern Diplomacy"،  حمل عنوان: "كيف يمكن لخطة تهجير غزة أن تهز مبادرة الحزام والطريق الصينية وقناة السويس عبر ميناء بن غوريون الإسرائيلي".

وأشار التحليل إلى أن جانبا من خطة ترامب يهدف إلى نهب ثروات قطاع غزة، وللتمهيد "لإقامة ميناء (بن غوريون) عبر ضم ميناء غزة إليه بعد تفريغ سكانه، وربطه بالهند وأوروبا، لإفشال المشروع الصيني للحزام والطريق، ولعمل تفريعة أخرى موازية لقناة السويس المصرية، وجعل إسرائيل تتحكم في كافة خطوط الملاحة البحرية العالمية والنقل البحري، عبر ميناء بن غوريون".

وأضاف: "ولعل هذا هو السبب الرئيسي والحقيقي الذي أدركته الصين"، مشيرا إلى أنه "بحسب الدوائر الصينية، فإن هذا المشروع الإسرائيلي البديل بدعم سخي من أمريكا خلال قمة مجموعة السبع الاقتصادية الكبرى، وبمشاركة ومباركة الهند والدول الأوروبية الكبرى؛ كان من أبرز توتر العلاقات بين بكين وتل أبيب".

وقالت الأكاديمية المصرية: "هكذا تحارب الصين وبشدة خطة تهجير الفلسطينيين، لإبطال (مشروع بن غوريون)، باعتباره المخطط السرى الأخطر الذي تحاول الصين فضح أساليبه المقنعة بذريعة الحرب أو خلق مكان آمن لمعيشة المدنيين، وفق ادعاء ترامب".

وأكدت أن "الحقيقة الاستخباراتية الوحيدة في تلك اللعبة الاستراتيجية والدولية الخطيرة، وفقا لإدراك المؤسسات الاستخباراتية الصينية، المخطط الخطير، بإشراف أمريكي للاستيلاء على ميناء غزة بالكامل، وربطه بميناء بن غوريون".

ويرى التحليل أن سبب اندلاع حرب غزة، "استخباراتي واقتصادي بحت"، وسبب عدم إدانة الصين وروسيا لحركة حماس دوليا وأمميا، وإبطالهما محاولات أمريكا وإسرائيل والغرب، إدراج الحركة كمنظمة إرهابية دوليا؛ "نظرا لإدراك الصين وروسيا التام، بأن حماس ورقة الضغط واللعبة الهامة معهم لعرقلة مشروع إسرائيل وأمريكا".

وأوضح أنه "لذلك جاء الرفض الصيني التام لكافة محاولات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة؛ منعا لاستحواذ إسرائيل بالكامل على ميناء غزة"، مشيرا لاستضافة بكين عدة مرات فصائل المقاومة الفلسطينية وبينهم قادة حركة الجهاد الإسلامي، التي تصنفها واشنطن جماعة إرهابية.

وألمح إلى تصدي مؤسسات الدولة الصينية ومراكزها الفكرية والإعلامية لمخطط ترامب، ووصفها بأنها "جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب"، بجانب إدانة إسرائيل بالمحافل الدولية والقانونية".

وكشف أن "بكين وضعت عدة خطط بديلة وطويلة الأمد؛ منعا وضمانا لعدم استيلاء إسرائيل على ميناء غزة بالكامل بعد طرد سكانه"، ولذلك، أشار إلى "أهمية توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة تحت حكومة واحدة، كخطوة نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة"، "مع التحذير الصيني من خطورة تمدد الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة".

ولفت إلى الرفض الصيني التام للمقترح الإسرائيلي بالتهجير لسكان غزة إلى سيناء المصرية، نهاية 2023،  ومساندة بكين بقوة موقف "فيليب لازاريني" المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).

وحول قراءتهم لتحليل الأكاديمية المصرية، وتقديرهم لاحتمالات أن تكون بكين المطرقة التي تحطم خطط ترامب بالتهجير، ورؤيتهم لما بيد الصين من أوراق واحتمالات أن تنضم لها روسيا، تحدث أكاديميون وخبراء ومحللون مصريون.

"دراما مصطنعة"
وقال الخبير الاقتصادي المصري والمستشار الأممي السابق الدكتور إبراهيم نوار: "حقيقة لا أعرف مصدر هذا الكلام"، موضحا في حديثه لـ"عربي21"، أن "مشروع ممر الشمال وافقت عليه قمة الدول السبع الكبرى في طوكيو العام الماضي، وهو في جوهره مشروع إسرائيلي لا أمريكي".

وأكد أن "ميناء بن غوريون المقترح لنقل التجارة من الهند عبر الخليج وغزة إلى أوروبا مشروع قديم، الهدف منه دمج إسرائيل في الشرق الأوسط، وخلق ممر جديد للتجارة بين الشرق والغرب".

وتابع: "بالطبع إحدى النتائج الجانبية لذلك تقليل الأمد لقناة السويس"، مستدركا: "لكن يجب أن نلاحظ هنا أن إيران يمكن لها أن تعطل هذا المشروع وتصيبه بالشلل، بصرف النظر عن مدى نجاح برنامجها النووي".

وواصل نوار قراءته، قائلا: "لاحظ أيضا وجود ممر آخر للتجارة في الشمال بين شرق آسيا وأوروبا عن طريق القطب الشمالي، وهو ممر بدأ استخدامه بالفعل".

ولفت إلى أنه "هناك بالفعل مشروعات كثيرة منافسة لقناة السويس، منها المشروع الإسرائيلي، بعيدا عن هذه الدراما المصطنعة".

ومضى يؤكد أن "الأمر يتوقف على قدرة الأطراف المختلفة، ومنها الصين وروسيا وإيران (ممر الشمال- الجنوب) على تطوير مشروعها وجذب نسبة أكبر من حركة النقل العالمية".

"لا يعدو كونه دورا خطابيا"
وقال الباحث والأكاديمي المصري الدكتور محمد الزواوي، إن "الواقع يشير إلى أن الدور الصيني في العلاقات الدولية لا يزال هامشيا، ولا يُرى أي أثر له، حتى فيما يتعلق باستخدامها لـ(الفيتو) داخل مجلس الأمن، فضلا عن شبكة تحالفاتها المحدودة".

المحاضر في معهد الشرق بجامعة سكاريا التركية، أكد لـ"عربي21"، أن "الصين تُعرف نفسها كقوة تجارية أكثر من كونها دولة قائدة في النظام الدولي أو حتى من القوى العظمى عسكريا، بالرغم من قدراتها المتصاعدة، ومن ثم فإن دورها في التأثير على عملية تهجير الفلسطينيين لا يعدو كونه دورا خطابيا أكثر من كونه دورا مؤثرا"، وفق قوله.

ومن وجهة نظر الزواوي، فإن "الدور الأكثر تأثيرا سيكون هو الدور الفلسطيني ذاته، برفض الشعب أي قرارات تهجير له، ومن ثم تستطيع مصر والأردن دعم والبناء على ذلك الدور وكافة الدول العربية الأخرى، فتهجير شعب بأكمله من أرضه هو جريمة ضد الإنسانية، وهو تفكير بالتمني أكثر من كونه تفكيرا عقلانيا".

ولفت إلى أن "ترامب يريد أن يُحدث فرقعات إعلامية فور جلوسه في البيت الأبيض؛ ليعزز صورة الرجل القوي، باتخاذ قرارات نارية في مختلف الاتجاهات، حتى مع أقرب حلفائه وجيرانه".

وأكد أن "على مصر والأردن البناء على القضية القانونية والحقوقية والإنسانية التي يجب أن يقودها الشعب الفلسطيني ذاته، فهو صاحب المصلحة والقرار النهائي، ويمكن في تلك الحالة الاستعانة بالدول الداعمة مثل الصين لتعزيز الزخم الإعلامي والرفض الدولي لتلك الجريمة ضد المدنيين".

"الصين وتواؤمات الشرق الأوسط"
وطالما أعلنت الصين عن رفضها لجرائم الإبادة الدموية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، يوميا، والتي أودت بحياة 47 ألفا و540 شهيدا منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بحسب "صحة غزة".

وبعد أسبوع من "طوفان الأقصى"، أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي، لنظيره الإسرائيلي يسرائيل كاتس، على ضرورة وضع حد لـ"الكوارث الإنسانية في غزة"، ليعود وانغ يي، في شباط/ فبراير 2024، للتأكيد على رفض التهجير.

وقال إن "تشريد أجيال من الشعب الفلسطيني، وعدم تمكينهم من العودة إلى ديارهم حتى يومنا هذا، هو الظلم الأطول أمدا في العالم"، فيما قال مندوب الصين بالأمم المتحدة فو جونغ، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، إن مجلس الأمن لم يتمكن من أداء واجباته بفعالية تجاه القضية الفلسطينية".

وفي 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، طرح موقع "بي بي سي" سؤالا حول أدوار الصين وروسيا في الملف الفلسطيني، مشيرا إلى أنهما لا يعتبران حماس منظمة إرهابية، لكن مراقبين أكدوا أن هناك هدفين رئيسين لبكين وموسكو من أي دور لها بالملف، وهو "اكتساب النفوذ الدولي، ومواجهة القوة الأمريكية والغربية".

ونقلت عن الباحث في معهد "تشاتام هاوس" الأمريكي أحمد أبودوح، قوله إنه منذ تولي الرئيس شي جين بينغ عام 2012، يراعي أن يجسد الموقف الصيني من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني "خدمة المصالح العملية للصين".

ويشكل الشرق الأوسط أهمية كبيرة لمشروع مبادرة الحزام والطريق، خاصة أن الصين أكبر مستورد للنفط في العالم، ونحو نصف وارداتها من الشرق الأوسط والخليج العربي.

ووفق ما تؤكده الكاتبة الباكستانية مهويش كاياني، في تقرير بموقع "موديرن ديبلوماسي" الأمريكي، فإن بكين تسعى عبر مشروع الحرير للوصول إلى أسواق جديدة وتأمين سلاسل التوريد العالمية، مشيرة لزيادة الصين من مشاركتها بالشرق الأوسط بالأعوام القليلة الماضية.

وقالت الباحثة إن الشرق الأوسط من أكثر المناطق أهمية بالنسبة للصين، لأنه يقع على مفترق طرق 3 قارات مهمة، أوروبا وأفريقيا وآسيا، وكل هذه القارات مرتبطة بمشروع مبادرة الحزام والطريق الصيني، بجانب بحار المتوسط، والأحمر، والعرب، وقزوين، والبحر الأسود، ومضائق باب المندب، وهرمز، والبوسفور والدردنيل.

أشارت لوجود علاقات صينية إسرائيلية وشراكات تجارية واسعة، قائلة: "هناك أداة دبلوماسية تبنتها الصين لتسهيل الوقوف على الحياد، وهي استخدام دبلوماسية الشراكة، وليس دبلوماسية التحالفات"، في إشارة إلى عدم تورطها في النزاعات الإقليمية في المنطقة.

هل يراجع السيسي وضعه مع الصين؟
وتميزت علاقات مصر والصين خلال عهد رئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي، بالتعاون اللافت في مجالات التجارة والاقتصاد والتسليح العسكري والاستثمار والشراكة في مشروعات عملاقة في مصر بمجالات البناء والإنشاءات وإنتاج الطاقة والتصنيع.

وتعد الصين أكبر شريك تجاري لمصر على مدار 12 عاما متتالية، وتشهد استثماراتها في مصر نموا متزايدا، فيما يصف البعض السنوات من (2014- 2024)، العقد الذهبي في علاقات البلدين.

وتمثل قناة السويس أهمية كبيرة في نقل البضائع الصينية إلى أوروبا، كما أن موقع مصر الاستراتيجي يضعها في قلب مبادرة الحزام والطريق.

لكنه مؤخرا وفي 28 كانون الثاني/ يناير الماضي، كشف موقع "الشرق مع بلومبيرغ"، عزم مصر إعادة طرح مشروع صيني كبير في مصر على مستثمرين آخرين، وذلك بعد سحبه من شركة صينية لعدم تدبير التمويل اللازم والبالغ استثماراته الأولية 2.3 مليار دولار.

وربط نشطاء مصريون بين سحب مصر مشروع إنشاء محطة توليد كهرباء بنظام "الضخ والتخزين" في جبل عتاقة بمدينة السويس من شركة "ساينو هايدرو" الصينية رغم تعاقدها عليه عام 2015، وبين تقديم حكومة السيسي، تنازلات لإرضاء الرئيس الأمريكي، بالتزامن مع طرحه ملف التهجير، وفرضه عقوبات اقتصادية على الصين.

وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، قال الناشط المصري أشرف أيوب: "سبق الإعلان عن الاتصال بين السيسي وترامب، السبت الماضي، نشرت وكالة (بلومبيرغ)، خبرا يؤكد أن "مصر تسحب مشروعا من شركة صينية".

وأكد أيوب لـ"عربي21"، أن الحكومة المصرية لكي تقلل من ضغوط ترامب عليها قررت إنهاء تعاقد الشركة الصينية في ملف الكهرباء بالبحر الأحمر، رغم أنه اتفاق موقع منذ 10 سنوات".

وأشار إلى أنه "كما تفعل مصر فعلت بنما بإلغاء بعض تعاملاتها مع الصين نتيجة لضغوط ترامب عليها"، مبينا أننا "في مصر أيضا نبتعد خطوة للوراء عن بكين، مع خفض صوت الإعلام المصري في الحديث عن ملف التهجير".

وتساءل عن الذي سيتم "التنازل عنه من قبل مصر أيضا، بعد الانسحاب من بعض علاقاتها مع الصين".