أكدت صحيفة "معاريف" العبرية، أنّ
الاقتراب السعودي من
إيران يثير قلقا إسرائيليا وأمريكيا، مستدركة: "لكن نظرا
للموقع الجيوسياسي القوي للرياض ولولي العهد محمد بن سلمان، يوجد هناك فرصة لإنشاء
توازن قوي جديد في المنطقة".
وأوضحت الصحيفة أنه "في ظل تصاعد الصراع ضد
إيران وتصاعد الحرب في قطاع غزة، لفتت
السعودية الأنظار إليها بعد أن استضافت هذا
الأسبوع في الرياض، مؤتمر الاستثمار العالمي، الذي جذب اهتماما هائلا، إلى جانب
مشاركة كبار الشخصيات في عالم التكنولوجيا والاستثمار".
وتابعت: "توافد الآلاف من جميع أنحاء العالم،
بما فيهم رؤساء شركات مالية، وقادة صناعات، وشركات تكنولوجيا عالمية (مثل ألفابيت،
تيك توك، أمازون، ومايكروسوفت). يعكس قوة السعودية ومدى علاقاتها التجارية، ورؤية
ولي العهد الطموحة والحالمة، وكذلك الثقة الكبيرة في قدرة محمد بن سلمان على تحويل
السعودية إلى مركز مالي عالمي".
واستكملت بقولها: "بعيداً عن ذلك، فإن حجم
الحدث، وموقعه، وتوقيت انعقاده، وسط الحرب وبعد عقد المنتدى العربي الإسلامي الذي
عُقد هناك في الـ 11 من الشهر، وتناول "العدوان
الإسرائيلي على غزة ولبنان"،
يعكس الأهمية الكبيرة التي توليها الرياض لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي".
وذكرت الصحيفة أن "تهدئة التوترات في الشرق
الأوسط ومنطقة البحر الأحمر هي شرط حاسم بالنسبة للسعودية، للحفاظ على استقرار
النظام وبيت المال السعودي، وكذلك لضمان تدفق الاستثمارات الأجنبية، والخبرات،
والتكنولوجيا إلى المملكة، ما يؤثر بدوره على سياسة السعودية الخارجية والنفطية،
والتي لها انعكاسات على الاقتصاد العالمي والأسواق العالمية".
وأشارت إلى أن "السعودية رغم كونها أكبر اقتصاد
في الشرق الأوسط، وقيامها بقيادة عدد من الاتفاقات الاقتصادية والتعاون الأمني –
بما في ذلك عملية مصالحة إقليمية مع إيران، بجانب الحوار السياسي مع الولايات
المتحدة واحتمال تطبيع العلاقات مع إسرائيل.. تواجه القيادة السعودية مؤخراً عجزاً
كبيراً في الميزانية الوطنية. هذا العجز بلغ 21.6 مليار دولار في 2023 مقارنة بفائض
قدره 27.68 مليار دولار في 2022".
ولفتت إلى أنه "في هذا السياق، وبينما تسعى
لتوطيد مكانتها الجيوسياسية كقوة إقليمية ذات تأثير واسع على المستوى العالمي –
باعتبارها ثاني أكبر منتج للنفط في العالم، حيث أنتجت 11.13 مليون برميل من النفط
الخام يومياً في 2023 وتحتفظ حالياً بـ 17% من احتياطيات النفط العالمية – اضطرت
السعودية إلى "إعادة حساب المسار" وتغيير نهجها وأولوياتها".
وبيّنت أنه "بمعنى آخر، تقليص الميزانيات،
وتغيير وتأجيل بعض المشاريع التي تهدف إلى تنفيذ "رؤية 2030"، ومشاريع
تقدر تكلفتها بـ 1.25 تريليون دولار في مجالات البناء والعقارات والطيران والطاقة
الخضراء (مثل مدينة نيوم المستقبلية أو مشروع الرياض للرياضة والترفيه في القدية،
على شواطئ البحر الأحمر)".
وأكدت أن هذه التحولات تأتي من بين أمور أخرى، بسبب
التباطؤ الاقتصادي العالمي، وتخفيض الإنتاج النفطي السعودي، ما أدى إلى تراجع كبير
في إيرادات أرامكو (شركة النفط الوطنية)، حيث انخفضت إيراداتها من 160 مليار دولار
في 2022 إلى 123 مليار دولار فقط في 2023 (..).
ونوهت إلى أنه رغم تأخر عملية
التطبيع بين السعودية
وإسرائيل بسبب الحرب في غزة، فإن توسيع الصراع ضد إيران والخوف من الهيمنة
الإسرائيلية في المنطقة، قد يقرب عمليا الرياض من طهران.
وتابعت: "لا تقتصر السعودية على استغلال الوضع
الإقليمي القائم والتحرك بقوة لتعزيز فكرة "الدولتين" وإقامة دولة
فلسطينية مستقلة، بل إن دفعها بالقضية الفلسطينية، التي تحظى منذ 7 أكتوبر بدعم
شعبي واسع في العالم الإسلامي، بدأت بالفعل في جني "أرباح" استراتيجية
هامة. هذا يتيح لها توسيع وتعزيز تأثيرها الإقليمي، وكذلك استغلال الاتفاقات
والتفاهمات التي أبرمتها حتى الآن للتعاون الاستراتيجي مع الدول العربية،
والولايات المتحدة، ودول أوروبا، وكذلك مع إيران، بالإضافة إلى الصين وروسيا التي
تدعمها".
وشددت على أن "ذلك يأتي في وقت يعزز فيه تصاعد أزمة
الشرق الأوسط من خوف طهران من العزلة الإقليمية، ما يدفعها إلى تقوية علاقاتها
الدبلوماسية والاقتصادية مع السعودية ودول الخليج، مع تقديم ضمانات أمنية مهمة.
هذه الضمانات حاسمة، ويبدو أن أهميتها بالنسبة لولي العهد السعودي تفوق أي معلومات
استخباراتية قد تقدمها إسرائيل ضد الهجمات الإيرانية".
واستكملت "معاريف" بقولها: "من وجهة
نظر أمريكية وإسرائيلية، فإن التقارب السعودي مع إيران يثير خيبة أمل عميقة إلى
جانب قلق كبير. ومع ذلك، على الرغم من أن جميع الجهود والموارد التي تم استثمارها
حتى الآن في محاولة لتطبيع العلاقات بين الرياض والقدس قد باءت بالفشل، إلا أن النظر
في الجغرافيا السياسية الاستراتيجية على المدى البعيد يشير إلى أن هذه فرصة نادرة
لإنشاء محور علاقات ونظام وتوازن قوى جديد بقيادة السعودية في الشرق الأوسط".
وأشارت إلى أنه "من غير المؤكد ما إذا كان ولي
العهد السعودي سيرفض تحمل دور حاسم وجديد ومهم. دور يخلق في الوقت ذاته حوارًا
دبلوماسيًا وسياسيًا، مع علاقات ثقة وروابط مع كل من إيران وإسرائيل. علاوة على
ذلك، من غير المؤكد ما إذا كان ابن سلمان سيترك الفرصة الحالية تفلت منه لاحتواء
إيران، ودفع إسرائيل من جهة أخرى إلى التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين يؤدي إلى
التطبيع مع السعودية وكذلك تهدئة الشرق الأوسط وإعادة تشكيله".