ببلوغرافيا

الشاعر الأديب فاروق مواسي.. خازن الشعر والأدب والأمين على الهوية الفلسطينية

كان رئيس رابطة الكُتّاب العرب ضمن اتحاد رابطات الكتاب في البلاد (1982 - 1995)، وكان الممثل العربي الوحيد في الإدارة العامة.
عميد الأدب العربي في فلسطين وكبير نقّادهم، وخزانة الأدب والأدباء، وعلاّمة جيله، وبحر الكتابة والتأليف، كنتُ كلما عجزت عن إيجاد مقالة نقدية أو تحليلية لقصائد أحد الشعراء ألجأ إليه، فأجد عنده مقالة سابقة أو قسم من أحد كتبه، حتى إنه "نكش" مجاهيل الشعراء الموهوبين الذين لم ينالوا حظهم في الإعلام. فكان مساهماً رئيسياً بالحفاظ على الأدب الفلسطيني تحت الاحتلال، فكان أميناً على الأدب والهوية الفلسطينية في الأرض السليبة.

ذِكرُ الشاعر في الكتب يخلده ويخلد تراثه بين الشعراء، وهو لم يترك شاعراً فلسطينياً تحت الاحتلال إلا وكتب عنه. خصوصاً أنه كان يملك مكتبة ضخمة تضم كل إنتاج شعراء الأرض المحتلة، مشاهيرهم ومجاهيلهم (ولا أقول كبارهم وصغارهم، فالإعلام غيّر مفهوم الشهرة، من الإبداع والتفوق إلى العلاقات والتسلق). وبذلك ساهم في إبرازهم وتخليد ذكرهم.

أما مؤلفاته، فإن هذا المقال، لا يتسع لمؤلفاته كلها، وهي التي تجاوزت الـ60 كتاباً، بين اللغة والشعر والنقد والأدب والمناهج الدراسية والتاريخ والفن.. فضلاً عن عشرات الأبحاث ومقدمات الكتب التي كتبها غيره.

بالإضافة إلى أنه كان عضواً في عدد من الهيئات والمجالس والمؤسسات ولجان المناهج والتدريس، وعضواً في مجامع اللغة العربية في الداخل.

فمن هو هذا الرائد؟



إنه الدكتور فاروق إبراهيم مواسي، الأديب والناقد والشاعر الفلسطيني. المولود في قرية باقة الغربية عام 1941. درس الابتدائية والإعدادية وحفظ السور القرآنية والأناشيد الدينية في قريته. وانتقل عام 1957 إلى مدرسة الطيبة الثانوية، التي تخرج منها عام 1959.

عمل في الصحافة المحلية، ثم دخل سلك التعليم عام 1961، مدرّساً في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية في المدارس المختلفة، حتى تقاعده عام 1996. في هذه الأثناء، حين كانت هذه مهنته الثابتة، كان يعمل على هامشها على عدة مشاريع في التعلّم والتعليم والتأليف والبحر. فعمل محاضراً في كلية القاسمي في باقة الغربية (1989 - 2018). كان رئيس قسم اللغة العربية فيها (حتى أيلول 2010)، بعد أن كان عميد شؤون الطلبة (2002 - 2006)، ورئيس مركز اللغة العربية فيها (2002 - 2006)..

كذلك حاضَرَ في الكلية العربية في حيفا (1998 - 2007). وكان عضواً في لجنة إعداد منهاج قواعد اللغة العربية في جامعة حيفا (سنة 1984). ونائب رئيس مجمع اللغة العربية في فلسطين المحتلة (2004 - 2007)، ورئيس لجنة المصطلحات في المجمع.

كان رئيس رابطة الكُتّاب العرب ضمن اتحاد رابطات الكتاب في البلاد (1982 - 1995)، وكان الممثل العربي الوحيد في الإدارة العامة. وعند تأسيس اتحاد الكتاب العرب، أصبح نائب الرئيس فيه (1980 – 1993).

شغل منصب رئيس تحرير مجلة "مشاوير" الصادرة عن رابطة الكتاب العرب (1978 - 1980)، وكان عضواً في هيئة تحرير مجلة "الجديد" (1990 - 1993)، وعضواً في مجلس تحرير مجلة (48)، وفي مجلة "مواقف"، ومجلة "جامعة"، والمجلة العبرية "غاغ"، ومجلة "المجمع" في أكاديمية القاسمي.
تخرج من جامعة بار إيلان، في تخصص اللغة العربية والتربية سنة 1970. وفي سنة 1973 واصل دراسته للحصول على الماجستير في الأدب العربي. فتمّ له ذلك سنة 1976 (الرسالة كانت "لغة الشعر عند بدر شاكر السياب وصلتها بلغة المصادر القديمة"). بعد ذلك التحق مواسي بجامعة تل أبيب ونال درجة الدكتوراه (الأطروحة كانت بعنوان "أشعار الديوانيين: العقاد والمازني وشكري").

توفي د. فاروق مواسي في 26 حزيران/ يونيو 2024، عن عمر ناهز السادسة والسبعين إثر وعكة صحية.

تُرجمت أشعاره إلى بعض اللغات، وأبرز ما صدر منها: "الأحزان التي لم تفهم" بالعبرية، و"جئت إليك".

فاز د. مواسي بعدة جوائز أبرزها:

في مسابقة القرآن، وحصل على لقب "حافظ القرآن" سنة 1967.
حاز جائزة التفرغ للإبداع من وزارة الثقافة سنة 1989، ثم ثانية في سنة 2005.
حصل على جائزة توفيق زياد للعام 2001.

مؤلفاته في الشعر

في انتظار القطار (نابلس 1971). غداة العناق (طولكرم 1974). يا وطني (كفر قاسم 1977). اعتناق الحياة والممات (عكا 1979). إلى الآفاق (عكا 1979). من شذور التعب (القدس 1987). الأعمال الشعرية الكاملة (المجلد الأول 1987). الخروج من النهر (كفر قرع 1989). قبلة بعد الفراق (القدس 1993). ما قبل البعد (القدس 1993). لما فقدت معناها الأسماء (نابلس 1996). خاطرتي والضوء (الناصرة 1998). الأحزان التي لم تفهم (بالعبرية كفر قرع 1999). أغاريد وأناشيد (أشعار للصغار الناصرة 2001). الأعمال الشعرية الكاملــة (مجلدان حيفا 2005). أحب الناس (باقة الغربية 2010). أحب الناس وقصائد أخرى (طولكرم 2016).

في الدراسات والنقد

وهذا بعض من كتبه:

عرض ونقد في الشعر المحلي (القدس 1976). الرؤيا والإشعاع، دراسات في الشعر الفلسطيني (القدس 1984). دراسات وأبحاث في الأدب العربي الحديث، دار (دالية الكرمل 1992). قصيدة وشاعر (نابلس 1996). القدس في الشعر الفلسطيني الحديث، (الناصرة 1996). محمود درويش: قراءات في شعره، (كفر قرع 2009).

له في القصة القصيرة: أمام المرآة، (القدس 1985). مرايا وحكايا (قصص قصيرة جداً دالية الكرمل 2006).

أما سيرته فقد أصدرها بعنوان: أقواس من سيرتي الذاتية، (كفر قرع 2002). حوارات كانت معي، (عرعرة 2005).

في النقد الاجتماعي له:

أستاذ قدّ الدنيا (كفر قاسم 1979). حديث ذو شجون (مقالات اجتأدبية، الناصرة 1994).
ومقالات في الاجتماع والسياسة (طولكرم 2016).

وله عشرات الكتب في النحو والصرف والإنشاء والتعبير والنقد وعلوم الاجتماعي..

مختارات من شعره

المفتاح

مِفتاح الدار
يَرسم خارطة الحب إلى الأسرار
يرسم لوحه
من أحلام تحلُم
لتناغي الأطفال
وهو الباقي للجسد المغمور
ويشعُّ بحزن أو قهر أو إيمان
يتعلق مفتاح الدار
بالصبر الماثل بالشوق الهدّار
من أودعه بمكان مأمون
هذا المفتون؟!
المفتاح
يعرف سكرته
حتى لو صدئت سيعالجها
حتى لو فُقِدت يبحث عنها
حتى لو حزنت سيعانقها
ليزيل القهر، يزيلَ اللوعة والأحزان
مفتاح القلب إلى درب الإيمان
مفتاح الموسيقا في عزف الأنغام
ولسان يتحدث عن ظلم الظلاّم
هذا المفتاح
أدمن منتظراً شرب الكأس المرَّه
والقهوة مرَّه
أدلج بالليل وأوغل
وأفاق
قبل طلوع نهار
دق على باب تلو الباب
قال: أنا المفتاح أنا المفتاح
والمفتاح غدا يُكتب في الصفحة
حتى يقرأ من يدعوه إلى
أغنية بين الأطلال
ليغنيَها أو يفديَهـــا
أو يرقص في إيقاع الوجد
وترافقه قيثارة
داعبها بدلال
المفتاح
مسحوا دمعته كل صباح
لمسوا وجعاً في نزف جراح
ظل المفتاح
في الصبر وأصداء الصبر
يرمقنا في عين التسآل
يطرقنا يسألنا إن كان يعود؟!


الجدار (جدار الفصل)

أهنئُكمْ
فهذا السورُ كالأفعى
يُساورُكم
يُحاورُكم
يُجاورُكم
جدارٌ فوق أرضِ سِواكمُ طوقُ
وهل أبهى من الطوق
على العنق؟!
ويلتفُّ
ليرقبَكمْ
نجحتم إذ تكرمتمْ
فشيَّدتم
مساراً للتفاهمِ بَانَ في سِلمِ
ليرعاكم
حصاراً من عطاياكم
لشعبٍ ظل يبحثُ عن صدى حُلمِ
وعن يومِ
وعن درب
وعن لهف
فما أغلى هداياكم!!
أهنئكم
على بُرجٍ غريبٍ لا حياءَ بهِ
يُطلُّ على أراضي الأهلِ في صَلفِ
ويمنعُ كل فلاحٍ بأن يشدو
على أرضهْ
ليزرعَها فيُخصبَها
بكل الوجدِ والشغفِ
فحسبُ الأرضِ ما صنعتْ أياديكم
فهذا السورُ يمتدُّ
ويشتدُّ
قيوداً أو حواجزَ أو متاريسا
ويشهدُ كلُّ من زار الجدارَ بأنَّ تدليسا
بفضلِكمُ
وتأسيسا
بِظنٍ أن ذلك صار مدعاةً لراحتكمْ
أهنئكم
يُعاني الطفلُ يسألُكمْ
بأنْ يجتازَ للغربِ
لكي يُشفى..
تولَّيتم وأعرضتمْ
لتغدو للصغيرِ نهايةٌ أوفتْ
فقد وفّيتمُ حقَّه
بكل اللطفِ والحُبِّ
فما أحلاه! ودَّعكمْ!
أهنئكم
فثمَّةَ حاملٌ وضعتْ
بقرب السورِ والأسلاكْ
تباركُكم وتشكرُكم.
ويشكرُكم أساتذةٌ وطلابٌ
أرحتمْ من دروسٍ وامتحاناتٍ
فما أكرمْ،
تكرُّمَكم
أهنئكم
إذا شِدتمْ
وسيَّجْتمْ
ليسمو الطيرُ أعلى من جدارِكمُ
يغردُ فوقَ عاتي السورِ
لا يسأل
عن الأسمنت، والخيبهْ
تلاحقُكم
سؤالاً إذ غدا يُسأل
ينادي "يا جدارَ الفصل،
هل ترحل" ؟
متى ترحل؟!!

*كاتب وشاعر فلسطيني