حملت زيارة الرئيس السوري في الفترة الانتقالية الحالية أحمد الشرع لتركيا
دلالات مهمة، فكانت
تركيا ثاني دولة يزورها بعد السعودية وبعد استقبال أول زعيم
لدولة وهو أمير قطر في دمشق، في رمزية واضحة على الحرص على
علاقات متميزة مع الدول
الثلاث لاعتبارات مفهومة.
كما شكلت الزيارة فرصة لتثبيت المواقف ووضع الأرضية للمسار المستقبلي
للعلاقات بين البلدين، ولذلك فقد أورد كل من الشرع وأردوغان في المؤتمر الصحفي
المشترك لهما، إشارات مهمة على هذا الصعيد؛ بتأكيد وحدة الأراضي السورية،
ومكافحة المنظمات الإرهابية، وأولوية إعادة الإعمار، وضرورة عودة اللاجئين لسوريا،
فضلا عن تأكيد الرؤى المشتركة، وأهمية العمل وفق خطة استراتيجية مشتركة بين
البلدين.
كما قدمت الزيارة قرائن على مدى عمق العلاقات بين الدولتين الجارتين في
المرحلة المقبلة ومستواها المتوقع، من خلال الاحتفاء الكبير بالشرع الذي سمّي
رسميا "الرئيس السوري" بتجنب صيغة "الفترة الانتقالية"، ولكن
أيضا دون تفاهمات أو اتفاقات معلنة من الزيارة الأولى كما كانت بعض التكهنات تشير.
يتلاقى الجانبان على مصالح جوهرية عديدة، في مقدمتها وحدة الأراضي السورية ورفض مشاريع التقسيم والفدرلة وتعدد المؤسسات، وعلى أهمية الاستقرار وفرض الأمن في سوريا، وعودة اللاجئين، فضلا عن التقارب في السياسة الخارجية إلى حد كبير، وبما يشمل "التهديدات الأمنية الإقليمية"، حسب تعبير الشرع في أنقرة.
بات من البديهي والمكرر أن تركيا في مقدمة الأطراف الخارجية الكاسبة من
تغير النظام السوري، وأن القيادة السورية الجديدة حريصة على علاقات متميزة معها، حيث
تشمل مكاسب تركيا المجالات الاقتصادية والتجارية من عودة العلاقات مع دمشق، وكذلك
كبوابة للتجارة مع العالم العربي، والجيوسياسية بما يتعلق بالتنافس مع القوى
الإقليمية، والأمن القومي بما يتعلق بمكافحة الامتدادات السورية للعمال الكردستاني
وإمكانية إقامة قواعد عسكرية تركية على الأراضي السورية، وربما ترسيم الحدود
البحرية بين البلدين، فضلا عن عودة اللاجئين وأمور أخرى عديدة.
كما أن دمشق تدرك أهمية أنقرة في دعمها على الساحة الدولية ضمن مساعي رفع
العقوبات، واقتصاديا وتجاريا، وكذلك على الصعيدين العسكري والأمني في مجالات
التعاون والتدريب والتسليح ونقل الخبرات، إضافة لعملية إعادة الإعمار وعودة
السوريين المقيمين في تركيا.
وهكذا، يتلاقى الجانبان على
مصالح جوهرية عديدة، في مقدمتها وحدة الأراضي
السورية ورفض مشاريع التقسيم والفدرلة وتعدد المؤسسات، وعلى أهمية الاستقرار وفرض
الأمن في
سوريا، وعودة اللاجئين، فضلا عن التقارب في السياسة الخارجية إلى حد كبير، وبما يشمل "التهديدات الأمنية الإقليمية"، حسب تعبير الشرع في أنقرة.
بيد أن ذلك لا يعني التماهي تماما بين الجانبين رغم كل هذه المصالح
المشتركة؛ فالشرع، الجولاني سابقا، لم يكن محسوبا على تركيا أو يدور في فلكها خلال
سنوات إدارته لإدلب على غرار فصائل أخرى، وهو اليوم لا يحصر علاقات بلاده معها وإن
كان حريصا عليها.
إن البلدين في العموم لا يتشاركان كل الأولويات، إن كان على صعيد الملفات أو العلاقات الخارجية، وهو مما يفسر الحرص السوري على الانفتاح على مختلف الأطراف الخارجية والحفاظ على شيء من التوازن بينها. وهو أمر وللمفارقة لا يزعج أنقرة كثيرا من حيث المبدأ، إذ كانت هي كذلك حريصة على تقديم رسائل طمأنة بعدم الاستئثار بالملف السوري بعد سقوط نظام الأسد.
يختلف الجانبان كما أي بلدين جارين في بعض الملفات الاقتصادية، ومثال ذلك
قرار توحيد التعرفة الجمركية في الأراضي السورية كافة، ومن كافة المعابر كافة، الذي كان
فيما يبدو حاجة داخلية سورية، بينما أضر بالمصدرين الأتراك.
كما أن الجانبين وإن اتفقا على وحدة سوريا جغرافيا ومؤسسات، ومن ضمن ذلك
رفض مشروع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) العابر للحدود، إلا أن القيادة السورية
الجديدة تبدو أكثر تريثا مما أمِلت أنقرة بما يتعلق بملف قسد، حيث استمرت
المفاوضات بين الجانبين دون نتائج ملموسة من جهة، ودون تحرك ميداني تجاه مناطق
سيطرة الأخيرة من جهة أخرى، وهو ما يبقي خيار العملية العسكرية التركية ضد قسد
قائما على ما تشير التصريحات الرسمية الصادرة من أنقرة.
كما أن البلدين في العموم لا يتشاركان كل الأولويات، إن كان على صعيد
الملفات أو العلاقات الخارجية، وهو مما يفسر الحرص السوري على الانفتاح على مختلف
الأطراف الخارجية والحفاظ على شيء من التوازن بينها. وهو أمر وللمفارقة لا يزعج
أنقرة كثيرا من حيث المبدأ، إذ كانت هي كذلك حريصة على تقديم رسائل طمأنة بعدم
الاستئثار بالملف السوري بعد سقوط نظام الأسد، ويمكن القول؛ إنها كانت ممن نصح
الشرع بعلاقات أكثر من جيدة مع الدول العربية الفاعلة، وفي مقدمتها السعودية.
في الخلاصة، ثمة مصالح مشتركة عميقة وجوهرية بين أنقرة ودمشق، ما سيفضي إلى
تفاهمات واتفاقات عديدة في مختلف المجالات، ما يمنح تركيا وضعا خاصا وعلاقات
متميزة مع القيادة الجديدة، لكن دون التماهي ومنطق التبعية، إذ تبقى هناك مساحات
من الاختلاف في الأولويات أو النظر للملفات كما بين أي دولتين أخريين، التي يمكن
حلها بالتواصل والحوار المباشرين.
x.com/saidelhaj