بورتريه

الهندية "روي".. قدرة فائقة على سرد قصة الفلسطينيين (بورتريه)

روي ناشطة سياسية في مجال العدالة الاجتماعية والاقتصادية وحقوق الإنسان- عربي21
تتحدث بشجاعة نادرة عن فلسطين، كما أنها تحدثت سابقا عن العراق وأفغانستان وكشمير والهند النووية، ولم تتردد عن وصف الولايات المتحدة بأنها "إرهابية".

ناشطة سياسية في مجال العدالة الاجتماعية والاقتصادية وحقوق الإنسان.

كاتبة سيناريو وروائية وكاتبة مقال، أصدرت عشرات الكتب السياسية والاجتماعية والأدبية.

خطابها الأخير قبل أيام في المكتبة البريطانية في لندن كان وثيقة تاريخية شخصت الظلم الذي لحق بالفلسطينيين طيلة 76 عاما فهو لم يبدأ في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.

ولدت أرونداتي روي في عام 1961 في شيلونغ عاصمة ولاية ميغالايا شمال شرق الهند، لأب بنغالي مزارع للشاي، ولأم مسيحية سريانية ناشطة في مجال حقوق المرأة.

قضت طفولتها في  ولاية كيرالا، وأكملت دراستها في ولاية تاميل نادو. ثم درست الهندسة المعمارية في كلية التخطيط والهندسة المعمارية في جامعة دلهي، حيث التقت زوجها الأول، المهندس جيرار داكونها.

ولاحقا التقت روي زوجها الثاني المخرج السينمائي براديب ولعبت أمامه في عام 1984 دور الفتاة القروية في فيلمه  "صاحب ماسي". وعملت في عدة وظائف مختلفة، وأيضا في مجال الأفلام والتلفزيون، حيث كتبت سيناريو "لأي واحدة تعطي آني هذه الواحدة" عام 1989 ويعتمد الفيلم على خبرتها السابقة كطالبة في مجال الهندسة المعمارية، والذي أخرجه زوجها أيضا، و"القمر الكهربي" عام 1992 وظهرت كمؤدية في كلا الفيلمين.

بدأت روي كتابة روايتها الأولى "إله الأشياء الصغيرة" في عام 1992، وانتهت منها في عام 1996، وتعتبر الرواية شبه سيرة ذاتية، وجزء كبير منها يجسد خبرات طفولتها.

وحققت الرواية مبيعات كبيرة بعد أن حصلت على جائزة "بوكر" عام 1997. وكانت ضمن قائمة الكتب اللافتة لصحيفة "نيويورك تايمز"، ووصلت إلى المركز الرابع في قائمة أحسن المبيعات لـ"نيويورك تايمز".

بعد نجاح روايتها، عملت روي ككاتبة للسيناريوهات مرة أخرى، حيث كتبت المسلسل التليفزيوني "شجرة البنيان" والفيلم الوثائقي "دام العمر: فيلم لأرونداتي روي" عام 2002.

وقبل فوزرها بجائزة "بوكر" عام 1997 عن روايتها "إله الأشياء الصغيرة"، فقد فازت بجائزة الفيلم القومي عام 1989، لأفضل سيناريو عن فيلم "لأي واحدة تعطي آني هذه الواحدة".

 وفي عام 2002 فازت بجائزة "لانان لحرية الثقافة"، وجائزة سيدني للسلام عام 2004، وفي عام 2006 منحت جائزة "ساهيتيا أكاديمي"، وهي جائزة وطنية لأكاديمية الهند للأدب، عن مجموعتها من المقالات عن القضايا المعاصرة بعنوان "جبر العدالة المطلقة"، لكنها رفضت أن تقبلها "احتجاجا ضد سير حكومة الهند على نهج الولايات المتحدة في سياسات العنف وعدم الرحمة بارتكاب الفظائع ضد عمال المصانع، وزيادة العسكرية والليبرالية الجديدة الاقتصادية" بحسب قولها.

واختارت روي، الشهر الماضي الناشط السياسي المصري البريطاني السجين في مصر، علاء عبد الفتاح، ليتقاسم معها جائزة "بينتر" الأدبية لعام 2024، والتي يمنحها نادي القلم الدولي "بن" سنويا، من أجل إحياء ذكرى الكاتب المسرحي هارولد بينتر الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 2005. وأعلنت روي خلال الحفل نفسه، أن نصيبها من أموال الجائزة سوف تتبرع به لصالح صندوق إغاثة أطفال فلسطين.
ومما ذكرته لجنة التحكيم أن روي "تتمتع بقدرة فائقة على سرد قصص الظلم بذكاء وجمال، وأنها أصبحت صوتا دوليا يتجاوز حدود الهند".

أصدرت روي عشرات الكتب ومئات المقالات ومن أبرز نتائجها: "نهاية الخيال"، "ثمن العيش"، "علم جبر العدالة اللانهائية"، "دليل الإنسان العادي إلى الإمبراطورية"، "مسيرة مع الرفاق"، "الرأسمالية حكاية أشباح".. وفي عام 2017 أصدرت رواية "وزارة السعادة القصوى".

كرست روي نفسها منذ روايتها الأولى في الأعمال غير الروائية والسياسة، حيث نشرت كتابين عبارة عن مجموعة من المقالات، كما أنها نشطت في المجال الاجتماعي وبرزت كشخصية مناهضة للعولمة، ومن أشد المنتقدين للإمبريالية الجديدة والنظام العالمي وسياسات الولايات المتحدة الأمريكية.

فوصفت مسعى عولمة الشركات بأنه "قوي لا يرحم، مدجج بالسلاح. إنه طراز من الملوك لم يعرفه العالم من قبل. مملكته رأس المال الخام. فتوحاته الأسواق الصاعدة. صلواته الأرباح. حدوده بلا حدود، وأسلحته نووية".

كما أنها انتقدت سياسات الأسلحة النووية في الهند، وكثيرا من الأحداث التي شهدتها الهند.

وأعربت في عام 2008، عن تأييدها لاستقلال كشمير عن الهند، بعد التظاهرات المؤيدة للاستقلال في سريناغار في كشمير، ورأت روي أن المسيرات علامة واضحة على رغبة الكشميريين في الاستقلال عن الهند، وليس للاتحاد مع الهند، ما تسبب في انتقادها من قبل الكونغرس الهندي القومي، وحزب "بهاراتيا جاناتا" اليميني المتطرف.

برزت روي كناقدة سياسية تسمي الأشياء بأسمائها الصحيحة والدقيقة، ففي عام 2001  رفضت في مقالة نشرتها في صحيفة "الغارديان" تبرير واشنطن بأن الحرب على أفغانستان هي "انتقام لأحداث 11 أيلول/ سبتمبر"، وقالت إن " قصف أفغانستان ليس انتقاما لنيويورك وواشنطن. إنما هو عمل آخر من أعمال الإرهاب ضد شعوب العالم". ووفقا لها، فإن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير مذنبان بهذه الجريمة.

وفي عام 2003 ألقت كلمة في مدينة نيويورك بعنوان "الخليط الفوري بين الإمبريالية والديمقراطية" وصفت فيها الولايات المتحدة بـ"إمبراطورية عالمية تحتفظ لنفسها بحق تفجير أي من رعاياها في أي وقت، حيث تستمد شرعيتها مباشرة من الرب". وكانت الكلمة لائحة اتهام لتصرفات الولايات المتحدة بشأن حرب العراق. وانتقدت روي زيارة الرئيس بوش للهند، حيث أطلقت عليه وصف "مجرم الحرب"، وكانت عضوا في المحكمة الدولية الخاصة بجرائم الحرب الأمريكية في العراق.

 في عام 2006، وقعت مع ناعوم تشومسكي، وهوارد زين، وغيرهم خطابا في "الغارديان" وصف الحرب الإسرائيلية على لبنان بأنها "جريمة حرب" واتهمت دولة الاحتلال بممارسة  "إرهاب الدولة".

ولاحقا في كلمة ألقتها في الجامعة الأمريكية في بيروت، تعليقا على الحرب الوحشية على غزة، اعتبرت روي أن الكلام عن غزة يجب أن يبدأ من خلال الوصف "الاحتلال والتمييز العنصري والإبادة الجماعية"، وأن جرائم الاحتلال لم تبدأ في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وأنه "لا ينبغي لأحد أن يعتقد أن هناك مساواة أخلاقية بين ارتكاب إسرائيل لأعمال الإبادة وبين عملية مقاومة الاحتلال والفصل العنصري".

ولم تتردد عن القول بأن "إسرائيل تحتل الولايات المتحدة الأمريكية قانونيا وأن الشرطة الأمريكية تضرب الطلاب المتظاهرين رفضا للإبادة نيابة عن إسرائيل".

ووصفت الجامعات الأمريكية بأنها "متخمة بالمال من رسوم الطلاب ومن ضخ رأس المال الضخم من المانحين الأثرياء والشركات ومؤسساتها، وأنها تستثمر في الإبادة الجماعية وصناعات الأسلحة"، وسألت "هل يمكن لأي شيء أن يكون غير أخلاقي أكثر من ذلك؟".

وفي حفل أقيم في المكتبة البريطانية في العاصمة لندن بمناسبة تكريمها وفوزها بجائزة " بينتر " السنوية قبل أيام قليلة، ألقت خطابا شجاعا وتاريخيا لخصت فيه واقع الاحتلال والفلسطينيين، قالت فيه إن "الولايات المتحدة وإسرائيل، ودون أن يجفلا، ينفذان ما يتم نقله تلفزيونيا على الهواء مباشرة من إبادة جماعية في غزة، والآن في لبنان، دفاعا عن احتلال استعماري وعن دولة أبارتايد ".

وفي نهاية كلمتها اقترحت أرونداتي روي أن الحرب "ستكون مريعة، ولكنها في نهاية المطاف سوف تفضي إلى تفكيك الأبارتايد الإسرائيلي، وحينها سوف يكون العالم أكثر أمنا للجميع بما في ذلك الشعب اليهودي، وسوف يكون ذلك بمثابة سحب سهم كان مغروسا في قلبنا الجريح".

 ووصفت الجهة المانحة للجائزة الكاتبة الهندية روي بأنها تمتلك "تصميما فكريا صارما لا يجفل ولا ينثني"، لكن في الحقيقة فإن روي تجفل أمام ما تراه من جرائم في غزة يقوم بها جنود بكل وقاحة وخسة، بحسب وصفها.

في كتاباتها ومحاضراتها تدافع عن حقوق المظلومين في كل مكان، وتطوع قلمها أداة للنضال والتغيير، وتتصف بالجرأة ولا تبالي بالانتقادات والتهديدات التي تواجهها في نضالها من أجل العدالة والحرية.

ولم تتوان عن وصف غزة بأنها "بوصلة العالم الأخلاقية".

وقالت: "من النهر إلى البحر، سوف تغدو فلسطين حرة، نعم سوف تكون حرة، أبقوا عيونكم مركزة على التقويم، وليس على ساعاتكم. فهكذا الشعب، وليس الجنرالات، هكذا الشعب الذي يقاتل من أجل حريته يقيس الزمن".