بين 7 أكتوبر 2023 ــ وأكتوبر 2024 يمر عام
على حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة. وبقدر ما خلفته من جرائم ومآس بقدر ما فضحت
وعرت الكيان الصهيوني والمتواطئين والمبررين له خاصة في الإعلام الغربي، وكشفت عن
زيف شعاراته وأكاذيب قطاع واسع منه. لكن في المقابل أيقظت المذبحة الصهيونية في غزة وأيضا الضفة الغربية
ضمائر إعلاميين في الغرب، أو كشفت الحقائق أمامهم، وأمام العالم، وعززت قناعاتهم
وانحيازهم للحق ضد الظلم، رغم تكلفة ذلك سواء من ناحية المسار المهني لهؤلاء
وانتقام اللوبي الصهيوني النافذ، أو حتى من حيث تأثير ذلك على مداخيلهم ومستوى
معيشتهم.
وفي هذا السياق، وفي موقف يمكن وصفه
بـ"التاريخي" بكل ما له من دلالة ورمزية أعلنت المذيعة البريطانية
الشابة كاريشما باتيل، التي عملت في هيئة الإذاعة البريطانية طوال الأربع سنوات
ونصف الماضية، عن رحيلها عن الهيئة، والتحاقها بمنظمة غير ربحية تسمى المركز
الإعلامي البريطاني
الفلسطيني، والذي يديره الكاتب والصحافي البريطاني بين وايت،
ويحاول إعطاء الصوت الفلسطيني مكانه في الإعلام البريطاني والغربي عموما المنحاز
بشكل مفضوح لإسرائيل.
وعلى حسابها على "إكس"، أعلنت
كاريشما قرارها وأرفقته بصورة لها في إذاعة بي بي سي 5 لايف، وكتبت: "وداعا
لقناة بي بي سي نيوز بعد 4 سنوات ونصف من قراءة الأخبار وإعداد التقارير
والإنتاج.. أنا ذاهبة إلى منظمة غير ربحية تسمى المركز الإعلامي البريطاني
الفلسطيني، حيث سأكون مسؤولة مشاركة وسائل التواصل الاجتماعي - وأعتني بكل ما
يتعلق بصحافة وسائل التواصل الاجتماعي".
وكانت كاريشما، الحاصلة على الماجستير في
الفلسفة من جامعة كامبريدج، تعمل كمتخصصة في الشرق الأوسط في راديو 5 لايف في
الأشهر الأخيرة. وأكدت على أنها لا تزال "حريصة على مواصلة العمل ورفع مستوى
الوعي بالقضايا المتعلقة بغزة".
ولقيت تدوينة كاريشما، تفاعلا كبيرا على
"إكس"، فرغم أن عدد متابعيها عند 6500 متابع إلا أن عدد المشاهدات
لتدوينتها قاربت النصف مليون، فيما فاقت الإعجابات بها 16 ألف إعجاب.
كما لقي قرارها تغطية لافتة في الصحف
البريطانية بشكل يعطي بعدا آخر فعلا لقرار مذيعة شابة صاعدة في "بي بي
سي" اختارت أن تترك عن قناعة والتزام هذه المؤسسة الإعلامية الشهيرة، التي
يحلم الطامحون لمشوار صحافي كبير بالعمل فيها وحتى بالامتيازات المهنية والمالية
المعتبرة التي يمكن الحصول عليها، فيما يعاني قطاع الإعلام عموما هزات ومصاعب
مالية كبيرة. في المقابل اختارت هذه المذيعة البريطانية الشابة (من أصول هندية) أن
تلتحق بمنظمة غير ربحية تدافع عن الصوت الفلسطيني في الإعلام البريطاني والغربي.
في حقل إعلامي بريطاني وغربي ملغم باللوبي الصهيوني النافذ يثير موقف كاريشما باتيل وبين وايت وغيرهما فعلا الاحترام والتقدير، حيث يمارس اللوبي الصهيوني ضغوطا لإسكات الأصوات الناقدة لإسرائيل في الإعلام الغربي وبطرق مختلفة.
وقد أسس هذا المركز ويديره البريطاني بين
وايت (من مواليد 1983)، وهو كاتب ومحلل باحث في الشؤون الفلسطينية، قام بزيارة
فلسطين والكتابة عنها منذ عقدين من الزمن. ونشر مقالات عنها في العديد من الصحف
كالغارديان، والإندبندنت. وقد ألف أربعة كتب، بما في ذلك "شقوق في الجدار: ما
وراء الفصل العنصري في فلسطين/إسرائيل" (2018)، وهو حاصل على درجة الدكتوراه
في الدراسات الفلسطينية من جامعة إكستر البريطانية.
وفي حقل إعلامي بريطاني وغربي ملغم باللوبي
الصهيوني النافذ يثير موقف كاريشما باتيل وبين وايت وغيرهما فعلا الاحترام
والتقدير، حيث يمارس اللوبي الصهيوني ضغوطا لإسكات الأصوات الناقدة لإسرائيل في
الإعلام الغربي وبطرق مختلفة.
وهذا ما حدث مثلا في أبريل الماضي عندما
اختفت المذيعة البريطانية، سانغيتا مايسكا، من إذاعة LBC البريطانية بعد إجرائها مقابلة ساخنة مع آفي هايمان،
المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية حول الهجمات الإيرانية بطائرات مسيرة وصواريخ
على إسرائيل، حينها.
ولقيت مايسكا تضامنا لافتا على مواقع
التواصل بعد إزاحتها وسط دعوات لمقاطعة الإذاعة، التي وبعد فترة من الصمت ردت
ببيان شكرت فيه مايسكا، وأعلنت تعيين المذيعة المليونيرة اليهودية فانيسا فيلتز،
مكانها كـ"جزء من تجديد جدول المحطة"، حسب زعمها. وكانت فيلتز تشتغل في
قناة “توك تي في” المملوكة لإمبراطور الإعلام روبرت ميردوك، والتي برزت كواحدة من
أكثر الأذرع الإعلامية المناصرة لإسرائيل والتي تعرضت فيها الأصوات الفلسطينية أو
المناصرة لفلسطين للقمع والتشويه وحتى الطرد. ورغم الأموال التي ضخها فيها ميردوك،
إلا أن القناة تسجل خسائر كبيرة، وقد تم تحويلها إلى قناة على الإنترنت فقط!
وكانت فانيسا فيلتز، التي قدرت صحيفة "الصن"
ثروتها بـ38 مليون جنيه إسترليني، أكدت بأن "لديها الكثير من الأقارب في
إسرائيل". وزعمت المذيعة السابقة في "بي بي سي" في مقال لها بصحيفة
"ديلي إكسبريس" اليمينية البريطانية، بأنها "لو بقيت في بي بي سي،
لتم فصلها بسبب موقفها الداعم لإسرائيل". وجاء ذلك في سياق مهاجمتها لتغطية "بي
بي سي" للحرب الإسرائيلية على غزة، رغم أن القناة وبالعكس متهمة في الحقيقة
بالانحياز لإسرائيل، كما وثقته دراسات وتقييمات أكاديمية بريطانية.
وقبل مايسكا كانت المذيعة البريطانية بيل
دوناتي، التي اختفت منذ يناير الماضي من قناة "سكاي نيوز" البريطانية
بعد مقابلتها الساخنة مع سفير إسرائيل السابق لدى الأمم المتحدة، داني دانون، حيث
واجهته فيها بما جاء في مقال مشترك له مع عضو آخر في البرلمان الإسرائيلي، دعيا
فيه إلى تهجير الفلسطينيين.
وسألت المذيعة دانون إذا ما كانت دعوته
لـ“الهجرة الطوعية” للفلسطينيين من غزة، وحث البلدان في جميع أنحاء العالم على
استقبالهم تشبه ما تعرض له اليهود في أوروبا خلال الهولوكوست.
وانفعل دانون ردا على دوناتي، ووصف
تعليقاتها بأنها "معادلة مخزية ومعادية للسامية" وأدان المذيعة
لمقارنتها المحرقة بالوضع الحالي في غزة.
وسرعان ما تحركت الآلة الإعلامية والدعائية
الصهيونية لشن حملة ضد المذيعة والقناة. ولم يكد يمر إلا وقت قصير، حتى قامت قناة
“سكاي نيوز” بالاعتذار ببيان بثته على الهواء مباشرة.
ولم تظهر بيل دوناتي منذ ذلك الحين على
القناة، كما لم يظهر لها، كذلك أي نشاط على حسابها في منصة "إكس" منذ
ذلك الوقت. واللافت أنها كانت تنشر وتعيد نشر منشورات متضامنة مع الفلسطينيين
وغزة، وتدين الجيش الإسرائيلي في موقف واضح منها.