ملفات وتقارير

ما حقيقة تسرب مياه بجسد سد السرج الإثيوبي؟.. خبراء يحذرون

خبراء طالبوا بتشكيل لجنة دولية لتقييم سلامة كهوف سد السرج- الأناضول
حذر خبراء مصريون من وجود تسريب للمياه في جسد "سد السرج" الركامي أحد نقاط "سد النهضة" الإثيوبي، وطالبوا بضرورة تشكيل لجنة دولية لتقييم سلامة كهوف سد السرج، مشيرين إلى وجود احتمالات خطيرة تمس دولتي المصب مصر والسودان، وخاصة الأخيرة والقريبة جدا من السد، والمنشغلة بالحرب الأهلية التي تفجرت في نيسان/ أبريل 2023.

ويواجه شعبا مصر والسودان، تهديدا يصفه البعض بـ"الوجودي" مع بناء إثيوبيا سدا على النيل الأزرق المصدر الأساسي للمياه الواردة إلى دولتي مصب نهر النيل، خاصة مع فشل الدول الثلاث في الوصول إلى اتفاق ملزم لأديس أبابا حول وضع السد وتشغيله، ما يهدد مصر بالجفاف والسودان بالغرق في حال وقوع أخطاء فنية، وفق مراقبين.

"أقمار صناعية ترصد التسريب"
عضوة الجمعية الجغرافية المصرية‏ المستشارة هايدي فاروق، نقلت عبر صفحتها على "فيسبوك"، الجمعة، صورا من الأقمار الصناعية تكشف عن وضع سيئ لسد السرج، وتوضح زيادة حجم التسريب أعلى جسد السد، نتيجة للملء الزائد عن الحد المطلوب.

وأكدت أن المياه صنعت شرخا في الجدار الأعلى للسد، مبينة أن هذا يمثل مكمن الخطورة، مع زيادة حجم المياه التي تغطي جسد السد، ملمحة إلى زيادة التشققات، ومشيرة إلى وجود ترميمات سابقة في جسد السد الركامي.

وقالت عبر بث مباشر: "يبدو أنها مصيبة ولم يستطيعوا التخلص منها ولا مواجهة العالم بها"، متحدثة عن إثيوبيا بقولها: "أليس من بينهم رجل عاقل؟"، متسائلة عن كيفية تصريفها لهذه الكميات من المياه، ومحذرة من إصابة إثيوبيا بالجفاف ومصر والسودان بالفيضانات.

وأكدت أن "السد وصل إلى حالة سيئة جدا، وبالتأكيد أن ستارة السد فشلت بسبب كم التسريب المائي أسفل الستارة"، واصفة السد الركامي بـ"الكارثي"، لأنه "يتحمل أطنانا هائلة من المياه"، خاتمة المقطع بقولها: "أعتقد أن السد إن لم يكن قد بدأ بالانزلاق فإنه سينزلق خلال الأيام القادمة".



وفي بوست آخر لها السبت، نشرت فاروق، محذرة من تتابع الزلازل في إثيوبيا وتأثيرها السلبي على سد النهضة، وذلك بالتزامن مع وقوع زلزال الجمعة هناك، بدرجة 4.9 على مقياس ريختر، على بعد 570 كم شرقي سد النهضة، و140 كم من أديس أبابا.



"خطأ سياسي"
وفي السياق، كتب الضابط السابق في الجيش المصري اللواء مهندس فرج حمودة، عبر صفته بـ"فيسبوك"، إن "إثيوبيا تسابق الزمن في تفريغ سدها كي لا يزول سد السرج بعد أن انزلق، وبمعدلات تدفق لا تغرق الخرطوم".

وأشار إلى أن "قرار سياسي إثيوبي بزيادة نسب الملء جر عليهم مصيبة كبرى وهي أن انزلقت أفقيا أجزاء من السد الجانبي (السرج)، وظهرت شروخ لا يمكن ترميمها إلا بتفريغ المياه حتى حجم تخزين 17 مليار متر مكعب".



"مطالبة بلجنة دولية"
وفي ذات الإطار، طالب الخبير المصري في المياه والسدود الدكتور محمد حافظ، بتشكيل لجنة فنية دولية لتقييم سلامة سد السرج، ودراسة معدلات الأمان به، محذرا من كارثية انهيار هذا السد على حياة السودانيين بشكل خاص.

وأوضح عبر صفحته بـ"فيسبوك"،أنه "في آذار/ مارس الماضي، بعد تحقيق الملء الرابع لمنسوب (620 متر) فوق سطح البحر، غطت المياه جزءا كبيرا من منطقة الكهوف أمام سد السرج بينما المنطقة المقابلة خلف السد تبدو بدون أي مشاكل".

لكن حافظ، أضاف: "واليوم في أيلول/ سبتمبر الجاري، وبعد وصول الملء الخامس تقريبا لمنسوب (639 متر) وأقصى ارتفاع لعمود المياه أمام سد السرج، وإختفاء منطقة الكهوف تماما تحت سطح المياه بعمود مياه يقارب 45 مترا من الممكن جدا أن يحدث تسريب ضخم عبر تلك المنطقة، والتي هي أصلا (خربانة) من أمام السد ومن خلفه".

وقال إن "حدوث إنهيار لجزء ركامي من سد السرج بمنطقة الخلف عام 2019، ثم حدوث إنهيار لجزء كبير من مقدمة سد السرج في 2020، بعد إصلاح الجزء الخلفي مباشرة، وعند نفس المقطع الواقع بمنطقة (الفاليت والرخام والحجر الجيري)؛ يجعلني أدق جرس الإنذار، وخاصة بعد إكتمال التحميل الكلي لعمود المياه".

وخاطب الإثيوبيين قائلا: "هناك حاجة غلط"، مضيفا: "وأقول لإخوانا في السودان: سلبيتكم تجاه سد السرج تحديدا قد تكون سببا في فنائكم".



"معالجة إثيوبية خاطئة"
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد حافظ، أنه "على مصر والسودان رغم ما تمر به الأخيرة، التعاون معا والمطالبة بلجنة فنية دولية تعيد دراسة معدلات الأمان في السد الآن بعد التطورات الأخيرة التي يجري رصدها عبر الأقمار الصناعية"، مؤكدا أنه "لو لم نفعل شيئا الآن فلن يكون هناك مجال لإصلاح ما في سد السرج من عيوب، ولدينا من الشكوك المؤيدة لذلك بالأدلة".

وحول احتمالات انهيار السد، أوضح أن "وجود مشاكل بالسد ليس بالضرورة معناه حدوث انهيار"، مبينا أن "سد الموصل في العراق يعاني من مشكلات كبيرة، لكن بغداد استعانت بشركة إيطالية حصلت سنويا على 300 مليون دولار، لمعالجة عيوب السد والحفاظ عليه، وطالما هناك صيانة وإنفاق أموال فلن يحدث انهيار".

وأشار إلى أنه "يطلق ناقوس خطر لإثيوبيا بوجود مشاكل يجب أن يتم دراستها جيدا وأخذ رد فعل سريع بدعم السد وإلا سيحدث انهيار فجائي، في الجزء الأمامي أو الخلفي"، معتبرا أن "هذه مخاطرة من إثيوبيا، وتحليل صور الأقمار الصناعية يؤكد ذلك".

ولفت إلى أنه "من البداية توجد مشكلة، وتمت معالجتها من قبل إثيوبيا بإلقاء حجارة وطين بها"، موضحا أن "هذا ليس لم يكن الحل، ونتيجة ذلك ظهرت الآن تلك التبعات، لأنهم لم يعالجوا السبب، وتم تغطية بعض الفتحات بالمياه والتي لا يمكن إصلاحها الآن".

وأكد أنه "رغم وجود طبقات مسلحة وركام من الصخور والطين إلا أن جسد سد السرج تسربت منه المياه للجانب الآخر، وأنبتت بعض النباتات على جسد السد"، متوقعا أن "تفتح طبقة الخرسانة ويحدث بها شروخ"، وموضحا أنه "إن لم يكن هناك انهيار كلي فسيكون نوع من الهبوط غير المنتظم يؤدي إلى أن البلاطات الخرسانية ورغم سمكها الكبير يحدث لها شرخ".

"إهمال يهدد بكارثة"
وفي تعليقه، قال الكاتب الصحفي والإعلامي السوداني الدكتور عبدالمطلب مكي، لـ"عربي21": "وجود تسريب في سد السرج يشكل جرس إنذار بالمخاطر التي تحيط بسد النهضة، خاصة وأن الهضبة الإثيوبية برمتها منطقة مخاطر معروفة بسبب ما تتميز به من أخاديد وانحدارات".

وأضاف: "سيظل سد النهضة مصدر خطر حقيقي ما لم تقيم حالته الفنية بواسطة لجان فنية دولية متخصصة تنأى به عن السياسة إلى التقييمات الفنية الواقعية".

وأكد أن "إهمال هذا الملف في ظل التطورات الدولية الراهنة يهدد دولتي المصب بكارثة يصعب السيطرة عليها"، مشددا على أن "إثيوبيا بحاجة إلى تعاون فني عاجل مع مصر والسودان، وإلا تستمر في سياسة المكاسب السياسية جراء التعبئة المستمرة دون تقييمات فنية مشتركة".

"لم يحدث لكنه وارد"
وفي رؤيته، قال أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، إن "ما يثار عن تسريب مائي بسد السرج هي أخبار غير متأكد منها، وليس عندي معلومة"، مشيرا إلى أنه "كانت هناك أقاويل تم تداولها حول سد السرج ولكن لا أعتقد أن هذا الكلام حقيقي، لأن مصدر الكلام يأتي من غير الجيولوجيين".

وفي حديثه لـ"عربي21"، بين شراقي، أن "الصور الفضائية التي يعرضها البعض من أقمار صناعية تحتاج إلى متخصصين في قراءتها"، مؤكدا أنه "ومع ذلك فإنه من الوارد أن يحدث تسريب بسد السرج، ولكنه حتى الآن لم يحدث".

وأضاف: "سابقا أشار أستاذ الاستشعار عن بعد الدكتور هشام العسكري بدراسة له قبل عامين لوجود هبوط بجسد السد وأنه هبوط أكبر من ناحية عن الأخرى، ولكنه في نظري كان هبوط بحدود المتوقع لأي مبنى ضخم، والمهندسون يقومون ببعض الاحتياطيات للتعجيل بالهبوط المحتمل كأن يضعوا ثقلا ومئات أطنان الأحجار لتقلل نسب الهبوط مستقبلا، لكن هذا لا يمكن في السد الإثيوبي".

أوضح أن "الهبوط يسبب مشكلة كبيرة لو كان الجسم واحد بحيث لو هبط جزء أكثر من الآخر  يتحطم الجسم، لكن السد الإثيوبي ليس جسدا واحدا فهو جناح أيمن وأيسر وسد خرساني وسد السرج الركامي".

"الأخطر هنا"
الأكاديمي المصري، تحدث عن نقطة اعتبرها الأخطر من الحديث عن تسريب سد السرج، مبينا أن "التخزين النظري للسد الإثيوبي يسع 64 مليار متر مكعب، ولكن التخزين الفعلي الآن 60 مليار فقط، وإثيوبيا عندما فتحت بوابات السد 5 أيلول/ سبتمبر الجاري بعد غلقها 8 أيام، يعني أنها تكتفي بهذا المعدل لأن زيادته تمثل خطرا".

وأضاف: وبهذا يكون التخزين الفعلي يعادل ثقل 60 مليار طن، وهذا وزن ضخم يمثل خطرا في ظل النشاط الزلزالي في إثيوبيا، والذي كان آخره الجمعة والسبت بزلزال شدته 5 درجات بمقياس ريختر وتابعان بعده بـ8 ساعات بشدة 4.6 ريختر ثم تابع ثالث بعد 7 ساعات بقوة 4.5 درجة، 3 زلازل خلال 24 ساعة".

وأوضح أن "بحيرة السد بحجمها الحالي قد تكون منطقة نشاط زلزالي قادمة"، مضيفا: "بل إن زلازل الهضبة الإثيوبية المتتابعة قد يكون للبحيرة سبب فيها، رغم أن مركز الزلزال على مسافة 570 كليو متر من السد، ولكن الهضبة بها تشققات كثيرة والمياه تتسرب للتشققات، وقد تصل وتزيد انزلاقات التربة وبالتالي حدوث زلازل".

ومضى قائلا: "النشاط الزلزالي موجود بالفعل ونخشى أن يحدث شيئ مع الوزن الحالي البالغ 60 طن مياه ما يزيد الخطر ويجعله أشد خطورة"، ملمحا إلى "قرار ولاية نورث كارولاينا السبت، بإخلاء السكان إثر العاصفة (هيلين) وتعدي المياه جسد أحد السدود".

وأشار إلى أن "هذا يحدث في أمريكا فما بالنا بإثيوبيا وبأن حجم السد الإثيوبي أكبر بكثير؛ لذا فالخطر أصبح شديدا، وخطر الانهيار أصبح واردا جدا، وأكثر من خطر تسريب المياه من سد السرج، ولو حدث زلزال قوي في إثيوبيا مثل زلزالي المغرب وتركيا 2023، فمن يضمن ألا تصل توابعه إلى السد خاصة وأنه مملوء والأمطار تهطل فوق بحيرته".

وتابع: "ولو كانت المياه أعلى من البوابات فهنا الخطورة أكبر وخصوصا على سد السرج، فهناك حديث عن أنه سد ركامي وطويل بأكثر من 5 كيلو متر وارتفاعه 50 مترا، والتقوس الخاص به عكس التقوس الهندسي المعروف في السدود".

وخلص شراقي، للقول: "هناك بعض المشاكل بسد السرج، وليس معنى ذلك أن التسريب إن لم يكن قد حدث فإنه لن يحدث مستقبلا، لكن لم أسمع عن التسريب، ولكن بالفعل كانت هناك تشققات والمهندسون تخلصوا منها، لكن ربما تحدث بعض المشاكل بالذات مع وجود 60 مليار طن فقد تحدث موجة بالمياه وأي اهتزاز يصنع موجة قد تضرب سد السرج وتؤدي لانهياره، فالخطر ازداد بعد ملء السد".

"على الدولة المصرية"
وتحدث الأكاديمي المصري، عن دور القاهرة في المرحلة القادمة، ورغم إشادته بحديث وزير الخارجية بدر عبدالعاطي في الأمم المتحدة من الناحية الدبلوماسية وبأنه "كان قويا يشرح القضية ومطالب مصر بالحفاظ على حقوقها المائية وليس به تهديدا؛ لكن أتمنى أن يُترجم لأفعال، لأن الوزير السابق سامح شكري أيضا أطلق تصريحات وأيضا تصريحات الرئيس في الأمم المتحدة، وحديثه عن خط أحمر".

والأسبوع الماضي، قال وزير الخارجية بدر عبدالعاطي، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إن "مصر ستستمر في مراقبة تطورات ملء وتشغيل سد النهضة وتحتفظ بحقوقها في اتخاذ تدابير للدفاع عن بقائها".


وحول ما يمكن فعله، قال شراقي: "تحركات جادة من الخارجية والدولة وضغط دولي، فمجلس الأمن اجتمع مرتين ولم يتحرك بقوة، بالتأكيد أن تحرك مصر والتمهيد مع القوى الفاعلة ربما لم يكن بالقدر الكافي، لأن النتيجة تأتي بناء على اتصالاتي وتحركاتي مع الإدارة الأمريكية وروسيا وفرنسا وبريطانيا".

وأضاف: "وإثيوبيا ترى أنه لا يوجد عليها ضغط من أية جهة لصالح مصر، لا أحد يدعوها لضرورة التفاوض والاتفاق، وبالتالي تتمادى بما تفعله، ونحن أيضا منذ فشل مفاوضات كانون الأول/ ديسمبر الماضي وحتى الآن لا توجد خطوة حقيقية من مصر كحكومة وسنة كاملة دون اتصالات جادة، ولم نحاول الاستعانة بدولة مثل السعودية والإمارات مرة أخرى".

وأكد أننا "المتضررين بعدم الوصول لاتفاق، لأن إثيوبيا بالفعل ملأت السد ولم تتعطل أو تتضرر، ومع كل ملء حدث على مدار 5 سنوات فرضت علينا أمرا واقعا 5 مرات"، معربا عن أمنيته بـ"مزيد من التحركات ليكون هناك اتفاق".

وختم بالقول: "مازلنا بحاجة لاتفاق حتى بعد انتهاء التخزين؛ لأن السد سيشغل توربيناته ويفرغ مياها ويعيد الملء مرة أخرى، ونريد الوصول لاتفاق لأن ما يسري على هذا السد سيسري على أي سدود قادمة لإثيوبيا، فلا يجب أن تبني سدودها القادمة دون تشاور وتفاوض واتفاق وبفرض الأمر الواقع".