ملفات وتقارير

هل باعت مصر أكبر منجم ذهب في البلاد؟.. تفاصيل مثيرة

الصفقة يصوت مساهمو "سنتامين" عليها نهاية تشرين الأول/ أكتوبر المقبل- الأناضول
استحوذت شركة "أنغلو غولد أشانتي"، الجنوب إفريقية، على شركة تعدين الذهب المنافسة لها "سنتامين"، التي تمتلك امتياز "منجم السكري" في مصر -أحد أكبر مناجم الذهب بالعالم- وسط حالة من الجدل بين المصريين، وتساؤلات الخبراء والمراقبين حول وضع مصر في الصفقة، وتأثيرها على إنتاج المنجم، ودخل القاهرة المحتمل منها.

عملية الاستحواذ التي جرت في "بورصة لندن"، الثلاثاء، تأتي في ظل ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية، وفي صفقة تناقلتها وكالات الأنباء مثل "رويترز"، والصحف الاقتصادية مثل "فايننشال تايمز".

الصفقة التي ستتم بالأسهم والنقد، من المقرر أن يصوت مساهمو "سنتامين" عليها نهاية تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، تمهيدا لإتمام الصفقة بحلول نهاية العام، وبلغت قيمتها 1.9 مليار جنيه إسترليني (2.5 مليار دولار)، لينضم بذلك الاستحواذ المنجم المصري إلى محفظة "أنغلو غولد"، التي أصبحت سادس أكبر شركة تعدين للذهب في العالم، بعد الصفقة.

"أصل عالمي"
وقال رئيس الشركة يوكين تيلك: "هذا المشروع يضيف إلى محفظتنا باعتبارنا أكبر منتج للذهب في مصر، ويوفر إمكانات جيولوجية هائلة يمكننا تطويرها بشكل جيد للغاية"، ملمحا إلى تطوير عملية الإنتاج في منجم السكري.


تيلك، وصف منجم "السكري" الذي بدأ إنتاج الذهب منه عام 2010، بمنطقة امتياز تبلغ مساحتها 160 كيلو مترا مربعا، بأنه "أصل عالمي من الدرجة الأولى" يتميز بتكاليف تشغيل تنافسية وإمكانات تطوير واعدة، مشيرا إلى "تكبد المنجم تكاليف نقدية إجمالية بلغت 970 دولار للأوقية وتكاليف دعم بقيمة 1200 دولار للأوقية في عام 2023".

"أنغلو غولد"، التي نقلت إدراجها الرئيسي من "جوهانسبرغ" بجنوب إفريقيا إلى "نيويورك" العام الماضي، في حال إتمام الصفقة، ستضم الإنتاج السنوي لمنجم "السكري" البالغ 450 ألف أوقية، لتنتج الشركة نحو 3 ملايين أوقية ذهب سنويا، ما يجعلها رابع أكبر شركة ذهب في العالم، بحسب "رويترز".

الشركة، التي انبثقت عن إمبراطورية التعدين التي أنشأها إرنست أوبنهايمر، وقامت بنقل مقرها الرئيسي إلى "دنفر" بولاية كولورادو الأمريكية وإدراجها الأساسي إلى نيويورك، لديها حاليا أصول في 9 دول هي: "تنزانيا، والكونغو الديمقراطية، وغانا، وغينيا، وأستراليا، وأمريكا، والبرازيل، والأرجنتين، وكولومبيا".

ويعتبر منجم السكري هو الأصل الرئيسي لـ"سنتامين"، وهو أكبر منجم ذهب في مصر وأحد أكبر المناجم المنتجة للذهب في العالم.


ويدير المنجم المصري شركة "السكري"، وهي شركة مشتركة ما بين "الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية" التابعة لوزارة البترول والثروة المعدنية المصرية، وشركة سنتامين، بنسبة 50 بالمئة إلى 50 بالمئة بالإضافة إلى 3 بالمئة للحكومة المصرية.

و"سنتامين"، التي تركز على مصر، مركزها في بيرث (غرب أستراليا)، ومدرجة في بورصتي "لندن" في المملكة المتحدة و"تورنتو" بكندا، وتدير عمليات استغلال "منجم السكري" بجبل السكري الواقع قرابة "مرسى علم" على البحر الأحمر بالتعاون مع الحكومة المصرية، وكانت خططها المعلنة تتجه لإنتاج نحو 500 ألف أوقية ذهب سنويا.

كما أنه في عام 2021، مُنحت سنتامين 19 ترخيصا بمناطق استكشافية جديدة تغطي أكثر من 3 آلاف كيلومتر مربع بالصحراء الشرقية للدرع العربي النوبي المصري، وذلك بعد إعلان مزايدة الذهب العالمية لسنة 2020 "المرحلة الأولى".

"غياب مصري عن الصفقة"


قبل الإعلان عن الصفقة بنحو 10 أيام، قام وزير البترول والثروة المعدنية كريم بدوي، مطلع أيلول/ سبتمبر الجاري، بزيارة منجم السكري للذهب، دون أن يشير إلى أن هناك توجه لبيع حصة "سنتامين"، حيث ذهب الوزير الجديد للحديث عن خطط تطوير إنتاج "السكري".

وحينها قال الرئيس التنفيذي لشركة "سنتامين" مارتن هورغان، إنه يعمل على زيادة القيمة المضافة للإنتاج من منجم السكري، واصفا إياه بأنه "يحظى بمخزون عالمي ويقدم أداء عاليا".



وفي السياق، نقل موقع "البورصة" المحلي، قول شركة "سنتامين" إن مصر ليس لها حق الاعتراض، لكنه أشار إلى أن الشركة المستحوذة الجديدة أكدت التزامها للحكومة بتطوير المنجم.


وتثار العديد من التساؤلات حول  أمر الصفقة الجديدة ، والتي بينها: هل تم بيع منجم "السكري، أم إن "سنتامين" باعت حصتها فقط للشركة الجنوب إفريقية؟ وما هو وضع الدولة المصرية من الصفقة؟ وهل لها حق التوقيع أم الرفض؟ وما وضع حصة الدولة المصرية من تلك الصفقة؟

"استثمارات أكثر وتكنولوجيا أفضل"
وفي إجابته على تلك التساؤلات، قال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور عبد النبي عبد المطلب، إن "العلاقة بين مصر وشركة سنتامين هي علاقة شراكة تحصل منها مصر على نسبة من الذهب المستخرج طبقا لبنود العقد".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح أنه "حتى تضح الأمور، لا أعتقد أن استحواذ شركة أنغلو غولد على شركة سنتامين يؤثر على حقوق مصر في منجم السكري".


وأشار المسؤول المصري السابق في وزارة الصناعة والتجارة، إلى أن "موقف الدولة المصرية من تلك الصفقة سوف تقرره المصلحة بالتأكيد".

وبشأن ما إذا كانت الصفقة تعني انتقال إدارة منجم السكري للشركة الجديدة بنفس التعاقد القديم بين سنتامين والحكومة المصرية، أم إنها تعني احتمال توقع عقد جديد بشراكة جديدة، يعتقد أنه "حال استمرار نفس شروط التعاقد التي كانت مبرمة بين الحكومة المصرية مع شركة سنتامين، فلن يكون هناك تغيير"

وعن احتمالات استمرار التعاقد مع الشركة الجديدة بنفس الشروط، قال عبدالمطلب: "بالطبع كل أصول والتزامات وتعاقدات شركة سنتامين ستظل سارية، مع إمكانية التعديل حال رغبة الطرفين (مصر والشركة المستحوذة الجديدة)".

ويرى أن الذي قد يعود على مصر من صفقة انتقال حصص "سنتامين" بمنجم السكري لشركة "أنغلو غولد أشانتي"، والذي قد يضيفه تغيير المستثمر خاصة وأن كليهما استثمار أجنبي، "ربما وجود شركة جديدة وإدارة جديدة قد يعني استثمارات أكثر، وتكنولوجيا أفضل وناتج استخراج للذهب أفضل".

واستدرك: "لكن هذا لا يمكن قياسه حاليا، والحكم على جودة الصفقة من عدمه سيتضح من خلال ناتج أعمال الشركة خلال الفترة القادمة".


وحول احتمالات أن يكون تخارج سنتامين من أعمالها بمنجم السكري بدون علم الحكومة المصرية أم بتوافق معها، قال: "لا يوجد عندي معلومة مؤكدة، ولو أنني أعتقد أن هذه النقطة ليست بالأهمية الكبري، حيث تستطيع مصر إنهاء التعاقد إذا وجدت أنه يضر بمصالحها".

وفي رده على تساؤلات البعض حول أسباب تخارج سنتامين من منجم السكري بعد نحو 14 عاما من العمل به منذ 2010، وما إذا كان يمثل هروبا من السوق المصرية؟ وإذا كان كذلك فما مصير 19 امتيازا آخرين حصلت عليها الشركة في مصر، يرى عبد المطلب، أن "تخارج سنتامين أمر عادي".

وأوضح أنه "يحدث على مستوى الشركات العالمية على مستوى العالم، ولا يعني بالضرورة هروبا أو اعترافا بالفشل، بل يمكن أن يكون تعبيرا عن وجود فرصة أفضل".

وعن الطريقة الأمثل للاستغلال الأمثل لمنجم ذهب السكري، خاصة وأن مصريين يؤكدون أنهم لا يشعرون بفائدة منه تعود عليهم خاصة في ظل حصول الشركات المستخرجة على نحو 47 بالمئة من انتاجه، أكد الخبير المصري أن "المسألة هنا تتعلق بحسن الإدارة المفقود".


وأكد أن "نفس المشاكل يعاني منها الاقتصاد المصري في عقود استكشاف الغاز والتنقيب عن النفط، وحسن استغلال الموارد الاقتصادية، كما أن زيادة عجز الموازنة يلتهم كافة الإيرادات ويحرم الاقتصاد المصري من الكثير من عوائد هذه الموارد".

"لن يعود على مصر الكثير"
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد ذكرالله، عن نقل الملكية لمنجم السكري من شركة سنتامين إلى شركة أنغلو غولد أشانتي: "أولا: ليس معلوما على وجه الدقة ما هي حصص الملكية المتفق عليها بين الحكومة المصرية وبين سنتامين".

الأكاديمي المصري، وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "وبالتالي لا يمكن القول إن مصر ستستفيد من حصص البيع"، ملمحا إلى أنه "خلال السنوات الماضية كان هناك لغط كبير حول عائدات وإيرادات منجم السكري".

وأشار إلى أنه "جرى الإعلان عن الإيرادات السنوية التي تدخل الخزانة العامة المصرية من وراء منجم السكري، وهذه وصلت ذروتها حوالي 139 مليون دولار في العام 2023، فيما كانت أقل من ذلك في 2022".

وأوضح أنه "رغم ذلك الإعلان إلا أنه لا يُعرف على وجه التحديد ما هي نسب حصص الملكية بمنجم السكري بين الحكومة والشركة، ولا الشروط التي تم الاتفاق عليها عند تخصيص إدارة هذا المنجم لشركة سنتامين".

ولفت إلى أنه "يمكن القول إن ما يحدث الآن هو نوع ما من أنواع الملكية، وأن الحكومة المصرية لن تستفيد منه شيئا يذكر إلى حد كبير، إلا أنه ربما تكون هناك ضريبة على العقود الجديدة والتملك الجديد، ربما يكون هناك مثل ذلك".

وتوقع استشاري التدريب ودراسات الجدوى، أن "تسري الاشتراطات السابقة؛ لأنه من المعروف أن الشركة تبيع عقد التخصيص، وبالتالي نفس الاشتراطات أو مواد العقود المبرمة بين الحكومة المصرية والشركة القديمة سنتامين ستسري على الشركة الجديدة كذلك".


ويعتقد أنه "لا يوجد ما يمنع على الإطلاق من وجود حق الاعتراض للحكومة المصرية على هذا الانتقال في الملكية؛ حيث أن العقد الأساسي -وهذا أمر منطقي وحدث أكثر من مرة في قطاع البترول- يتيح للشركة المالكة للامتياز سواء امتياز التنقيب أو الحفر أو الاستخراج، حق نقل ملكية هذا الامتياز باعتباره أصلا إلى شركات أخرى".

في نهاية حديثه، يرى ذكرالله، أنه "لن يعود على الجانب المصري الكثير في هذا الإطار؛ فهو مجرد تخارج من شركة أجنبية واستبدالها وإحلالها بشركة أجنبية أخرى بنفس شروط التعاقد القديم، وبالتالي لا يوجد ما يمكن أن نسميه أموال يمكن أن يتم ضخها في هذا الإطار داخل الاقتصاد المصري".

"مؤشر إيجابي"

ورغم الجدل الواسع الذي خلفه الإعلان عن صفقة استحواذ "أنغلو غولد" على شركة "سنتامين" الشريك الأجنبي للحكومة المصرية في منجم السكري، إلا أن الباحث المتخصص في المعادن والصخور والجيوكيمياء‏ محمود حامد سليم، رأى في الصفقة جانب إيجابي.

وقال عبر صفحته بـ"فيسبوك": "دخول غولد أشانتي، سوق التعدين المصري مؤشر إيجابي، لما لها من خبرة وسابقة أعمال في مجال تعدين الذهب تفوق تاريخ سنتامين كله"، مشيرا إلى أنها شركة تعدين عالمية، وواحدة من أكبر شركات تعدين الذهب في العالم، ملمحا إلى أن ريادتها في هذا المجال "بفضل عملياتها المتقدمة والتقنيات الحديثة التي تستخدمها في استخراج الذهب".


"نزاع حول السكري"
عقب اندلاع ثورة يناير 2011، طالب معارضون مصريون لنظام الرئيس الراحل حسني مبارك، بمراجعة عقد امتياز منجم السكري، الذي أقره البرلمان بين "الفرعونية لمناجم الذهب" التابعة لشركة "سنتامين" ووزارة البترول والثروة المعدنية والهيئة العامة للثروة المعدنية عام 1994.

وجرى تقديم 4 طعون قانونية بالبطلان أمام محكمة القضاء الإداري، في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2012، لينتهي النزاع القانوني بعد نحو 11 عاما، برفض الدعوى وعدم بطلان عقد "سنتامين" في منجم "السكري"، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، بحكم نهائي من "المحكمة الإدارية العليا".

وذلك بعد حكم أصدرته "المحكمة الدستورية العليا" في مصر 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، يقضي بدستورية قانون مقدم من حكومة رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، "يحول دون طعن أطراف ثالثة على الاتفاقيات الموقعة بين الحكومة المصرية والمستثمرين"، الأمر الذي ينطبق على اتفاقية امتياز "سنتامين".

ومنجم "السكري" في مصر، الذي يُعد واحدا من أكبر وأهم مناجم الذهب في العالم، ارتفعت إيراداته لعام 2023 بأكثر من 10 بالمئة إلى 892 مليون دولار مقارنة بإيرادات العام 2022، مع زيادة الإنتاج إلى 450 ألف أوقية، وبرامج خفض التكلفة في منجم السكري، وزيادة أسعار الذهب عالميا، بحسب المدير التنفيذي لشركة "سنتامين مصر" عمرو حسونة، في كانون الثاني/ يناير الماضي.


حسونة، أكد أن حصة الحكومة المصرية من إنتاج منجم السكري 50 بالمئة من الأرباح المحققة، بالإضافة إلى إتاوة تمثل 3 بالمئة من إجمالي الإيرادات، مقدرا حصة القاهرة في عام 2023، بأكثر من 130 مليون دولار.

وفي آذار/ مارس الماضي، قالت شركة "سنتامين" إن منجم "السكري" بمصر يتجه لإنتاج نحو 500 ألف أوقية (أونصة) من الذهب سنويا، مبينة أن نصيب الحكومة المصرية من أرباح وإتاوات المنجم بلغ 139 مليون دولار في 2023، مشيرة إلى أن المنجم أنتج منذ 2009 نحو 5.7 مليون أوقية من الذهب.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع